وبحسب وزارة الطاقة التونسية، فإن شركة شال البريطانية الهولندية التي تستغل حقل "مسكار" منذ 30 سنة قد أعلنت اعتزامها عدم مواصلة استغلال هذا الحقل بداية من تاريخ 08 يونيو/حزيران الماضي.
وبذلك، يعود حقل "مسكار" إلى الدولة التونسية ممثلة في المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، التي ستتولى مهمة استغلاله بالكامل طيلة الـ 26 سنة المقبلة.
ويعدّ حقل "مسكار"، الواقع قبالة سواحل خليج قابس في الجنوب الشرقي التونسي، واحدا من أكبر حقول إنتاج الغاز في تونس بطاقة إنتاج يومية تقدر بـ 200 مليون متر مكعب. ويوفّر هذا الحقل 40% من الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي و 25% من الإنتاج الوطني.
وبحسب تأكيد الرئيس المدير العام لشركة الأنشطة البترولية عبد الوهاب الخماسي (أقيل لاحقا) فإن شركة "شال" تقدمت في يوليو/تموز المنقضي بطلب إلى السلطات التونسية للتخلي أيضا عن حقل "صدربعل" للغاز الطبيعي قبل انتهاء آجال استغلاله التي من المفترض أن تنتهي سنة 2035، معللة قرارها بأنها تعتزم التخلي عن أنشطة الاستكشاف وإنتاج النفط والغاز والتوجه إلى الاستثمار في الطاقات المتجددة.
خبرة تونسية منقوصة
وقال الخبير في الطاقة رضا مأمون لـ "سبوتنيك"، إن خروج شركة شال من تونس لم يكن قرارا مفاجئا، حيث سبق لها وأن أعلنت عن اعتزامها التخلي عن استغلال حقليْ "مسكار" و"صدربعل".
وأشار مأمون إلى أن الاشكال الحقيقي يكمن في أن الدولة التونسية لم تتجهز لهذا القرار ولم تجد حلولا له في الوقت اللازم وانشغلت بالمسائل السياسية وغيرها، مضيفا "كان بإمكان الدولة أن تفتح طلب عروض لاختيار مستغلّ جديد لهذه الحقول".
وتابع "من المعلوم أن تونس غير قادرة على الاعتناء بحقول الطاقة في البحر، ومن الصعب على الخبرات التونسية أن تتكفل بحقل مثل حقل مسكار أو صدربعل"، مشيرا إلى أن تونس ستواجه إشكالا فنيا كبيرا من ناحية الإنتاج والصيانة.
وقال مأمون "سبق وأن نبهنا الحكومة ووزارة الطاقة إلى مثل هذه الاشكاليات المتوقعة وطالبنا بإعداد كراس شروط يتم الاستناد إليها في اختيار المستثمرين الجدد، ولكن لم يحدث شيء من هذا".
وتساءل مأمون عن كيفية إدارة الدولة التونسية لهذه الحقول في ظل غياب الخبرة الفنية وخاصة الثقل المالي، مضيفا "تونس لن تكون قادرة على استثمار 50 مليار في حقل نفطي".
وأشار الخبير الطاقي إلى أن شركة "شال" أعرضت عن استغلال حقل مسكار مجددا لأن طاقته تراجعت إلى مستويات دنيا، إذ أن مخزونه لا يتجاوز 10 في المئة، وهو ما يعني أن المشغل الجديد لن يجني منه مردودية كبيرة.
حقول ذات إنتاجية منخفضة
بدوره، أكد الخبير في الطاقة والمناجم غازي بن جميع لـ "سبوتنيك"، أن مغادرة شركة شال لحقل مسكار يعود أساسا إلى تضاؤل طاقته الإنتاجية، ولذلك قررت عدم تجديد الامتياز الذي وقع تحويله للشركة التونسية للأنشطة البترولية التي ستشرف عليه.
وأشار إلى أن شركات الطاقة الكبرى أصبحت تعرض عن الاستثمار في حقول نفطية ذات جدوى اقتصادية ضئيلة، قائلا "عندما اشترت شال مؤسسة بريتش غاز كان هناك اتفاق على التخلي عن الحقول ذات الانتاج الصغير ومن بينها حقول تونس، وهو ما يفسر إعلانها التخلي عن استغلال حقليْ مسكار وصدربعل".
ويُفسر بن جميع تواتر مغادرة المؤسسات الطاقية الكبرى للحقول النفطية التونسية بمسألة ثانية وهي تكرر الاحتجاجات في حقول الطاقة والتي يتخلل معظمها توقيف للإنتاج، وهو ما خلّف أضرارا كبيرة أثرت بشكل مباشر على الجدوى الاقتصادية لهذه الحقول.
ولفت بن جميع: "ستواصل الشركة التونسية للأنشطة البترولية استغلال حقل مسكار عن طريق مؤسسة APO، ولكن الإشكال يكمل في قرب انتهاء عقود حقول نفطية أخرى كانت تديرها شركات عالمية، أولها حقل صدربعل الذي أعلنت شال قرب خروجها منه وحقل سيدي الكيلاني الذي ستنتهي مدة استغلاله في ديسمبر/ كانون الأول القادم".
وقال بن جميع إن الشركة التونسية للأنشطة البترولية ستواجه مستقبلا اشكالا في إدارة هذه الحقول التي تشرف عليها شركات مختلفة، وهو ما يعني زيادة في التكاليف مقابل تراجع الإنتاج.
عجز متفاقم وشح في الاستكشاف
وسجلت تونس عجزا غير مسبوق في الميزان التجاري الطّاقي، تعمّق بنسبة 62 في المئة مقارنة بالسنة الفارطة، حيث ارتفعت قيمته من 658 مليون دينار نهاية فبراير/شباط 2021، إلى 1065 مليون دينار نهاية فبراير المنقضي.
وتصاعدت حاجة تونس لتمويل استيراد الطاقة إلى 3.2 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري بسبب ارتفاع الأسعار في السوق العالمية، بينما كانت تقديراتها في قانون المالية تبلغ 1.6 مليار دولار للعام بأكمله، وفقا لوزارة الطاقة.
ويرى بن جميع أن الدولة التونسية تعي جيدا أنها دخلت مرحلة العجز الطاقي منذ سنة 2000 ولكنها لم تتخذ أية اجراءات لتطوير قطاع المحروقات من خلال تطوير رخص البحث والاستكشاف.
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال الخبير الدولي في الطاقة عز الدين خلف الله، إن جل الحقول النفطية التونسية تقادمت وتراجعت انتاجيتها، ولكن لم يقابل هذا الوضع زيادة في عدد الاستكشافات الجديدة خاصة بعد الثورة.
وأضاف: "صحيح أن الانتاج المحلي للغاز ارتفع بشكل طفيف سنة 2021 بفضل دخول حقل نوارة طور الإنتاج، ولكن مصير دورة حياة هذا الحقل ستتضاءل تدريجيا وهو ما سيخلف تراجعا جديدا في تغطية الإنتاج المحلي لحاجيات البلاد من الطاقة".
وقال خلف الله إن الدولة التونسية مطالبة بتشجيع المستكشفين وتقليص العوائق التشريعية والضرائب التي تنفر المستثمرين.
ولفت الخبير الطاقي إلى أنه ليس من صالح تونس أن تتولى عملية الاستكشاف التي تتطلب طاقة مالية ضخمة تقدر بـ 50 مليار للبئر الواحدة، مشيرا إلى أنه على كل 10 آبار بئر واحدة فقط تكون منتجة.
وختم بالقول: "عندما تكون نتيجة الحفر سلبية، تتحمل شركات الاستكشاف العالمية وحدها الخسائر. وإذا كانت النتيجة إيجابية تتقاسم الدولة التونسية المرابيح معها، كما أنها تتمتع بإيرادات ضريبة هامة".
ويشير الخبير غازي بن جميع إلى أن خروج تونس من دائرة العجز الطاقي لا يتوقف عند حدود تطوير الاستكشافات، وإنما بالانتقال التدريجي إلى الطاقات المتجددة ودعم الشركات الراغبة في إنتاج هذه الطاقات