هل يغير الدستور الجديد خارطة التحالفات الأجنبية مع تونس؟

بدأت مزاعم حشر الرئيس التونسي قيس سعيد في زاوية العزلة الدولية تنطفئ شيئا فشيئا، مع انخفاض حدة تصريحات معظم الجهات الخارجية وتحول بعضها إلى دعم "إرادة الشعب" عقب الإعلان عن نتائج الاستفتاء على الدستور.
Sputnik
ففرنسا الشريك الاقتصادي الثاني لتونس بعد إيطاليا، اعتبر رئيسها إيمانويل ماكرون الاستفتاء على دستور الجمهورية الجديدة "خطوة مهمة في عملية الانتقال السياسي الجارية"، مشددا على ضرورة "احترام سيادة تونس".
الرئيس الفرنسي يصف الاستفتاء في تونس بـ"المرحلة المهمة"
بينما أصرت أمريكا من خلال البيان الأخير لسفارتها في تونس على ضرورة الإسراع في اعتماد قانون انتخابي "تشاركي"، مع التنصيص على أهمية وجود "قضاء مستقل ومجلس نيابي فعال"، وذلك عقب اللقاء الذي جمع الأحد الرئيس التونسي بوفد من الكونغرس حضرت فيه القائمة بأعمال السفارة الأمريكية نتاشا فرانشسكي.
ولم تفت الرئيس قيس سعيد فرصة توجيه انتقادات إلى الإدارة الأمركية على خلفية التصريحات التي صدرت عن عدد من المسؤولين الأمريكيين مؤخرا والتي اعتبرها سعيّد "غير مقبولة على أي مقياس من المقاييس على اعتبار أن تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة"، مشددا على أن "الشعب عبّر عن إرادته في الاستفتاء وسيُعبّر عنها في الانتخابات القادمة بأكتوبر (تشرين الأول) المقبل".
ويرى مراقبون ومحللون أن مواقف الدول الأجنبية من المسار السياسي الذي يقوده الرئيس قيس سعيد منذ الخامس عشر من يوليو/تموز 2021 تتقلب وفقا لمصالح كل دولة وأهدافها في المنطقة.
القانون الانتخابي هو "قطب الرحى"
ويشير أستاذ العلوم الجيوسياسية، رافع الطبيب، إلى أن "الاستفتاء على الدستور أصبح ماضيا" وأن كل الدول قبلت بنتائجه التي كشفت عن وجود كتلة كبيرة تتجاوز مليوني ناخب في صف الرئيس"، مضيفا أن هذه الكتلة منحت قيس سعيّد شرعية الحكم بأريحية وأن أغلبية الدول تلقفت هذه الرسالة.
ويرى الطبيب في حديث لـ "سبوتنيك" أن التدخل في صياغة القانون الانتخابي الجديد هو أم المعارك وقطب الرحى بالنسبة للدول الغربية التي لها أحزاب ومنظمات تمثلها في تونس.
وتابع: "ما يسعى إليه الأمريكيون وحتى الأوروبيون هو ضمان وجود بعض الأحزاب في البرلمان القادم، خاصة وأنهم يعون جيدا أن جل الأحزاب فقدت قوتها الانتخابية بما في ذلك حركة النهضة التي كانت في وقت من الأوقات أقرب الحلفاء إلى أمريكا".

وبيّن الطبيب أنه "في حال تم اعتماد القانون الانتخابي الذي تحدث عنه الرئيس عقب الاعلان عن نتائج الاستشارة الإلكترونية، ألا وهو نظام الاقتراع على الأفراد وعلى دورتين، فإن أحزاب العشرية الأخيرة لن يكون لها حضور في المشهد البرلماني القادم".

ويرى أستاذ العلوم الجيوسياسية أنه لا يجب فهم البيانات أو التصريحات الأمريكية على ظاهرها، مشيرا إلى أن أمريكا لا تهتم بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان وأن الملف التونسي بالنسبة إليها ليس ملفا سياسيا وحسب وإنما هو أيضا ملف جيو- سياسي.
وأضاف: "لم تأتِ بعثة الكونغرس للتباكي على جدار قرطاج من أجل إنقاذ الديمقراطية والحريات في تونس وإنما جاؤوا من أجل حساباتهم ولفهم تموقع تونس في المنطقة على صعيد العلاقة مع الجزائر وعلى خلفية بروز محور قرطاج المرادية الاتحادية (يجمع تونس والجزائر ومصر)، فضلا عن مسألة الدور التونسي في ضخ الغاز نحو أوروبا".
ولفت الطبيب أن أمريكا وبعد العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا سعت إلى خنق أوروبا على المستوى الطاقي ودفعت الدول الأوروبية إلى الدخول في نوع من المقاطعة للغاز والطاقة الروسية حتى تتمكن من التحول إلى الدولة الوحيدة القادرة على تعويض النفط والغاز الروسي.
وأشار إلى أن المسعى الأمريكي اصطدم بدخول الجزائر على الخط وفشل مخطط الحصار الطاقي على أوروبا، مضيفا: "نعلم جيدا أن تونس ستلعب دورا كبيرا في هذه المسألة على اعتبار أن خط نقل الغاز الجزائري إلى أوروبا يمر عبرها".
الخوف من التقدم الروسي الصيني
ويعتقد مدير منتدى ابن رشد للدراسات الاستراتيجية كمال بن يونس في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن الإدارة الأمريكية والعواصم الأوروبية أعطت الضوء الأخضر منذ البداية لحركة 25 يوليو ورحبت بما وقع وكانت تعتبر أن الأزمة استفحلت خلال العشرية الماضية.
وأضاف: "ولكن النقطة الخلافية بالنسبة لأمريكا وغيرها من الدول كانت المطالبة بانتخابات برلمانية مبكرة وحسم الخلافات عبر صناديق الاقتراع وهو خلاف أعتقد أنه شكلي لأن ما تبحث عنه هذه الدول هو خدمة مصالحها".
رفض طعن حزب "آفاق تونس" في النتائج الأولية للاستفتاء على الدستور
وقال بن يونس إن واشنطن وباريس تسعيان إلى دعم المسار السياسي في تونس حتى تكون بوابة لهما لعبور أفريقيا ومواجهة القوة الروسية والصينية، مشيرا إلى أن الجزائر اقتربت أكثر اقتصاديا وعسكريا من روسيا والصين، تماما مثلما فعلت بعض الدول الخليجية النفطية.
وتابع: "هناك تنافس فرنسي أوروبي من جهة وأمريكي من جهة ثانية على ضمان أن تبقى تونس موالية لحلفائها التقليديين وللمحور الأمريكي الفرنسي مع اختلافات ظاهرية ولكنها ثانوية جدا".
وأشار بن يونس إلى أن مخاوف الفرنسيين تعاظمت أكثر مع تراجع نفوذهم في منطقة المغرب العربي وبالأساس الجزائر والمغرب وليبيا مقابل تقدم الخط الروسي والصيني، "فالجزائر مثلا أصبحت تقتني 60% من مشترياتها العسكرية من روسيا وأصبحت الصين شريكها الاقتصادي الأول".
ويتفق الخبير في شؤون منطقة شمال أفريقيا باسل الترجمان مع ما ذهب إليه بن يونس، مشيرا في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن "الإدارة الأمريكية تعي تماما أنها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الدخول في خيار تكرار ما قامت به سنة 2011 في قضية الربيع العربي ومحاولة اسقاط الأنظمة العربية وما انجر عنه من خسائر جيو-استراتيحية تحصدها واشنطن في العالم اليوم، أو أن تقوم بتغيير سياساتها والبحث عن الدخول عبر بوابة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء علاقات حسن الجوار مع دول القارة الأفريقية لمواجهة التقدم الروسي الصيني الذي انتبهت واشنطن متأخرة إلى حجمه وإلى مدى نجاح بكين وموسكو في أن يكون لهما حضور اقتصادي كبير في القارة الأفريقية".
زمن التدخل قد انتهى
ويلاحظ المحلل السياسي باسل الترجمان أن السياسة الخارجية في عهدة قيس سعيد اتخذت منحى آخر، ألا وهو القطع مع التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية ومع التنازلات.

وتابع: "لقد أبلغ الرئيس رسالة واضحة مفادها أن تونس ليست محمية أمريكية أو أوروبية وأنها لا تقبل بالتدخل في شؤونها تحت أي ظرف"، مشيرا إلى أن العديد من الدول التي كانت تسيّر المشهد في تونس منذ 2011 وتتحكم في الأحزاب وفي المواقف السياسية وتتدخل في التعيينات والإقالات عبر سفرائها بدأت تعي بأن زمن التدخل الخارجي قد ولى وانتهى".

من جانبه، يرى الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي أن كل دولة تنظر إلى تونس من زاوية مصالحها وخاصة حساباتها في المنطقة، مشيرا إلى أن المواقف الخارجية المعلنة حتى وإن كانت ناقدة للوضع في تونس فإنها لن تؤثر على مسار العلاقات معها.
أما بالنسبة للجانب التونسي، فاعتبر العبيدي في حديثه لـ "سبوتنيك"، أنه لا يزال يتلمس ثوابت سياسته الخارجية التي لن تتحدد إلا بتحقيق الاستقرار السياسي الذي يمكن على أساسه التفاوض مع الجهات الأجنبية من أجل جني منافع لتونس على مستوى استراتيجي واقتصادي.
مناقشة