جاء ذلك خلال محاضرة ألقاها الدكتور السيد، أشار فيها أيضاً إلى أن جسور عبور الجيش المصري لقناة السويس، والجيش السوري لـ “خط آلون” في حرب تشرين/ أكتوبر عام 1973 هي من تصميم مهندس سوري، وأن فكرة الجسور العائمة مقتبسة من الآثار الرومانية.
وفي التفاصيل أشار الدكتور السيد في المحاضرة التي ألقاها بالمركز الثقافي العربي في حي (أبي رمانة) بدمشق إلى أن "إسرائيل” استفادت من العوامل الجغرافية وتضاريس الأرض لإنشاء خط دفاعي يجمع بين الحائط الترابي وقوة الخرسانات المحصنة والعائق المائي الطبيعي في قناة السويس نفسها، التي تمثل خطاً دفاعياً طبيعياً في حد ذاتها فطولها /170/ كيلومترا، ومتوسط عرضها /200/ متر وعمقها /18/ متراً، وتنتهي القناة بحواجز مائية أخرى تتمثل في البحر الأحمر والمتوسط، إذاً قناة السويس حاجز مائي فريد من نوعه وصفه “موشيه ديان” بأنه أحد أفضل الخنادق المضادة للدبابات في العالم".
المؤرخ وعالم الآثار في المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية الدكتور محمود السيد
© Sputnik
تشابه كبير ودقيق بين "خط بارليف" و"مملكة قطنا" السورية!!
وأضاف الدكتور السيد في محاضرته: "اقتبس رئيس الأركان الإسرائيلي حاييم بارليف فكرة الساتر الترابي لخط بارليف من “مملكة قطْنا” السورية التي بني فيها أضخم أربعة أسوار ترابية طينية دفاعية أثرية في العالم مؤرخة بالألف الثاني قبل الميلاد، وتم بناؤها بواسطة كميات هائلة جداً من التراب والحجارة الكلسية أحيطت بخنادق عديدة، وكان الهدف من بنائها إظهار قوة وجبروت “مملكة قطنا” الواقعة شمال شرقي مدينة حمص، وحمايتها من حصار وهجمات الأعداء، وجعل سهام الرماة من الأعداء غير فعالة، وبهدف منع العدو من استخدام الآلات الحربية كالكباش والأبراج وكاسحات الجدران القديمة ومنع العدو كذلك من حفر الأنفاق، شارحاً أن "الأسوار الترابية تشكل أقدم ابتكار في العالم مكن الإنسان من حماية نفسه ومدينته من أسهم الأعداء وأدوات الهجود والاقتحام وحرم العدو من فرص حفر الأنفاق، يبلغ ارتفاع الأسوار الترابية فوق سطح الأرض /20/ متراً ويتراوح عمقها تحت سطح الأرض عند قاعدتها بين /60-80/ متراً الأمر الذي جعلها منيعة عصية على حفر الأنفاق".
وأردف الدكتور السيد بالقول: "أحاطت الأسوار بأرض مربعة الشكل واسعة جداً تبلغ مساحتها 110 هكتار وهي بذلك تصنف كأضخم أسوار أثرية دفاعية ترابية مكتشفة في العالم حتى الآن، وزوت ببوابات رئيسية وبوابات جانبية اتخذت شكل ممرات صغيرة عبر الكتل الترابية، وتؤكد دراسة النقوش الكتابية المدونة بالمسماري البابلي المقطعي والمكتشفة في “مملكة قطنا” أن البوابات الكبيرة زودت بمبان دفاعية تمركزت فيها فرق حراسة، وتألفت كل فرقة من عشرة حراس وامتلكت أسلحة متنوعة ويوثق أحد النصوص المسمارية البابلية المؤرخ بالقرن الرابع عشر قبل الميلاد والمكتشف في قصر المدينة السفلى في “مملكة قطنا” وجود كتيبة عسكرية قوامها /500/ جندي كلفت حماية وحراسة البوابات الرئيسية الخمس في المملكة".
مهندس سوري صمم جسور عبور “بارليف” و”آلون”
ومضى قائلاً: "تم وضع خطة عبور قناة السويس أكبر مانع مائي، وقد قام بتصميم جسور العبور العائمة الذي عبرت عليها القوات المصرية قناة السويس الدكتور المهندس السوري مروان لوستان، كما جسر العبور الذي عبرت عليه القوات السورية خندق “خط آلون” على جبهة الجولان في حرب تشرين/ أكتوبر 1973 متجهة نحو بحيرة طبريا ونهر الأردن".
وأضاف الدكتور السيد: ولقاء أعماله العظيمة هذه، منح الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لوستان وسام "الاستحقاق" من الدرجة الممتازة، كما كرمه الرئيس المصري أنور السادات ومنحه وسام "الجمهورية المصرية".
من الاتحاد السوفييتي إلى المقاومة الفلسطينية
وقال الدكتور السيد في محاضرته: "ولد مروان لوستان عام 1935 وتسلم كأس بطولة الألعاب الجوية من الرئيس شكري القوتلي عام 1956 ثم أوفد إلى الاتحاد السوفييتي وبولونيا مرات عدة للتدرب على القتال الجوي الحديث، ثم درس هندسة الطيران في بولونيا والتحق بالمقاومة الفلسطينية، وهو من مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، ومصمم الطائرات الشراعية المزودة بمحرك، وهو كذلك مدرب ومخطط عمليات الطائرات الشراعية التي وصلت في 25/11/1987 قرية (قبية) الفلسطينية المحتلة والواقعة غرب مدينة رام الله وشمال مدينة القدس على بعد 32 كيلومتر، وهو أيضاً مصمم الطوافات المائية ذات الوسادة الهوائية “هوفر كرافت” لنقل الفدائيين بحراً، وطائرة “رام الله” ذات الراكبين للتسلل بعيداً عن رقابة الرادار وصمم عشرات النماذج الناجحة لطائرات صغيرة وصواريخ وعربات، وكان أعظم إنجازاته تصميم وبناء الجسور التي مكنت الدبابات السورية من عبور خندق التحصين الإسرائيلي “خط آلون” (50 جسراً سميت جسور لوستان) ثم انتقل إلى مصر وصمم وبنى جسور عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف، وفي عام 1998 تعرض لحادث سير أصيب على إثره بالشلل وتوفي عام 2014.
إسرائيل استبعدت عبور القناة من بحيرة "مرة".. لكن هذا ما حصل!!
وحول طريقة بناء خط بارليف أوضح الدكتور السيد أن "خط بارليف بني عام 1968 من رمل وخرسان ووضع في الخدمة عام 1969، وجعل خطاً متكاملاً مع قناة السويس لمنع القوات المصرية من الوصول إلى سيناء، وكان خط بارليف جزءاً من تحصينات دفاعية إسرائيلية تمتد على طول القناة باستثناء بحيرة “مرة الكبرى” بعمق /35/ كيلومتر باتجاه الشرق داخل سيناء، وقد استبعدت “إسرائيل” فكرة عبور القناة من “بحيرة مرة” بسبب عرضها الكبير، وقبل حرب تشرين التحريرية عام 1973 اعتبر خط بارليف الصهيوني أقوى خط عسكري دفاعي في التاريخ الحديث، وكان يبدأ من قناة السويس وحتى عمق 12 كيلومتراً داخل شبه جزيرة سيناء".
ولفت إلى أن "خط بارليف تألف من ثلاث خطوط دفاعية امتدت بطول 170 كيلومتراً على طول قناة السويس، وهذه الخطوط هي خط أول رئيسي امتد على الضفة الشرقية لقناة السويس ثم يأتي بعده على مسافة 3-5 كيلومتر خط ثاني مزود بتجهيزات هندسية ومرابض الدبابات والمدفعية، وعلى مسافة 10-12 كيلومتر يقع الخط الثالث الموازي للخطين الأول والثاني والمدعم بتجهيزات هندسية معقدة ومدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية".
وبين قائلاً: "أنشأ العدو الصهيوني الساتر الترابي لخط بارليف على طول الضفة الشرقية للقناة ما عدا البحيرات المرة، وأنشئ الساتر الترابي من كثبان رملية طبيعية ناتجة عن حفر وأعمال تطهير قاع القناة، ثم عمل العدو على رفعها تدريجياً حتى وصل ارتفاع الساتر الترابي إلى 20/متراً في بعض المناطق، ووصل في مناطق أخرى إلى أكثر من 25 متراً، وبلغ عمق الأسوار تحت الأرض من 8-12 متراً، ووصل أحياناً إلى عمق 200 متر في بعض أجزائه بالمنطقة الجنوبية، وكان ميل الساتر مساوياً 45 درجة في معظمه، ووصل إلى 65 درجة تبعاً لمكونات وطبيعة التربة ببعض المناطق، وكان ميل الساتر يتقابل مع خط بيان الميل لشاطئ القناة، بحيث لم تكن هناك أي مصطبة أو كتف ظاهر لشاطئ القناة البعيد من اتجاه العدو، وهذا جعل من المستحيل عبور أية مركبة برمائية إلى الشاطئ الآخر إلا بعد فتح ثغرات مناسبة في جسم هذا الساتر".
المؤرخ وعالم الآثار في المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية الدكتور محمود السيد
© Sputnik . Mohammad Nejim
جاسوسان مصريان زودا مخابرات بلادهما بمعلومات عن خط بارليف
وأردف: "لابد هنا من الإشارة إلى ان زاوية الميل أو على وجه الدقة؛ زاوية الارتكاز الطبيعي هي خاصية هندسية لأي أكوام أو سواتر ترابية أو رملية طبيعية، يتم رفعها وتشوينها على الأرض الفضاء لا تزيد عن 45/ درجة، وتصل احياناً في بعض السواتر الحصوية الطبيعية أو التي تتكون من كسر طبيعي أو صناعي خشن السطح لأحجار متدرجة الحجم إلى 65 درجة، وتتوقف زاوية الارتكاز لتلك الأكوام على الأرض على طبيعة المواد المكونة لها وعلى حجمها وشكل أسطح مكوناتها وعلى معامل الاحتكاك الداخلي بيت تلك المكونات، وعلى قوة التصاق بعضها ببعض، وفي حالة المكونات الرسوبية الجافة من الرمال وغيرها تتراوح زاوية الارتكاز الطبيعية عادة بين /25/ درجة و40 درجة".
وتابع: "صمم داخل الساتر الترابي 19 موقعاً حصيناً بـ30 نقطة قوية مزودة بألغلم ومتفجرات وأسلاك شائكة ومصاطب ودبابات، وكان اختراق الساتر الترابي بالمتفجرات والصواريخ وقنابل الطيران صعب جداً، وكانت هذه النقاط مدفونة في الأرض، ذات أسقف قوية من الخرسانة المسلحة ومدعومة بقضبان السكك الحديدية تجعلها قادرة على أن تتحمل قصف مباشر بالقنابل حتى وزن 1000 رطل دون أن تتأثر بها".
وأكمل: "المواقع والنقاط التي أقيمت على طول خط بارليف كانت مغطاة بساتر ترابي وتتصل ببعضها البعض بخنادق عميقة محصنة، ويحيط بكل نقطة حزام من الخنادق والأسلاك الشائكة الكثيفة والسواتر الرملية وحقول الألغام، وتحتلها في العادة فصيلة من (30-40 فرد) مسلحة بأسلحة خفيفة ورشاشات ثقيلة ومدافع هاون، وخلف النقاط القوية بمسافات تتراوح بين 500 إلى 1000 متر كانت تقع مرابض للدبابات لتغطية الثغرات بين النقاط القوية".
الساتر الترابي أرّق وزير الحربية المصري أكثر من عبور القناة
وقال الدكتور السيد: "كان الساتر الترابي المحصن أفضل النقاط الحصينة للدفاع عن خط بارليف ويمثل عقبة طبيعية يصعب على القوات والمركبات عبورها وأقام عليه الكيان الصهيوني عدة نقاط حصينة، والساتر الترابي ليس هو خط بارليف إنما هو جزء منه لأن خط بارليف هو تحصينات قوية و”نابلم” ودشم منيعة وحقول ألغام ومدفعية وتجهزيات هندسية وإجراءات دفاعية خلف الساتر الترابي من خلف المانع المائي، وكان الجاسوسان المصريان في "إسرائيل" رفعت الجمال (الهجان) وعمرو طلبة قد زودا مصر بمعلومات كثيرة عن خط بارليف، وكانت المعلومات الواردة من عمرو طلبة تحتّم فتح الساتر الترابي في 70 ثغرة على الأقل وإنشاء 10 جسور لعبور الدبابات والمدافع، وتوقع الكيان الصهيوني أنه لا يمكن اختراق الساتر الرملي وإنشاء جسور عبور القناة قبل وقت يتراوح بين 24- 48 ساعة، وكان وزير الحربية المصري الفريق أول أحمد إسماعيل قد فكّر كثيراً بالساتر الرملي الذي جرفه الإسرائيليون على طول ضفة القناة ودوّن في مذكراته أن هذا الساتر الترابي شكّل هماً على قلبه أكثر من عبور قناة السويس، وبفضل فكرة استخدام ضغط المياه لإحداث ثغرات في الساتر الترابي تمكنت القوات المصرية من إزاحة هذا الجبل الرملي الهائل بمضخات الماء العائمة ذات الضغط العالي وجهزت بخارطيم مياه مشابهة لما يستخدمه رجال الإطفاء فانزلقت أجزاء من الساتر الترابي في 81 موقعاً وأزال 3 ملا يين متر مكعب من التراب عن طريق استخدام مضخات المياه، وكانت المياه المضغوطة قد استخدمت سابقاً في تجريف جبال الرمل وسحبها وشفطها في أنابيب ذات مضخات لاستغلال مزيج الماء والرمل في أعمال بناء السد العالي، وقد قاتل الجيش السوري في الجبهة الشمالية والجيش المصري قاتل في الجبهة الجنوبية، وهذا ما أجبر العدو الصهيوني على تقسيم جيشه والقتال على جبهتين فحارب بنصف قدراته على كل جبهة، وهذا كان من أهم أسباب الإرباك الذي أصاب العدو الصهيوني".
وأوضح عالم الآثار السوري محمود السيد في تصريح خاص لمراسل سبوتنيك عقب المحاضرة أن "عملية الربط ما بين الماضي والحاضر نبرهن من خلالها من أين جاءت فكرة خط بارليف، ونعني بالتحديد الساتر الترابي لخط بارليف اقتبسه حاييم بارليف من الآثار السورية من مملكة قطنا وبالضبط من السوار الترابية الدفاعية للمملكة والتي يبلغ ارتفاعها عشرون متراً فوق سطح الأرض و/60-80/ متراً تحت سطح الأرض".
وأردف قائلاً: "كذلك خط بارليف يتراوح ارتفاعه فوق سطح الأرض ما بين 20 -30 متراً حسب المنطقة وعمقه تحت الأرض يترواح بين 2-12 متراً وفي بعض المناطق وصل إلى 200 متر، وهذا العمق يحمي اي مدينة أو أي دفاعات من حفر أنفاق".
ويصادف يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر ذكرى حرب تشرين التحريرية التي قادها الجيشان السوري والمصري وشاركت فيها قوات من معظم الدول العربية والتي بدأت في تمام الثانية ظهراً في ذلك اليوم من العام 1973 حيث بدأت بهجوم مباغت شنته القوات المسلحة السورية والمصرية على جبهتي الجولان وسيناء، وتمكنت القوات السورية من تدمير خط “آلون” الدفاعي الإسرائيلي والتقدم في عمق الجولان السوري المحتل، فيما عبرت القوات المصرية قناة السويس مدمرة خط “بارليف” الإسرائيلي وتمكنت من استعادة شبه جزيرة سيناء من قوات الاحتلال الإسرائيلي.