تونس... مشاركة غير مسبوقة للنساء والأطفال في الهجرة غير النظامية

أصبح خطر ركوب قوارب الموت باتجاه المدن الأوروبية، ثانويا، مقارنة بمواجهة ظروف العيش القاسية وتحمّل مشقة البحث عن القوت في تونس.
Sputnik
بهذه العبارات لخّص الحقوقي والمتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، هواجس المئات من التونسيين الذي يختارون الهجرة السرية إلى السواحل الأوروبية بحثا عن عمل يؤمن لهم مستقبلا أفضل وينتشل أسرهم من الفقر رغم علمهم بالمخاطر القاتلة التي تحيط بهذه الرحلة.
تشهد تونس هذه الفترة تصاعدا غير مسبوق لعمليات الهجرة غير النظامية نحو السواحل الإيطالية، حيث أحبطت السلطات التونسية 1890 عملية اجتياز منذ بداية السنة إلى حدود منتصف شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، تمكنت خلالها من إيقاف 23217 مهاجرا غير نظامي.
ورغم حملات المراقبة المكثفة على الحدود البحرية والبرية، نجح المئات من المهاجرين في بلوغ السواحل الأوروبية، إذ تمكن 13742 مهاجرا من الوصول إلى إيطاليا منذ بداية يناير/ كانون الثاني 2022 إلى يوم أمس، بحسب أرقام وزارة الداخلية التونسية.
منظمة حقوقية ترصد هجرة أكثر من 2500 قاصر تونسي إلى السواحل الإيطالية في أقل من 9 أشهر

مشاركة ملفتة للنساء والأطفال

يلاحظ المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، تزايد عدد المشاركة النسائية والأطفال القصر في عمليات الهجرة السرية إلى أوروبا عبر "قوارب الموت".
ويؤكد المتحدث، في تصريح لـ"سبوتنيك"، وصول 813 امرأة إلى إيطاليا خلال الثمانية أشهر الأولى من سنة 2022، إلى جانب 2635 طفلا قاصرا، من بينهم 1822 طفلا عبروا البحر دون مرافقة، مشيرا إلى أن عمليات الهجرة غير النظامية أصبحت تشهد مشاركة عائلات بأكملها. وقال: "لقد سجلنا هجرة قرابة 500 عائلة عبر البحر خلال العام الجاري".
وأضاف: "خلفت هذه الموجة من الهجرة مأساة إنسانية، فعدد الغرقى والمفقودين في السواحل التونسية بلغ هذه السنة 870 شخصا، وهذا العدد يمثل نصف المفقودين والضحايا في البحر الأبيض المتوسط الأوسط وثلث المفقودين والضحايا في كامل البحر الأبيض المتوسط".
وقال ابن عمر إن هذه الأرقام تكشف أن المواجهة الأمنية التي تعتمدها الدولة التونسية تركز على المنع من الاجتياز أكثر من تركيزها على إنقاذ الأرواح، مضيفا: "أصبحنا نشاهد المآتم بشكل شبه يومي على طول الشواطئ التونسية".
ويمثل تحسين الوضع الاجتماعي الدافع الأول والمشترك لغالبية المهاجرين الذين يركبون القوارب نحو المدن الأوروبية، غير أن هذا العامل تعمّق أكثر بفعل المناخ السياسي الذي يقول رمضان بن عمر إنه خلّف حالة من الإحباط الجماعي وانعدام الثقة في المستقبل لدى المهاجرين التونسيين.
وتابع: "هذا الوضع يدفع بمئات العائلات إلى ركوب الخطر صحبة أطفالهم ونسائهم، لأنهم يعتقدون أن وطنهم غير قادر على تأمين عيش كريم لهم ولأبنائهم في المستقبل".
بعد فشل مفاوضات "اتحاد الشغل" والحكومة... إلى أين تتجه تونس

مأساة إنسانية تواجه بالصمت

ويعتقد الحقوقي رمضان بن عمر أن أزمة الهجرة غير النظامية تُواجه بصمت سياسي مريب من المؤسسات التونسية الرسمية، سواء من وزارة المرأة التي لم تتحرك تجاه ملف هجرة الأطفال والنساء، أو وزارة الشؤون الاجتماعية التي تتضمن إدارة عامة تهتم بملف الهجرة، أو رئاسة الحكومة التي لم تقدم مقاربتها تجاه هذه الأزمة، أو وزارة الخارجية التي من المفترض أن تتدخل في ملف المفقودين، وفقا لقوله.
وتابع: "فُقد المئات من المهاجرين التونسيين في عرض البحر وبعضهم في مراكز الاحتجاز في سلوفاكيا والمجر والنمسا، ولا تمتلك عائلاتهم أي معلومات عنهم".
واعتبر أن الصمت الرسمي هو بمثابة تطبيع مع الموت ومع مآسي الضحايا وعائلاتهم من خلال تخلي الدولة عنهم، مضيفا: "عدد المسؤولين الذين استقبلوا كميات السكر القادمة من الجزائر أكثر بكثير من عدد المسؤولين الذين ذهبوا للإحاطة بعائلات المفقودين من المهاجرين غير النظاميين في ميناء المهدية".
وطالب بتفعيل خطة وطنية للبحث والإنقاذ على طول الشواطئ التونسية إلى جانب تطبيق هيكل وطني على مستوى وزارة الشؤون الاجتماعية يتولى جمع المعطيات المتعلقة بالمفقودين في البحر والإحاطة بعائلاتهم نفسيا واجتماعيا.
ويرى أن الدول الأوروبية مارست أقصى درجات "الابتزاز" على تونس، من خلال تحويلها إلى شرطة لحدودها البحرية وإجبارها على التعرف على هوية المهاجرين والتعاون معها في مسألة الترحيل القصري والتلويح بورقة الدعم المالي مقابل ورقة الهجرة غير النظامية.
وأضاف: "هذا الابتزاز يقابله تعاون مفضوح وغير محدود من السلطات التونسية التي خصصت مطار طبرقة (محافظة جندوبة) والنفيضة (محافظة سوسة) لترحيل المهاجرين التونسيين من فرنسا وإيطاليا وألمانيا".
تونس... انتهاء جلسة تفاوض جديدة بين الحكومة واتحاد الشغل دون التوصل إلى حل

الأطفال القصر وسيلة للبقاء

منذ تسعينات القرن الماضي وإلى حدود السنوات الأخيرة، عرفت ظاهرة الهجرة غير النظامية في تونس على كونها ظاهرة ذكورية، غير أنها تتجه اليوم تدريجيا إلى التأنيث بحسب المختص في علم الاجتماع محمد الجويلي.
وأضاف الجويلي في تعليق لـ"سبوتنيك": "بدأت الإناث والقصر يدخلون في غمار هذه التجربة، وهو مؤشر يدل على أن الوضع في تونس وصل إلى حد لا يطاق إلى درجة أن عائلات بأكملها أصبحت تشارك في عملية الهجرة، بمعنى أن الهجرة أصبحت حلا جماعيا تحتضنه العائلة".
ويرى الجويلي أن عملية الهجرة غير النظامية رغم المخاطر التي تحيط بها هي عملية عقلانية ومدروسة وتخضع لنظرية الربح والخسارة، موضحا: "يمتلك المهاجرون غير النظاميون معلومات مفصلة عن القوانين الأوروبية وعن شروط النجاح التي تتخطى مرحلة العبور إلى مرحلة الإقامة في البلد الذي سيقصدونه، وهم يدركون جيدا أن هذه القوانين تمنع ترحيل القصر وعائلاتهم إلى موطنهم الأصلي".
ولفت الجويلي إلى أن العديد من العائلات تعتبر وجود القصر نقطة قوة لإنجاح مشروع الهجرة وحسم مسألة البقاء لفائدتهم من خلال إجبار الجهات المستقبلة على تطبيق القوانين الأوروبية والدولية التي تعطي الأولوية للأطفال القصر وكبار السن والنساء المصنفين ضمن الفئات الهشة في إعادة التأهيل والسكن وتسوية وضعيتهم القانونية".
وقال الجويلي إن السلطات التونسية اكتفت بالمقاربة الأمنية في تعاطيها مع ملف الهجرة السرية، لأنها لا تمتلك إجابة اقتصادية واجتماعية لمطالب المهاجرين غير النظاميين.
وتابع: "الكوارث التي وقعت للغرقى في منطقة بوحجلة في محافظة القيروان تكشف عن غياب كبير للدولة التونسية في علاقة بالمرافقة والمتابعة والإحاطة بعائلات الضحايا وتقديم المعلومات لهم"، مشيرا إلى أن الغياب الرسمي يعود إلى عدم امتلاك السلطات إجابة واقعية عن تساؤلات العائلات الملتاعة وكيفية تجاوز هذه الأزمة.
مصرع 8 أشخاص بعد غرق قارب هجرة غير شرعية قبالة سواحل تونس
وختم الجويلي بالقول: "ما يزعج الدولة التونسية بالأساس ليس نجاح عمليات الهجرة غير النظامية، وإنما وقوع ضحايا وحالات غرق في البحر بأعداد كبيرة كما يحدث حاليا، لأنها هي التي تتحمل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مسؤولية الدفع بهم إلى قوارب الموت".
ويوم أمس، أعلنت السلطات التونسية عن ارتفاع حصيلة غرق مركب ضحايا يقل مهاجرين غير نظاميين بمحافظة المهدية شرقي البلاد إلى 12 شخصا، مقابل إنقاذ 14 مهاجرا من ضمن 37 شخصا كانوا يركبون القارب.
وبحسب أرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تمثل الجنسية التونسية 45% من مجموع المهاجرين غير النظاميين الذين اجتازوا السواحل التونسية نحو أوروبا خلال شهر أغسطس/ آب 2022.
مناقشة