ضبط الإنفاق والتعاون مع إسرائيل... ما إمكانية تنفيذ فلسطين لشروط صندوق النقد؟

وسط الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها فلسطين، لا سيما في ظل الخصم الإسرائيلي من أموال المقاصة وتأثيرها على السلطة، طالب صندوق النقد السلطة بضبط الإنفاق والتعاون مع إسرائيل من أجل تحفيز الاقتصاد المحلي.
Sputnik
وقال الصندوق في ختام جولة مشاورات أجرتها بعثة تابعة له مع السلطة إن الاقتصاد الفلسطيني يواجه تحديات هائلة، فعلى المدى المتوسط، تتأثر التوقعات بوضع المالية العامة، والاضطرابات السياسية والأمنية والاجتماعية الكبيرة، وتصاعد معدلات التضخم، والقيود المفروضة على الحركة والدخول، وعدم استكمال الخطة الهيكلية، وفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
وأكد مراقبون أن شروط الصندوق "ابتزاز" للسلطة في ظل إغفال القرصنة الإسرائيلية على أموال المقاصة، مؤكدين أنها تهدف إلى زيادة تبعية الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل.

ابتزاز السلطة

اعتبر الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلوم السياسية والمستشار الفلسطيني في العلاقات الدولية، إن سياسة البنك الدولي تجاه السلطة هي لمزيد من الابتزاز والضغط بحجة إجراء الإصلاحات في فاتورة الإنفاق العام على الرواتب والإقراض وقطاع الصحة، وزيادة الإيرادات الضريبية وهيكلة المؤسسات الحكومية، بما فيها التقاعد الاختياري المبكر خلال الشهور القليلة المقبلة.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، توصيات وشروط البنك الدولي تساهم في زيادة معاناة الشعب الفلسطيني، وإثقاله ماليًا واقتصاديًا، مؤكدًا أن البنك لا يأبه بالواقع الفلسطيني المرير، وبدلا من الضغط على إسرائيل لإجبارها على فك الهيمنة والسيطرة على الاقتصاد الفلسطيني، ومساعدة السلطة في التحلل من اتفاق باريس وصولا إلى الاستقلال الاقتصادي، يطالب بالتعاون مع تل أبيب.
وتابع: "توسيع القاعدة الضريبية التي يطالب بها البنك الدولي، خطوة من شأنها إرهاق المواطن الفلسطيني أكثر، في وقت يعيش أغلب الفلسطينيين على الكفاف والفقر والبؤس، وفي أوضاع اقتصادية متردية للغاية".
ويرى شعث ضرورة أن يكون هناك إصلاحات إدارية واقتصادية، لكن في الوقت نفسه يجب ألا تطال الفقراء والموظفين بفلسطين، في ظل وجود فجوة في مستوى المعيشة ما بين الإسرائيلي والفلسطيني.
فلسطين تطلب مساعدة صندوق النقد والبنك الدوليين لمواجهة فيروس كورونا

تبعية إسرائيلية

بدوره أبدى فادي أبوبكر، المحلل السياسي الفلسطيني استغرابه من الشروط والمطالب التي وضعها البنك الدولي، وكأنه يتعامل مع فلسطين على أنها دولة مستقلة ذات سيادة فعلية على الأرض، وتناسى باعتبره جزءا من منظومة الأمم المتحدة أنها لا تزال تعترف بفلسطين كدولة بصفة مراقب وليست كاملة العضوية.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، يمكن استيعاب هذه الشروط إذا كانت فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، لا سيما وأنها شروط تتعلق بالتعاون الاقتصادي، وزيادة تبعية الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل، وهو من شأنه أن يقود فرص فلسطين كدولة مستقلة، مشددًا على ضرورة أن تدعم هذه المؤسسات استقلال الاقتصاد الفلسطيني.
وتابع: "الوضع المعيشي في فلسطين صعب، هناك غلاء وارتفاع أسعار في ظل رواتب زهيدة، وبالنظر إلى حجم الإنفاق الوضع ينتقل تدريجيًا، ولم يعد هناك طبقة متوسطة، وضبط الإنفاق يعني إشعال الحريق في فلسطين".
واعتبر أبوبكر أن هذه السياسة مشكوك في أمرها، والأجدى أن تحاول هذه المؤسسات بالبحث في كيفية استقلال الاقتصاد الفلسطيني، بدلا من إغراقها في المستنقع، مؤكدًا أن تنفيذ هذه الشروط يعني تأزم الأوضاع أكثر على مستوى الشارع، وزيادة التبعية وتقويض فرص إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.
وقال إن البنك الدولي لم يشر إلى قضية القرصنة الإسرائيلية على الأموال الفلسطينية، بالعكس أوصى بتوسيع القاعدة الضريبية لفلسطين، وهي شروط لإلهاء الشارع الفلسطيني من خلال إغراقه في مشاكل وأزمات مالية واقتصادية، وجعله لا يفكر إلا في قوته.
وزير الاقتصاد الفلسطيني: نهدف لتعزيز التبادل التجاري والاستثمارات مع روسيا
وقال صندوق النقد إن معظم التحديات التي تواجه المالية العامة بطابعها الهيكلي، إذ السلطة الفلسطينية تتحمل فاتورة أجور مرتفعة في القطاع العام، وتنفق جزءا كبيرا من ميزانيتها في غزة والقدس الشرقية، ولكنها لا تحقق أي إيرادات تقريبا في هاتين المنطقتين أو في مناطق الضفة الغربية الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، وهي المعروفة بالمنطقة (ج)، كما أن السلطة الفلسطينية وإسرائيل مختلفتان حول حجم الإيرادات التي يتعين على إسرائيل تحويلها للسلطة الفلسطينية.
وحذر من أنه "ما لم يتم تعديل سياسة المالية العامة، لن يتسنى الحفاظ على استدامة الموارد العامة، ويُتوقع تراجع النمو الاقتصادي تدريجيا، وأن في سياق التعاون المشترك بين السلطة الفلسطينية واسرائيل، ينبغي أن يعملا على إيجاد حل للملفات المالية العالقة من أجل تعزيز الإيرادات الفلسطينية، والحد من القيود التي تفرضها إسرائيل على حركة السلع والأفراد والاستثمار لإطلاق العنان للنمو الاقتصادي الممكن".
ويتوقع الصندوق تباطؤ نمو الاقتصاد الفلسطيني إلى 4% خلال العام الحالي، في ظل المخاوف المتزايدة بشأن التضخم، واستمرار مواطن الضعف في المالية العامة.
وكان خالد العسيلي، وزير الاقتصاد الفلسطيني، أكد في حوار سابق مع "سبوتنيك"، أن السلطة الفلسطينية تعاني من عجز كبير في موازنتها نتيجة القضم الإسرائيلي لأموال المقاصة، إضافة لوضع اقتصادي صعب نتيجة التدخل الإسرائيلي ومنع الاستثمار بالأراضي الفلسطينية بحرية، ومنع استغلال أراضي مناطق "C" والتي تقع تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل.
مناقشة