وفي وقت تتحدث التقارير عن وصول إجمالي الاستثمارات الصينية في مصر إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار، أعلنت مصر بدء تدريس اللغة الصينية في 12 مدرسة بشكل تجريبي هذا العام، ضمن مشروع التعاون بين وزارتي التربية والتعليم والتعليم الفني المصرية والتعليم الصينية الخاص لإدراج اللغة الصينية بوصفها لغة أجنبية ثانية من العام الدراسي 2022-2023.
توسيع الوجود الصيني في مصر، شمل استثمارات في مشروعات قومية، حيث تمول البنوك الصينية حوالي 85% من بناء منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية الجديدة، فيما تشارك الشركات الصينية في تطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس كجزء من تنفيذ الجزء البحري من مبادرة الحزام والطريق.
ويقول المراقبون إن الصين نجحت في أن تكون شريكًا تجاريًا رئيسيًا لمصر، وأن توسيع قاعدة وجودها في القاهرة وقارة أفريقيا بشكل عام، لا يركز على الجانب الاقتصادي وحسب، بل شمل الجوانب السياسية في ظل تشكل الأقطاب العالمية الجديدة، مع بدء انهيار الهيمنة الأمريكية.
قالت الدكتور نادية حلمي، الخبيرة في الشؤون السياسية الصينية والأسيوية، إن التعاون المصري الصيني زاد في المرحلة الأخيرة، آخرها في مجال التعليم، حيث بدأت عدة 12 مدارسة مصرية تدريس اللغة الصينية كلغة ثانية هذا العام 2022، كما أن هناك العديد من التبادلات التعليمية، باعتبار أن اللغة الصينية ستكون لغة للتبادل بين المصريين والصينيين.
وبحسب حديثها لـ "سبوتنيك"، أعربت الصين عن أهمية التعاون التجاري بين مصر والصين، وهناك اهتمام صيني كبير بتوسيع المشروعات والأنشطة التجارية مع مصر، التي تعتبر عضوا في منتدى التعاون الصيني الأفريقي ومنتدى التعاون الصيني العربي، وهناك الكثير من المشروعات التجارية بين الجانبين خاصة في عام 2020، حيث اتضح أن التعاون بين القاهرة وبكين لم يتأثر بجائحة كورونا، وارتفع حجم التبادل التجاري بينهما لزيادة قدرها أكثر من 10% العام الماضي فقط.
وأكدت أن أهم السلع التصدرية المعدات الكهربائية والإلكترونية والمركبات وقطع الغيار، كما أن الصين اختارت مصر لإنشاء أول مشروع تجريبي لإنشاء الكممات والأقنعة الواقية وتوفيرها لباقي الدول الأفريقية، مشيرة إلى أن الصين اختارت مصر بالتحديد نظرًا لدورها الرائد في القارة الأفريقية.
وبينت أن الصين استوردت العديد من منتجات النفط والغاز والفواكه من الجانب المصري، ودعم بكين للقاهرة في إنشاء مركز إقليمي للطاقة، حيث تولي الحكومة الصينية اهتماما كبيرًا لفتح السوق الصينية أمام المنتجات الزراعية المصرية، وشهدت السنوات الأخيرة استيرد الصين لكميات كبيرة من البرتقال والعنب والتمر والبنجر من مصر.
وأشارت إلى أن هناك تعاون متعدد في مجالات الاستثمار بين الجانبين، خاصة في مجال النفط والغاز والأجهزة المنزلية، وهناك العديد من شركات الاستثمار الصينية العملاقة، ونتنفذ بكين الكثير من المشروعات سواء في العاصمة الإدارية والمدن الجديدة والمنطقة الصناعية الحرة الصينية في السويس.
وأشارت إلى أن هناك إحصاءات دورية تؤكد تجاوز استثمارات الصين في مصر أكثر من 8 مليار دولار، كما أن منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر، تتمتع بكثاقة استثمارية، واستطاعت في نهاية ديسمبر 2020 اجتذاب 96 شركة صينية، بمبيعات عملاقة، وتم توظيف أكثر من 36 ألف شخص في المجال الصناعي.
وبحسب حديثها، فإن هناك أوجه تعاون مالي، حيث أن بنك التنمية الصيني قدم قرضا بقيمة 50 مليار دولار في عام 2020 لبنك التصدير الإفريقي لدعم مكافحة الوباء في أفريقيا ومصر، واعتمد البنك المركزي المصري تداول العملة الصينية في التعاملات التجارية بين البلدين، مؤكدة أن التعاون الثنائي يتنامى بشكل كبير في مجالات عدة ويحقق فوائد اقتصادية كبيرة للبلدين.
فوائد متبادلة
بدوره اعتبر الدكتور مختار عباشي، الخبير السياسي المصري، ونائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن تنامي التواجد الصيني في مصر، لا سيما على المستوى الاقتصادي، يأتي في ظل إعجاب القاهرة بتجربة بكين، التي باتت قوة وكتلة اقتصادية خلال سنوات قليلة، وتمكنت من أن تصبح الورشة الصناعية الأولى على مستوى العالم، وذات تجربة ملهمة.
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن الصين أكبر مستثمر داخل القارة الإفريقية، والمشاريع والشركات الصينية داخل القارة كبيرة جدًا؛ فهناك أكثر من 250 شركة من كبريات الشركات الصينية، واستثمارات صينية في أفريقيا ما بين 210 إلى 250 مليار دولار.
وأكد أن هذه الاستثمارات الصينية تحتاج إلى بوابة مهمة، والتي تتمثل في مصر، حيث تشجع الاستثمارات الصينية في الداخل المصري، باعتبار أن القاهرة دولة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، طالما لا تخالف القوانين وملتزمة بتشريعات الدستور، مشيرًا إلى أن الصين قادمة كقوة عظمى بجانب روسيا، حيث بات يتشكل قطب جديد بعد إنهاء الهيمنة الأمريكية.
وفيما يتعلق بالاستفادة الصينية، يرى غباشي أن بكين تتربح من خلف هذه الاستثمارات، إضافة إلى تكوين صداقات، وخلق قواعد اقتصادية واستثمارية قوية بالقارة السمراء، حيث نجحت الصين في جذب الكثير من الدول الأفريقية لمصلحتها ولناحية سياساتها، ولجانب توسيع وتعميق تواجدها الاقتصادي.
وأوضح أن التوسع الصيني في المنطقة ليس فقط على المستويات الاقتصادية والاستثمارية، بل تبعه تغولا وقوة سياسية وتأثيرا ثقافيا، حيث بدأت بعض المدارس المصرية في تعليم ونشر اللغة الصينية.
مصر دولة مهمة
من جانبها، قالت كبيرة الباحثين في معهد غرب آسيا وأفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية هي وينبينغ لـ"سبوتنيك"، إن مصر دولة مهمة في العالم العربي والشرق الأوسط وأفريقيا وتلعب دور الجسر بينهما.
وأضافت أن أهمية مصر واضحة، حيث يقع بها المقر الرئيسي للجامعة العربية، بالإضافة إلى أنها كانت من أوائل الدول الأفريقية التي انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق، حيث يمر طريق الحرير البحري عبر قناة السويس.
وتابعت "في الأونة الأخيرة أيضا، انضمت مصر إلى بنك التنمية الآسيوي وبنك بريكس، وحصلت مؤخرًا على صفة شريك الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون".
وعن مجالات التعاون بين مصر والصين، أشارت وينبينغ إلى أنه في مجال التعليم، تقدم العديد من الجامعات المصرية دورات في اللغة الصينية ويتحدث الكثير من المصريين اللغة الصينية.
ولفتت إلى أن مصر تعتبر وجهة سياحية للصينيين، وبالنسبة للمصريين يعد تعلم اللغة الصينية طريقة جيدة لكسب المال، على سبيل المثال من خلال تنظيم الرحلات.
أما بخصوص الجانب الاقتصادي، قالت الخبيرة الصينية أن وزارة التجارة الصينية اعترفت بالمنطقة الاقتصادية في قناة السويس، باعتبارها منطقة تعاون اقتصادي وتجاري نموذجية.
كما ساهمت الشركات الصينية في بناء أطول مبنى في أفريقيا في العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، وأيضا إنشاء أول خط للقطار الكهربائي الخفيف في البلاد والذي تم افتتاحه منذ وقت قريب.
والتقى عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي، وزير الخارجية المصري سامح شكري، السبت الماضي، على هامش الدورة الـ77 الجارية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال وانغ إن الصين تدعم بقوة الشعب المصري في استكشاف مسار التنمية المناسب لدولته، كما تدعم قضية النهضة الوطنية التي تتبناها البلاد، لافتا إلى أن الصين تعتزم تعزيز التعاون متبادل النفع مع مصر، وتكثيف الوحدة والتنسيق بين البلدين في الشؤون الدولية والإقليمية، لحماية المصالح المشتركة للدولتين، وكذا حماية الحقوق المشروعة للدول النامية، والعدالة والإنصاف، وفقا لوكالة شنخوا.
ووقعت مصر مذكرة تفاهم لانضمامها كـ"شريك حوار" بمنظمة شنغهاى للتعاون "SCO"، بالعاصمة الأوزبكية "طشقند"، بهدف تعزيز مصر لعلاقاتها التجارية والأمنية والاستثمارية والسياحية مع العديد من المنظمات الدولية ذات الثقل عالميا.
وتضم منظمة شنغهاي للتعاون في عضويتها 9 دول، هي روسيا والصين وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزيا وأوزبكستان وباكستان والهند وإيران.