وتنظر جميع الأحزاب بمختلف توجهاتها ومواقفها سواء الداعمة أو المعارضة لمسار 25 يوليو بقلق تجاه مستقبل هذه الانتخابات التي تعقد في موعد سابق لأوانها. فالشق المعارض يتوجس من مزيد تكريس ما يصفه بـ"الحكم الانقلابي" للرئيس قيس سعيد.
بينما يخشى الداعمون لمسار 25 يوليو من استبعادهم من المشاركة في إرساء قواعد جديدة للعملية الانتخابية وبالأساس من كتابة القانون الانتخابي، خاصة وأن الرئيس قيس سعيّد سبق وأن اعتمد نسخة مغايرة للدستور الذي كتبته لجنة الحوار الوطني.
وخلال استقباله لرئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر أمس الأول (الإثنين)، قال سعيد إنه سيتم وضع قانون انتخابي جديد يراعي "الملاحظات والمقترحات التي سيتقدّم بها الذين دعموا المسار الإصلاحي ليوم 25 يوليو وانخرطوا في عملية التأسيس الجديد، عكس الذين يظهرون ما لا يبطنون وتسلّلوا باسم هذا المسار دون أن تكون لهم أي علاقة به"، وفقا لقوله.
دعوة إلى التشاركية
ولا يخفي القيادي في حركة الشعب أسامة عويدات قلق حركته من فرضية عدم ارتكاز الرئيس قيس سعيد على المنحى التشاركي في صياغة القانون الانتخابي والإعداد لقواعد العملية الانتخابية ككل.
وقال لـ "سبوتنيك": "القانون الانتخابي يجب أن يبنى بطريقة تشاركية وأن تساهم في صياغته جميع الأطراف التي دعمت مسار 25 يوليو واعتبرته فرصة للتغيير والإصلاح وتحقيق المطالب الشعبية".
ويرى عويدات أنه من الضروري أن تتم الاستفادة من الخبرات التي راكمتها الأحزاب والمنظمات الداعمة لهذا المسار طيلة أكثر من 10 سنوات، مضيفا "يجب الاستفادة من هذه التجربة ليس فقط في صياغة القانون الانتخابي وإنما أيضا في مراقبة العملية الانتخابية بأكملها لأنه مهما بلغت عبقرية من سيشتغل على هذا القانون بشكل منفرد فإنها ستبقى عاجزة عن إعداد نص متكامل وخالي من الثغرات".
وتطالب حركة الشعب على لسان عويدات بأن لا تتوقف عملية صياغة القواعد الانتخابية الجديدة على تعديل القانون الانتخابي، وأن تتعدى ذلك إلى تنقية المناخ السياسي الذي طغى عليه المال الفاسد والتجاوزات القانونية.
وأشار إلى أن المحطات الانتخابية السابقة اتسمت بغياب تكافؤ الفرص "وكانت فيها الغلبة لمن تم تمويل حملته الانتخابية من الجمعيات الممولة بدورها من الخارج، ولمن كانت له مؤسسة إعلامية تبث لصالحه دون حسيب ولا رقيب، وللأحزاب السياسية التي لم يكن لها وجود على الأرض ولكنها الأولى في عمليات سبر الآراء".
وقال عويدات "يجب القطع مع هذا المنهج في اتجاه ضمان تكافؤ الفرص بين جميع المترشحين حتى تكون الفرصة متاحة للأجدر والأقدر على خدمة الناس وتحقيق مطالبهم التي قادوا لأجلها تحركات 25 يوليو".
وأكد أن حركة الشعب التقت أمس رئيس الجمهورية ونقلت له تخوفاتها ومشاغلها فيما يتعلق بقواعد العملية الانتخابية وأيضا الوضع الاقتصادي الهش الذي ألقى بظلاله على المواطنين، مضيفا "كان تفاعل الرئيس إيجابيا مع مطالبنا".
المعارضة تختار المقاطعة من جديد
على الجانب الآخر، تتجه غالبية الأحزاب المعارضة إلى مقاطعة انتخابات 17 كانون الأول، رفضا للانخراط في مسار يعتبرون أنه سيحيد بالبلاد عن الخط الديمقراطي وسيؤدي بها إلى العودة إلى ثوب الدكتاتورية.
ويؤكد الأمين العام للحزب الجمهوري وعضو تنسيقية الأحزاب الاجتماعية عصام الشابي لـ "سبوتنيك"، أن حزبه لن يشارك في "مسرحية الغاية منها هو استكمال بناء نظام سياسي منغلق وتجريد البرلمان من كل صلاحياته ومن ضمنها المراقبة وإلغاء التوازن بين السلطات والتفرقة بينها".
وأضاف "لن نشارك في انتخابات الهدف منها هو إضعاف الأحزاب ودورها حتى يكون البرلمان طيّعا في يد الرئيس ويكون بمثابة رجع الصدى لأفكاره وقراراته، لأننا نعتبر أن الانتخابات هي محطة للتعبير عن إرادة التونسيين وفرصة لتجديد الثقة واختيار القيادات السياسية للبلاد والحوار حول البرامج والرؤى".
ويرى الشابي أن صياغة القانون الانتخابي الجديد لم تخرج عن السياق الذي تم فيه إعداد الدستور وكل النصوص القانونية التي صدرت منذ 25 يوليو 2021.
وقال: "ليس هناك حوار ولا مناخ انتخابي يستجيب للمعايير الدولية للانتخابات الحرة والنزيهة.. اليوم ينفرد قيس سعيد من جديد بتقرير تاريخ الانتخابات وبالإطار القانوني المنظم لها وبالمناخ السياسي الذي سيحيط بها".
وتابع الشابي"لا يعلم أحد في تونس كيف ستكون هذه الانتخابات وهل سيتم تغيير تقسيم الدوائر الانتخابية وكيف ستكون طريقة الاقتراع على القوائم أم على الأفراد وما هو دور الغرفة الثانية للبرلمان. فتاريخ الانتخابات مازال إلى حد الآن في مستوى القرار السياسي ولم يتحول إلى قرار رسمي. إذ ليس هناك نص قانوني يثبت أن تونس ستدخل مرحلة الانتخابات إلا إذا اعتبرنا أن تصريحات الحاكم بأمره هي قوانين في حد ذاتها".
واعتبر الشابي أن الرئيس قيس سعيد يواصل في اعتماد سياسة الهروب إلى الأمام وفرض الأمر الواقع، قائلا إن حزبه وجميع القوى الديمقراطية لن تقبل بهذا النهج الانفرادي وأنه سيدعو التونسيين إلى مقاطعة هذه الانتخابات والطعن في شرعيتها.
انتخابات لهيئة مجردة من الاصلاحيات
بدوره، قال رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي لـ "سبوتنيك"، إن الجبهة ستقاطع الانتخابات القادمة التي دعا إليها رئيس الجمهورية قيس سعيد لأنها "انتخابات لهيئة مجردة من الصلاحيات الرقابية ومحدودة الصلاحيات التشريعية ضمن دستور وضعه سعيّد بشكل منفرد وفي إقصاء لكل مكونات المجتمع".
وأضاف نجيب أن هذه الانتخابات لم تكن ناجمة عن إرادة الشعب التونسي، مشيرا إلى أن الأغلبية الساحقة من الشعب عزفت عن المشاركة في الاستفتاء على الدستور الذي كتبه الرئيس.
وتابع "هي محطة أخرى من مسلسل الانقلاب التي سنقاطعها ونطلب من الشعب أيضا مقاطعتها، وسوف نعمل على عودة الشرعية الدستورية وتنظيم انتخابات مبكرة شفافة يشارك فيها الجميع وتشرف عليها هيئة مستقلة ذات مصداقية.
وتندرج هذه الانتخابات ضمن حزمة من الإجراءات الاستثنائية التي أقرها الرئيس قيس سعيد منذ الـ 25 من يوليو/ تموز 2021، والتي انطلقت بإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان ثم حله وتعويضه بأوامر ومراسيم رئاسية مباشرة، مرورا بحل المجلس الأعلى للقضاء وإجراء استفتاء شعبي على الدستور، وصولا إلى تنظيم انتخابات برلمانية سابقة لأوانها ستسبقها صياغة قانون انتخابي جديد.