وأضاف في حواره مع "سبوتنيك"، أن "الحضور الروسي في المنطقة لا يحمل أي سوءات تاريخية أو حالية، وأن الأزمة الأخيرة رجحت فيها كفة روسيا على حساب الغرب الذي يحمل أرشيف الكثير من السوءات، فضلا عن التماهي مع الأطراف الأخرى على حساب المصالح العربية".
إلى نص الحوار...
بداية كيف يمكن تقييم العلاقات الروسية- السعودية ومراحل تطورها؟
العلاقات السعودية-الروسية لا تقاس بحدث، في السابق كنا نتكئ على الإرث التاريخي بين السعودية والاتحاد السوفيتي التي بدأت عام 1926، وخصوصية الاعتراف السوفيتي والتمثيل السوفيتي العالي في منطقة الحجاز.
بعد استئناف العلاقات 1991 كنا دائماً نستحضر البعد التاريخي، لكن خلال الثلاثين عاما الماضية انتقلنا لعلاقات الموقف، وهي التفاعل الثنائي بناءً على المواقف والمستجدات إما نوعاً من التقدم أو التراخي والتراجع.
وماذا عن السنوات الأخيرة وتطور العلاقات بين البلدين؟
خلال السنوات الخمس الأخيرة تمر العلاقات بين البلدين بمرحلة استثنائية، حيث استحضرت المصالح المشتركة، والتي اعتمدت بشكل أساسي على مصادر الطاقة العالمية الدولية.
في السابق كان ملف الطاقة أحد العثرات والآن أصبح الضابط الحقيقي لها، وبناءً على ذلك تم تحقيق نجاحات للطرفين انعكست على العلاقات الأخرى، سياسيا أو ثقافيا، وأصبح هناك مساحات واسعة للتفاهم، وانعكس هذا التفاهم على الأزمة الأوكرانية، كما برز عمق العلاقات في عملية تبادل الأسرى من خلال الدور السعودي.
كيف يمكن قراءة مستوى العلاقات الروسية- العربية مؤخرا وما سر عدم تأثر هذه العلاقات رغم الضغوطات الغربية؟
عند الحديث عن الجانب العربي، نستحضر أحد العوامل المهمة، والتي تتمثل في العلاقات الإيجابية، إذ أن الأرشيف الروسي لا يحمل سوءات عسكرية أو سياسية، إذا لم تكن محايدة، فلم تكن تلعب دورا سلبيا.
أما دول الغرب، فإن تاريخ الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وكذلك العبث الأمريكي بأمن المنطقة واقتصاداتها واستقرارها يحمل جوانب سلبية في المنطقة العربية، بما في ذلك تمكين إسرائيل.
كذلك، فإن روسيا السوفيتية ظلت بعيدة عن الملفات العربية، ولم تكن مؤثرة بشكل سلبي في المنطقة بما في ذلك روسيا الاتحادية، وهو ما خلق أرضية لعودة العلاقات الروسية- العربية بشكل عام في ظل عدم استحضار سوءات تاريخية، بينما يمكن النظر للمستقبل الإيجابي بشأن هذه العلاقات.
على مستوى الخليج.. ما قراءتك للواقع الحالي وتأثيره المستقبلي على العلاقات مع روسيا؟
الإشكالية في منطقة الخليج ترتبط بمتغير سابق وآخر جديد، فالسابق هو العبث الإيراني بالمنطقة، خاصة أن روسيا تحاول أن توازن علاقاتها مع الجانب الإيراني ومصالحها مع الجانب الخليجي، وتقدمت في أكثر من مناسبة بمشروع "أمن الخليج" برؤية روسية، لكن لم يكن هناك استجابة، نظرا لقوة الحضور الأمريكي في العمق الخليجي، وضعف المصالح الخليجية-الروسية.
أما المتغير الجديد هو التطبيع الخليجي (الإمارات والبحرين) مع إسرائيل، وهذا أثر سلبا، وأصبح الوعي الجمعي الخليجي أقل انسجاما من التحرك الخليجي الأحادي على مستوى الدول.
لذلك أصبحت العلاقات الخليجية-الروسية أحاديا أسرع خطوات من العلاقات الروسية الجمعية، وهو ما يتضح في علاقات روسيا مع كل من السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان بشكل ثنائي، وأقل درجة مع قطر.
في ظل الأزمة الأخيرة، برأيك هل رجحت الكفة الروسية في المنطقة العربية أم اتسمت المواقف بالتوازن وهل تراجع تأثير الغرب؟
المنطقة العربية عانت كثيرا مع الجانب الغربي، بصفته شريك استراتيجي، وفي حضوره الطويل جداً في المنطقة عانت معه مشكلتين. تمثلت المشكلة الأولى في العبث الغربي فترة الثورات العربية، حيث دعمت نتوءات الثورات العربية، وكان ذلك في حراك الديمقراطيين مع هيلاري كلينتون وفترة أوباما.
الجانب الآخر هو تخلي الغرب عن شراكاتهم العربية، وعلى المستوى الخليجي نجد أن بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا تتماهى مع إيران ضد المصلحة العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، رغم العقوبات الشكلية إلا أنها ترتبط بالمصالح.
على الجانب الأخر، نجد أن الجانب الروسي دخل المنطقة بأجندة جديدة، ونحن في المركز أطلقنا مصطلح "الأفرو روسية"، استنادا على المشروع الروسي في أفريقيا، والذي حضره القادة الأفارقة في "سانت بطرسبرغ".
ويمكن القول إن الاستراتيجية الروسية الاقتصادية والسياسية أصبح حضورها قويا في أفريقيا، وزحزحت الحضور الفرنسي في عدد من الملفات، نظرا لتوقيت الحضور الروسي الذي كان ذكيا لدرجة كبيرة، في ظل الانزعاج العربي من المواقف الغربية تجاه أمن المنطقة.
ما الفارق بين السياسة الروسية والغربية في المنطقة العربية والأفريقية؟
الحضور الروسي يرتبط أيضا بالمزاج العربي الرافض للعبث الغربي في المنطقة، خاصة أن الثلاثين عاما الماضية واستفراد أمريكا بالمشهد الدولي بدأت تعبث بالمنطقة العربية، وقدمت المصالح الأعجمية على مصالح منطقتنا.
أيضا حين قررت واشنطن الانسحاب من المنطقة، قدمت إسرائيل وإيران وتركيا نيابة عنها، وهي إشكالية أخرى يحملها العالم العربي في نظرته للغرب.
كما يمكن قراءة ذلك أيضا في قدوم بايدن للمنطقة الخليجية، حيث أنه لم يجد الترحيب الكافي من العالم العربي ولا الجانب الخليجي الذي يعول عليه كشريك استراتيجي.
على الجانب الآخر، نجد أن الأجواء كانت مهيأة بشكل أكبر لروسيا، بالنظر للتاريخ الإيجابي والتماهي مع أنظمة الدول العربية وليس مع المؤسسات السياسية الناشئة أثناء الثورات.
ورغم أن أزمة أوكرانيا قد تعطل روسيا عن المنطقة العربية، لكن الأجندة الروسية تظل حاضرة وقوية في المنطقة.
بشأن الحديث عن تعدد الأقطاب.. هل بدأت المنطقة العربية بالتعامل على هذا الأساس؟
اقتصاديا، فإن تعدد الأقطاب موجود، خاصة في ظل الاقتصاد الصيني القوي، ومجموعة "البريكس" وما تتضمنه من قوى اقتصادية كبيرة وعميقة.
على المستوى الجانب السياسي، فإن واشنطن تقاتل من أجل الإبقاء على هيمنتها وهيمنة الدولار، لكن في أزمة أوكرانيا بدأ العالم يشعر بتعددية القطبية، خاصة أن واشنطن تراجعت خطوات ولا يمكنها العودة إليها مرة أخرى.
كما أن الخلاف بين والصين وأمريكا دفع نحو تلاقي روسي-صيني بشكل أكبر، والعمل سويا على لملمة اقتصاد الشرق والخروج من هيمنة الدولار وعسكرة الاقتصاد والهيمنة الأمريكية بشكل عام.
على المستوى الأوروبي أيضا ورغم تماهي الحكومات هناك مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الشتاء القادم يكشف "التصادمية الخفية" بين حكومات أوروبا، ما يؤكد أن العالم مقبل على التعددية القطبية، يكون العامل الاقتصادي هو الأكثر تأثيرا.
كما يمكن أن تحدث بعض التقلبات السياسية التي تنعكس على مجلس الأمن والأمم المتحدة، بعد أن انكشفت هذه المؤسسة وأصبحت مترهلة في تشريعاتها، وأنها غير فاعلة في الملفات العميقة، لكنها كانت فاعلة في قضايا الشرق الأوسط فقط. وهو ما يؤكد أن التغيير قادم.
هل يمكن للمنطقة العربية المشاركة في صناعة التغيير وفرض رؤيتها ومكانتها في المشهد المستقبلي؟
للأسف، العالم العربي ما زال فاقد البوصلة، في ظل غياب المشروع العربي الذي يمكن وضعه على الطاولة أمام القوى الدولية، كما تفتقد المنطقة للصوت العربي القوي الذي يمكن التحرك من خلاله، في ظل استمرار حضور النتوءات العربية.
تظل التفاهمات الثنائية "السعودية- المصرية"، و"الإماراتية- المصرية" هي الفاعلة، في ظل ضعف الصوت العربي الجمعي، وأخشى ألا يكون مؤثرا بدرجة كافية.