واتفق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ونظيره الفرنسي ماكرون على ضرورة تكثيف الشراكة بين البلدين، وفق مبدئي الاحترام والثقة المتبادلة ومبدأ "رابح رابح".
ويرى مراقبون أن الكثير من العقبات تقف حائلًا أمام تحقيق الطموحات الفرنسية والأوروبية من زيارة ماكرون، أهمها الملفات القضائية والتاريخية العالقة، وسياسة الحياد التي تتبعها الجزائر في ظل العلاقات الاستراتيجية التي تجمعها مع روسيا.
مقاربة براغماتية
قال نجيب الساكتة، عضو المجلس الشعبي الولائي بالجزائر، إن الفضاء "الفرونكوفوني" يتراجع عند فرنسا في ولاية إيمانويل ماكرون خاصة في ظل ضعفه، كما أن النخب الأفريقية بدأت تغيّر في تفكيرها تجاه الدولة المستعمِرة مع انتهاج مقاربة براغماتية و شراكة "رابح رابح".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، وجب على الجزائر أن تثمن مقاربتها الجديدة مع فرنسا، وتباشر طريقها من خلال تأكيد ذلك في هذه الزيارة وترتب ملفاتها تجاه فرنسا، معتبرا أن ملف التموين الطاقوي فرصة لذلك.
وتابع: "رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ليس كبقية الرؤساء إن لم نقل مختلفًا نوعا ما، له نظرة استشراف وقراءة واضحة مباشرة دون التخفي، ومن المعلوم أن روسيا حليف استراتيجي بأتم معنى الكلمة وما تحمله من معان لا نعلمها".
ويرى الساكتة أن الجزائر نجحت بفضل سياستها الخارجية والداخلية في أن تفرض خطا معين مع شركائها من الدول الأفريقية والأوروبية وبعض دول الخليج في ظل ما يجري مع دولة الجوار.
وعن التقارب مع أوروبا في ظل العلاقات الروسية الجزائرية، قال عضو المجلس الشعبي الولائي إن الدبلوماسية الجزائرية وكما عودتنا دائما تحترم قرارات الدول وشؤونها الداخلية وتحترم أصدقاءها، مضيفا: "صحيح هناك أمور دولية واحتياجات ينبغي مسايرتها؛ لكن تبقى المصالح هي من تصنع السياسات وبالطبع الجزائر دولة مصدرة ولها فضاء واسع لبناء اقتصادياتها وزيارة الرئيس الفرنسي هي نوع من ذلك، والدبلوماسية هي من تصنع الاستراتيجية".
ملفات شائكة
بدوره، اعتبر نور الدين ختال، المحلل السياسي الجزائري، أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر، تأتي في محاولة لتلطيف الأجواء بعد الخلاف الدبلوماسي الذي أثارته تصريحاته في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خلال التحضير لحملته الانتخابية.
واستبعد ختال في تصريحاته لـ "سبوتنيك"، أن تنجح الزيارة في رأب الصدع بين فرنسا والجزائر، لا سيما في ملفين حساسين، الأول ملف القضاء، حيث تطالب باريس باستقبال المهاجرين المطرودين وهو ما ترفضه الجزائر التي تطالب فرنسا بتسليم المجرمين الهاربين لديها.
وتابع: "أما الملف الثاني، فهو الملف التاريخي، حيث تنتظر الجزائر من فرنسا أن تقدم اعتذارًا على استعمارها لمدة 132 سنة في المقابل تعتبر فرنسا هذا الملف تاريخي ومرتبط بالمؤرخين وليس بالسياسيين".
وفيما يتعلق بملف الطاقة، أكد ختال أن إنتاج الغاز في الجزائر يكاد يبلغ طاقته القصوى، وإذا كانت فرنسا وأوروبا تريدان من الجزائر أن تنتج وتصدر كميات أكبر، عليها الاستثمار في مجال الغاز بالجزائر، وإن كان هناك تصريحات بين الجزائر وفرنسا بخصوص الغاز فهي موجهة للشارع الأوروبي والفرنسي من أجل تهدئته خاصة مع قرب حلول فصل الشتاء.
وفيما يتعلق بالعلاقات الجزائرية الروسية، أوضح أن الجزائر توازن في علاقاتها مع روسيا وأوروبا، فالجزائر منذ بداية الأزمة في شهر فبراير/شباط الماضي اختارت أن تكون على الحياد، وتسعى للحفاظ عليه في ظل علاقاتها الاقتصادية الجيدة مع أوروبا، وعلاقاتها العسكرية الممتازة مع روسيا.
عقبات كبيرة
في السياق، اعتبر محمد رجائي بركات خبير العلاقات الدولية والمقيم في بروكسل، أن زيارة ماكرون للجزائر تأتي في ظل حاجة فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي لتحسين علاقاتهم مع الجزائر، نظرًا لحاجتهم الملحة للغاز والنفط، بسبب الصعوبات التي تواجهها دول الاتحاد بعد أن قامت روسيا بقطع وتخفيض كميات الغاز والنفط المصدرة لهم.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإن الرأي العام في الجزائر يعي جيدًا أسباب الزيارة، لكن الأمر يتوقف على مدى نجاح الرئيس الجزائري في إقناع ماكرون بتحقيق مطالبه التي سبق وصرح بها، ومن بينها رغبة الجزائريين في العودة للسفر إلى أوروبا، كما أن أعدادًا كبيرة تطالب بالهجرة.
وفيما يتعلق بإمكانية نجاح الزيارة في رأب الصدع بين فرنسا والجزائر، قال بركات إن هناك الكثير من العوائق، لا سيما في ظل استبعاد موافقة فرنسا على تلبية المطالب الجزائرية بهذا الخصوص.
ويعتقد كذلك أنه من الصعب موافقة الجزائر على تزويد فرنسا وأوروبا بالكميات المطلوبة من الغاز، وذلك لأن الجزائر تضع في عين الاعتبار العلاقات الجيدة التي تربطها بروسيا، وهو ما يشكل عائقًا جديدًا أمام تلبية الطموح الفرنسي والأوروبي من الزيارة.
ووصل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر، أمس الخميس، في أول زيارة رسمية له منذ 5 سنوات، ومن المقرر أن تستمر لمدة 3 أيام، وتهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية المستقبلية بين البلدين، وتضميد جراح الحقبة الاستعمارية.
كما تأتي زيارة ماكرون بعد أقل من عام من أزمة دبلوماسية استمرت لأشهر بين فرنسا والجزائر، وأثارت التوترات بعد 60 عاما من حصول الدولة الواقعة شمالي أفريقيا على استقلالها عن فرنسا.
وخلال السنوات الأخيرة، اتخذ ماكرون خطوات غير مسبوقة للاعتراف بالتعذيب والقتل على أيدي القوات الفرنسية خلال حرب استقلال الجزائر، التي جرت بين عامي 1954 و1962، وذلك في محاولة منه لتحسين العلاقات بين البلدين التي لا تزال تعاني من الاحتقان، ومع ذلك، فإن سلسلة الإيماءات الرمزية لم تصل إلى مستوى اعتذار من فرنسا عن أفعالها خلال الحرب، وهو مطلب قديم من الجزائر.