وفي الأثناء، تصاعدت مطالب أنصار الرئيس قيس سعيد بإجراء تعديل وزاري يطفئ الغضب الشعبي ويعوض الفشل الحكومي في إدارة ملفات الفساد والاحتكار ويساعد على تجاوز المأزق الاقتصادي الذي وقعت فيه البلاد وانعكس على قوت التونسيين بشكل مباشر.. فهل يشتري الرئيس التونسي قيس سعيد السلم الاجتماعي بإجراء تحوير حكومي؟.
حكومة إنقاذ يقودها عسكريون
رفعت احتجاجات 25 يوليو/تموز 2021، مطالب اجتماعية بالأساس، غير أن هذه المطالب لم تر النور إلى حد اليوم حسب رئيس المكتب السياسي لـ "حراك 25 يوليو" محمود بن مبروك، الذي قال لـ "سبوتنيك" إن الوضع اليوم ينذر بانفجار اجتماعي.
ويعتقد بن مبروك أن حكومة نجلاء بودن فشلت "فشلا ذريعا" في الاستجابة لاستحقاقات التونسيين، مشددا على خطورة المساس بقوت المواطنين وبقدرتهم الشرائية بعد تسجيل ارتفاع غير مسبوق في الأسعار وشح التزود بالمواد الأساسية.
وأضاف: "فشلت هذه الحكومة في إدارة العديد من الملفات، وعلى رأسها الاحتكار والمضاربة ومحاسبة الفاسدين الذين أوصلوا البلاد إلى ما هي عليه اليوم من عجز على جميع المستويات"، مشيرا إلى أن عملية المحاسبة "تتقدم بخطى بطيئة جدا".
وأكد بن مبروك أن "حراك 25 يوليو" طالب رئيس الجمهورية بإجراء تعديل وزاري عاجل وتشكيل حكومة إنقاذ وطني "تقطع مع مرحلة ضعف الأداء خاصة على مستوى وزارات التجارة والصناعة والفلاحة وتنهي مع الاتفاقيات التي أضرت بالاقتصاد التونسي وجلبت العملة الصعبة ولكنها قضت في المقابل على الفلاحين وصغار التجار والصناعيين"، حسب قوله.
ويقترح "حراك 25 يوليو"، أن تكون هذه الحكومة ضيقة وتقودها شخصيات عسكرية إلى جانب مكونات اقتصادية. يقول بن مبروك "نحن لا ندعو لنظام عسكري ولكن التجربة أثبتت أن العقيدة العسكرية مشهود لها بالنزاهة وبالعمل الجاد والقدرة على إيجاد الحلول وهو ما بيّنته للجميع أثناء الجائحة الصحية"، في إشارة لأزمة تفشي فيروس كورونا.
ويرى بن مبروك أن الرئيس قيس سعيد لا يمتلك المجال للتفكير في إجراء التعديل الحكومي من عدمه، مضيفا "لقد أصبحت هذه المسألة أمرا مفروغا منه لأن جميع المؤشرات تدل على قرب انفجار اجتماعي ستكون عواقبه وخيمة على الجميع".
أداء حكومي يستوجب التغيير
وقال القيادي في حركة الشعب بدر الدين القمودي لـ "سبوتنيك"، إن حكومة بودن عيّنت بالأساس لترجمة استحقاقات 25 يوليو وشعارات ثورة 17 ديسمبرر 2010 وإصلاح الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
ومضى، مستدركا: "لكن بعد مرور قرابة السنة على هذا التكليف نلاحظ أن أداء هذه الحكومة كان دون المستوى المطلوب ودون سقف الحد الأدنى من طموحات الشعب سواء فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي والاجتماعي أو بمحاربة الفساد ومحاسبة لصوص المال العام وأخطبوط المافيا والإرهاب أو بمعالجة ملف المؤسسات والمنشآت العمومية الذي بقي يراوح مكانه. ناهيك عن العلاقة المتوترة مع الطرف الاجتماعي، وهو ما ينذر بأزمة اجتماعية خانقة قد تعصف بمسار 25 يوليو برمته".
ولفت القمودي إلى أن الأداء الضعيف لعدد كبير من الوزراء والولاة الذين اتسمت قراراتهم بالارتجالية وضعف الكفاءة عمّق أزمة المواطن وخلق حالة من الإرباك والتشكيك لدى الرأي العام، معتبرا أن "حكومة بودن فشلت فشلا ذريعا في تحسين واقع التونسيين مع توالي الأزمات على مستوى المواد الأساسية، وانهيار المقدرة الشرائية، وغياب الحوكمة وضعف الأجهزة الرقابية، وتواصل تكريس سياسة الإفلات من العقاب ومواصلة تحكم المخزن القديم الجديد في مفاصل الدولة وسيطرة لوبيات المافيا والفساد على مسالك التوزيع".
ويعتقد القمودي أن وصفة الخروج من هذا الوضع تمر أولا بتخلي رئيس الجمهورية عن "الفردانية" واعتماد مسار تشاركي حقيقي وحوار وطني مع كل القوى والمنظمات الوطنية والشعبية الداعمة للمسار الثوري التصحيحي، وثانيا بإجراء تغييرات جذرية على مستوى الفريق الحكومي الحالي.
تعديل وزاري قد يطول الوزارات الاقتصادية
ويقول المحلل السياسي ماجد البرهومي في تعليق لـ "سبوتنيك"، إنه لا يمكن الحكم على أداء رئيسة الحكومة نجلاء بودن في ظل نظام حكم لا تمتلك فيه سوى صلاحيات محدودة، مشيرا إلى أن دورها يقتصر على التنسيق بين الوزارات وتمثيل الرئيس في ملتقيات وطنية ودولية.
ومع ذلك، يرى البرهومي أن أداء بعض الوزارات وخاصة منها الاقتصادية "دون المأمول وتعيس بكل ما للكلمة من معنى"، قائلا "لقد بلغ المواطن مرحلة أصبح فيها عاجزا عن تلبية حاجياته الحياتية، فالطبقة الفقيرة سحقت تماما كما استنزفت الطبقة الوسطى".
واعتبر أن فرضية إجراء تعديل وزاري يطال الوزارات الاقتصادية أصبحت مطروحة بقوة هذه الفترة، خاصة في ظل الارتفاع الصاروخي للأسعار وغياب المحروقات وضعف التزود بالمواد الأساسية.
ولا يستبعد البرهومي أن يباشر رئيس الجمهورية في إجراء تعديل وزاري قد يتجاوز الوزارات الاقتصادية ليشمل أيضا وزارة العدل التي قال إن أدائها كان "ضعيفا ومهزوزا"، خاصة فيما يخص إدارة الملفات الكبرى المتعلقة بالفساد والجرائم السياسية التي لم يقع البت فيها، فضلا عن الإجراءات الخاطئة في تتبع القضاة الذين برأت المحكمة الإدارية ذمة غالبيتهم.
ولاحظ البرهومي العديد من الإنذارات التي تشي بقرب حدوث انفجار اجتماعي، مشيرا إلى التحركات الاحتجاجية التي يقودها أهالي منطقة دوار هيشر شمال العاصمة تنديدا بارتفاع الأسعار.
وقال: "لابد لرئيس الجمهورية الذي يمتلك سلطة القرار أن يلتقط الرسالة وأن يتخذ إجراءات ملموسة عوض التفكير في تحوير وزاري لن يغير شيئا على أرض الواقع"، مشيرا إلى أن السلم الأهلي لا يشترى بتغيير حكومي وإنما بإجراءات يتحسس المواطن وقعها على معيشته اليومية.
التحوير الوزاري أمر مستبعد
في المقابل، يستبعد الكاتب والباحث السياسي بلحسن اليحياوي إجراء تعديل وزاري في الفترة المقبلة، قائلا "لن يكون هناك أي تحوير قبل انتخابات 17 ديسمبر/ كانون الأول القادمة".
وأشار في تصريح لـ "سبوتنيك"، إلى أن التغيير الوزاري سيحصل بعد النظر إلى الواجهة السياسية القادمة إثر الانتخابات التشريعية، مضيفا "حاليا يمكن توقع تغيير وزير أو وزيرين على أقصى تقدير ولكن الحديث عن تحوير شامل أو واسع هو أمر بعيد التحقق، خاصة وأن الرئيس قيس سعيد يُراهن على حالة الاستقرار وتجاوز النقد الذي وجه إلى الحكومات السابقة التي لم يتجاوز عمرها السياسي السنة وأحيانا بضعة أشهر".
وأضاف: "ما يحسب لهذه الحكومة أنها كانت حكومة هادئة ولم تكن مسرحا للصراعات السياسية وإن حاول البعض تصوير أن ثمة صراع على النفوذ داخلها، وهي نقطة مضيئة وإن اتسم عملها بالرتابة وغياب القرارات الاستثنائية التي تتطلبها هذه المرحلة".
ولفت اليحياوي إلى أن حكومة بودن هي حكومة تصريف أعمال ولا تمتلك هامشا كبيرا للإصلاح، لافتا إلى أنها "حكومة محكومة بهاجس الإصلاح السياسي الذي يعتبره الرئيس مدخلا لتحقيق المطالب الاقتصادية والاجتماعية التي من أجلها قاد التونسيين تحركات 25 يوليو".
وختم اليحياوي بالقول: "إذا نجحت حكومة بودن في ترجمة المواعيد الكبرى على غرر قمة تيكاد 8 والقمة الفرنكوفونية والمفاوضات مع صندوق النقد الدول إلى مشاريع وإصلاحات واتفاقيات فيمكن لها حينها أن تحصل على نسب رضا معتبرة".