" مساحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب

من مكان حولته أيام الحرب الطويلة لمكب (غير رسمي) للقمامة، إلى مساحة تنثر الفرح والألوان في حيهم. بهذه الخلاصة يمكن وصف مبادرة "مساحة فرح" وأبطالها من الأطفال الذين يقطنون في أحد أحياء مدينة (ضاحية الأسد) في ريف العاصمة السورية دمشق.
Sputnik
"الضاحية" التي كان يتلقى سكانها ومنازلهم القذائف التي تطلقها المجموعات المسلحة التي كانت تسيطر على مدينة "دوما" المحاذية، تحول فيها الموت إلى حدث عابر، ومع الأيام أصبح رمي القمامة في أقرب موقع ممكن من المنزل، ضرورة حياتية لقاطنيها بعدما بات وصول عمال النظافة والبلديات إليهم مهمة انتحارية، وفي النتيجة لذلك، تحولت حديقة أحد الشرفات السكنية في هذه الضاحية إلى مكب للقمامة.
يعتقد الأطفال الذين شاركوا في تنظيف حديقة حيهم، بأنها باتت أوسع بكثير مما كانت عليه وهي مكب للقمامة، باتوا اليوم يحدقون فيها بعدما أطلقوا عليها اسم (حديقة شمس)، ولم يعد أي منهم مضطر للدوران حولها على مسافة بعيدة للوصول إلى مدرسته.
ريم محمود، صاحبة مبادرة "مساحة فرح"
الصحفية ريم محمود، وهي صاحبة مبادرة "مساحة فرح"، قالت لـ "سبوتنيك" بأن: الفكرة بدأت عندما لاحظت كمية العنف الموجودة لدى الأطفال تجاه محيطهم، هؤلاء الأطفال الذين ولدوا في زمن الحرب، واعتادوا على رؤية الألوان الرمادية فقط وراودتني فكرة أن الألوان يمكنها تغيير شيء ما في داخلهم.

وتضيف محمود: بالفعل بدأنا العمل من خلال إعادة تدوير المهملات ومخلفات الحرب التي تؤذي الطبيعة، كالإطارات المتواجدة بعدد هائل في (ضاحية الأسد) والتي كانت تستخدم كـ (سواتر) لصد رصاص القنص عن سكان المنطقة.

"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
وتابعت محمود: "نسعى من خلال هذه المبادرة لإعادة تدوير البلاستيك والحجارة"، مشيرة إلى "تعاون الأطفال في الزراعة والتلوين وجمع الحجارة.. لقد كانوا بغاية السعادة".

وأكدت الصحفية محمود: "تمكن الأطفال من إنجاز المبادرة في الوقت المحدد لها، برغم الكثير من العقبات التي رافقت العمل، مؤكدة أن "السوريين يعانون من وضع اقتصادي صعب، ولكن أرواحهم بحاجة للفرح ولذلك قمنا بزراعة الأشجار المثمرة مثل الجوز، والتين، والزيتون، والتوت، والصبار، ونباتات عطرية وطبية مثل الميرمية.. هذه الاشجار إذا تمت سقايتها وعنايتها ستثمر وتطعم الجميع من ثمارها".

"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب

وفي "حديقة شمس" قام فريق المبادرة بزراعة (شجرة تين) لروح الموسيقي الكبير الراحل حسام بريمو.

وختمت بالقول: "الناس الطيبة عندما تجتمع تخلق قوة عظيمة، وكل شيء يتغير للأفضل عندما نغير أنفسنا أولاً ونشعر بالمسؤولية تجاه ما يحيط بنا، وعندما نصل إلى هذه الطريقة من التفكير ستبتسم لنا الحياة، ويعم الخير على البلاد".

من جهتها قالت السيدة رفيف الساجر، من منظمي المبادرة: "طموحي في الحياة أن أستطيع تعديل سلوك الأطفال بالوسائل الحياتية المتاحة، وليس من خلال قوانين وقواعد، ولذلك شعرت أن هذه المبادرة تشبهني وبإمكاننا أنا والصديقة ريم والأشخاص المؤمنين بهذه المبادرة أن نوصل رسائل مهمة وأولها كسر الإحساس حول خطورة منطقة ضاحية الأسد نظراً لما تعرضت له خلال سنوات الحرب حيث كانت منطقة تماس، بالإضافة إلى ذلك هذه المبادرة قربت المسافات ومنحتنا الأمل بأننا قادرين على العمل والإنجاز.

"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
وتابعت الساجر: "كانت غايتنا إنشاء مساحة خضراء جميلة ولطيفة.. في البداية لم يكن هناك احتضان مجتمعي للمبادرة، بل من قبل أفراد هم الأقرب للطبيعة ويحبون الحيوانات وأي عمل إنساني، وأيضاً كانت هناك صعوبات في الحصول على الموافقات اللازمة، وقلة المياه، بالإضافة إلى التكلفة العالية للمستلزمات".
وأكدت الساجر أن هذه المبادرة من أهم الأشياء التي قامت بها في حياتها، وأضافت الكثير لها على المستوى الشخصي، والقيام بها كان أكبر دليل على أن الأحلام ممكن تحقيقها، وأثبتت أن الإيمان بالطبيعة وبالأشياء الإنسانية ذو قيمة.
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
من جانبها تحدثت المهندسة المعمارية، سالي صالح ابراهيم، عن مشاركتها في المبادرة، وقالت: " أنا شخص يحب الطبيعة وأعتبرها ملجأي الدائم، ولذلك شعرت بالحماس عندما طرحت عليّ الفكرة، ولأنني أعي جيداً الشعور الذي يشعر به الشخص عندما يقدم شئا جيدا، وكنت سعيدة بتحويل مكان قبيح ومن غير روح ويحوي الأوساخ إلى مكان ينبض بالفرح والطاقة الإيجابية، والفكرة الأهم كانت عنوان المشروع" مساحة آمنة للفرح" فهو مكان لكل الكائنات الحية كبار وصغار وحيوانات قطط وكلاب."
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
أيضاً بينت سالي أن المبادرة كانت تجربة مهمة جداً لها نفسياً وعملياً، وقالت: "سعيدة كوني جزء من هذا المشروع، وهي أول تجربة لي على أرض الواقع، ولا أستطيع أن أصف شعور الرضى الذي أشعر به داخلياً برغم كل العوائق التي وقفت في وجهنا ومحاولات إيقافنا، ولكن النتيجة كانت جميلة واستطعنا أن نخلق شيئا جميلا من اللاشيء، والأرض التي كانت خاوية امتلأت حبا وفرحا، وغمرتني السعادة عندما رأيت الفرحة في عيون الأطفال أثناء تلوين الإطارات والحجارة، هذا الجيل الذي تأذى وتشوه نفسياً من الحرب بحاجة لمكان يمنحه الجمال والحب والفرح".
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
وتابعت سالي: "عند توزيع الأدوار من قبل المشرفة على المبادرة لم يتم قولبتنا فأنا كمهندسة معمارية كان بإمكاني أن ألون وأخطط وأعمل أي شيء آخر من غير المهام الموكلة إلي، وهذا ما أضفى جوا من الفرح على العمل، كل الفريق لون وصف الحجارة وحدد الأشكال، فكانت عملية تشاركية وبروح الفريق الواحد."
وبدروها، تحدثت الشابة (اليوتيوبر) ناهد حلواني، عن مشاركتها في "مساحة فرح"، كرسامة ومخرجة ومصممة فنية للعمل، ومشرفة فنية على صفحة "فيسبوك" (أنشطة ‏شركة "ميتا" محظورة في روسيا باعتبارها أنشطة متطرفة) الخاصة بالمبادرة، و(يوتيوبر) لنشر المبادرة على قناتها وعلى مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بها.
1 / 10
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
2 / 10
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
3 / 10
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
4 / 10
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
5 / 10
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
6 / 10
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
7 / 10
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
8 / 10
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
9 / 10
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب
10 / 10
"فسحة فرح".. أطفال سوريون يحولون مكبا للقمامة إلى حديقة باستخدام مخلفات الحرب

وتابعت حلواني: "سبب مشاركتي في هذه المبادرة هي صاحبة الفكرة الإعلامية المبدعة والصديقة ريم محمود التي دعتني مشكورة للمشاركة، ونتيجة لإيماني بفكر ريم النبيل مثلها، وأنا إنسانة أحب الأطفال والفرح والألوان والفن، وأكثر ما دفعني لأقدم أقصى ما لدي ومن قلبي بالرغم من التعب والظروف الصعبة التي واجهتنا أثناء العمل هي الفرح الذي وجدته في عيون الأطفال الذين كانوا يراقبوننا ونحن نعمل بكل محبة وإعجاب وامتنان، وسعيدة جداً لأنني كنت جزءا من هذه المبادرة الجميلة، وأتمنى الفرح لكل إنسان على هذا الكوكب الجميل.

وبدوره قال المهندس حسن شيخ صالح أحد المشاركين في المبادرة: "أن سبب مشاركته في هذه المبادرة هي قناعته المطلقة بأنها عمل إنساني، يضفي أجواء الفرح والجمال والمحبة في المكان ويزرع البسمة على وجوه الأطفال، وقد أضافت له هذه المشاركة الكثير على المستوى الشخصي وأن العمل بروح الفريق الواحد والمحبة والتفاني أهم من المال".
مناقشة