ويأتي ذلك بعد تقدم عدد من القوى السياسية بمبادرات ومحاولات الجمع بين مقتدى الصدر والإطار التنسيقي والاتفاق على تشكيل الحكومة الانتقالية.
هل تنجح تلك المبادرات في التوصل إلى حل جذري للأزمة أم أنها محاولات ستلقى نفس مصير التحركات السابقة؟
وتعليقا على ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد والسفير السابق في الخارجية العراقية، قيس النوري، إن القوى السياسية الحاكمة في العراق والتي ترتبط بأجندات أجنبية وخاصة إيران على وجه التحديد، تشعر اليوم بأنها في مأزق كبير، بعد فشلها في تشكيل حكومة.
المشكلة أعمق
وأضاف في حديث لـ"سبوتنيك"، نتيجة هذا الفشل نجد اليوم أحاديث عن مبادرات وعناوين مطروحة من نفس تلك القوى التي تأتمر بالتوجهات الإيرانية، لذا لن تستطيع كل التوجهات والتحركات أن تتوصل إلى حل جذري لمشاكل العراق، لأن مشكلة البلاد لا يمكن تلخيصها في تشكيل حكومة محاصصات "ترضيات" تلبي مطالب تلك القوى أو غيرها، المشكلة أعمق من ذلك.
وتابع النوري، العراق الآن بلد مكشوف أمام التدخلات الأجنبية السافرة، ولكي نجد حلا للأزمة السياسية المتفاقمة بعد أن أثبتت العملية السياسية التي أوجدها المحتل فشلها خلال عقدين من الزمان في معالجة أي مشكلة يعاني منها شعب العراق، فعندما تريد أن تحل موضوع العراق حلا جذريا ووطنيا، عليك أن تبدأ بأطروحات جديدة تلبي حاجة الجماهير التي عبرت عنها ثورة تشرين/أكتوبر وشبابها.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن هناك مطالبا واضحة رفعتها ثورة أكتوبر، أولها إنهاء التدخل الأجنبي أيا كان شكله سواء كان أمريكي أو إيراني أو غيره، ثم صياغة ميثاق شرف عراقي يتضمن ويترجم طموحات هذا الشعب بالاستقلال والسيادة، ثم ننتقل بعد ذلك إلى معالجة الملفات اليومية الخدمية، هذا هو الحل، أما أن تفشل هذه القوى وتلتف مرة أخرى وتطرح عناوين بمسميات جديدة هى مجرد عناوين وشعارات للمعالجة الظاهرية ولن تكون هناك معالجة جذرية، ويبقى الحال على ما هو عليه، من المأساة التي يعيشها شعب العراق.
وأكد النوري أنه لن تنجح أي عمليات معالجة مع الثوب السياسي العراقي المهترىء وسيكون مصير تلك المحاولات أو الترقيعات الفشل الحتمي، لأنها لن تستطيع الالتفاف على الصوت العراقي الذي يبحث عن مصالح العراق أولا، وليس مصالح قوى أشبه بالمرتزقة تقف وراءها أجندات أجنبية.
تطويق الخلاف
من جانبه يقول عضو الميثاق الوطني العراقي، عبد القادر النايل، إن المبادرات السياسية التي طرحتها إيران والتي تنص على عدم موافقتها على حكومة من دون الصدر أو اللقاء المرتقب في النجف الذي سيستقبل فيه مقتدى الصدر البارزاني والعامري والحلبوسي هي محاولات لتطويق الخلاف ولا تهدف إلى الحل، لأن المالكي والمليشيات الولائية بقيادة نوري المالكي مصممة على إنهاء التيار الصدري تدريجيا من الحياة السياسية.
وأضاف في حديثه لـ" سبوتنيك"، أن المشكلة الأساسية تكمن فيمن سيتولى رئاسة الحكومة وموعد الانتخابات وقانون الانتخابات، وهذه كلها ليست مشاكل يمكن أن تساهم المبادرات في حلها، لأن الإطار التنسيقي يطمح في العودة إلى الدائرة الواحدة لكل محافظة، والتيار الصدري يريد الإبقاء على الدوائر المتوسطة التي يستطيع من خلالها حصد المقاعد، وبالتالي من يكون رئيس الحكومة إلى جانبه وسيتم تسهيل الوصول إلى الأكثرية العددية للمقاعد البرلمانية، وهذا ما يخشاه المالكي بأنه إذا حدثت انتخابات مبكرة بذات القانون مع بقاء الكاظمي، لن يستطيع أن يحصد خمسة مقاعد، لذا فإن الخلاف عميق وجذري فضلا عن أن الصدر أعطى تعهدات بعدم تشكيل حكومة ويجب حل البرلمان وانتخابات مبكرة، وإذا لم يحققها فإنه سيوصف لدى أتباعه بالضعيف، الأمر الذي سيفقد معه حاضنته الشعبية وقواعده الجماهيرية.
رسائل تصعيدية
وتابع النايل، أن "الصدر وتياره يدركون أن أي انتصار للمالكي عليهم هو بداية انهيارهم السياسي، لذا فإن الأيام القادمة ستشهد تصعيدا، وإن كانت الأسابيع الأولى ما بعد الزيارة الأربعينية ستكون بداية جس النبض من الأطراف المتصارعة، إلا أن الأمور سرعان ما ستنفجر ولاسيما بعد تراجع فرنسا عن طرح مبادرة جديدة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، ولأن الوضع العراقي يرتبط بالمفاوضات الأمريكية الإيرانية فإنه مرشح بأن يكون الساحة الأبرز لتبادل الرسائل ذات الطابع التصعيدي، ولاسيما بعد كشفت إيران عن مليشيات الوارثين وهي إحدى واجهات فيلق القدس الإيراني بهذا التوقيت الحساس، وهي التي قصفت بالطائرات المسيرة من الأراضي العراقية قاعدة السالمية في الكويت التي تتواجد فيها القوات الأمريكية، لذلك نحن أمام انهيار المبادرات الحالية بشكل أكيد وواقعي، بسبب تداخل الأوضاع الداخلية وصراعهم على المناصب والامتيازات الحزبية مع الأوضاع الخارجية التي اتخذت العراق ساحة للتصفيات السياسية والعسكرية".
وكان رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، قد دعا أمس الاثنين، "القوى الوطنية والسياسية إلى التحلي بالهدوء والصبر، والركون إلى لغة الحوار والعقل، والتسلح بإرادة صلبة، وروح وطنية عالية".
وشدد الكاظمي، خلال مغادرته بغداد متوجها إلى مدينة نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، على "ضرورة العبور بالبلاد من هذه المرحلة إلى بر الأمان وفي هذه اللحظة التاريخية، عبر حوارنا الوطني القادر على إنتاج حلولٍ تنهي هذه الأزمة الراهنة".
حضور عراقي
وقال: "عملنا خلال العامين الماضيين، على إقامة أفضل العلاقات مع جيراننا ومع المجتمع الدولي، ورفعنا من مستوى حضور العراق في المحافل الدولية، وعززنا التعاون والشراكة مع الجميع بما ينعكس إيجاباً على مصالح شعبنا بكل المستويات".
وأضاف "تجربة حكومتنا أكدت أن العراق باستطاعته أن يؤدي دوراً مهماً في تثبيت الاستقرار بالمنطقة، وأن يكون ساحة لتقريب وجهات النظر بين الجميع"، مؤكدا أن "هذا منهج يجب أن يتم أخذ مداه على كل المستويات".
وشهد العراق، أواخر الشهر الماضي، اشتباكات دامية راح ضحيتها أكثر من 20 قتيلا، وعدد كبير من المصابين، عقب اقتحام أنصار التيار الصدري عددا من المقار الحكومية في بغداد، فور إعلان زعيم التيار، مقتدى الصدر اعتزال العمل السياسي.
وجاء قرار الصدر باعتزال العمل السياسي، بعد أشهر من الصراع الذي خاضه التيار ضد الإطار التنسيقي "الذي يضم أحزابا وقوى شيعية"، من أجل تشكيل حكومة أغلبية، بعد فوز التيار الصدري بالأغلبية في البرلمان.
كما يطالب التيار الصدري بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة. ولاحقا، انسحب أنصار الصدر من الشارع امتثالا لتوجيهات زعيم التيار، الذي انتقد العنف الذي تخلل الاحتجاجات.
وبالمقابل يصر الإطار التنسيقي، على ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، وتشكيل الحكومة بعيدًا عن التيار الصدري. وندد التيار الصدري، على لسان وزير الصدر، محمد صالح العراقي، بطلب الإطار التنسيقي، عودة البرلمان للعمل من أجل تشكيل حكومة جديدة. كما دعا وزير الصدر إيران إلى "كبح جماح" أنصارها في العراق.
ويعاني العراق منذ إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، في أكتوبر 2021، من أزمة سياسية حادة، حيث لم تفض المشاورات بين الأطراف السياسية لتسمية رئيس للوزراء إلى نتيجة.