المبادرة التي يرغب في تفعيلها الجانب الفرنسي تهدف للإقرار بالاعتذار المتبادل بين الجانبين، وهو ما يساوي بين جرائم فرنسا وحالات الدفاع عن الأرض والبلاد، حسب خبراء.
تقارب من أجل الطاقة
رغم تقارب فرنسا مع الجزائر مؤخرا بهدف الحصول على المزيد من مواد الطاقة، لكن ملف الذاكرة يعد من العوامل المهمة والمفصلية في مسار العلاقة بين البلدين، والتي يترتب عليها مستوى التقارب، كما كان الحال خلال العقود الماضية.
في الإطار قال البرلماني كمال خلوف رئيس كتلة البناء في البرلمان الجزائري، إن فرنسا تتلكأ كل مرة في الاعتراف بجرائمها في الجزائر، وإن المبادرة طرحت مرات عديدة من قبل.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، الرئيس الفرنسي يعطل الاعتراف بالذاكرة وإعادة العلاقات الجزائرية- الفرنسية في السياق الذي تريده الأولى القائم على الندية، في حين تنظر الأخيرة للجزائر على أنها كانت مستعمرة من طرفها.
علاقات ندية
وأشار إلى أن الجزائر حسمت الأمر بالتعامل مع فرنسا على أساس سيادي، دون التفريط في ملف الذاكرة، كما أنها لن تسمح بالتدخل في شؤونها الداخلية.
وشدد على أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة وزرائه لم تحقق ما كانت تسعى له فرنسا في ملف الطاقة على وجه التحديد، خاصة أن الجزائر انطلقت في علاقات أخرى مع إيطاليا ووقعت اتفاقيات في المجال.
ويرى أن علاقات فرنسا أصبحت مهددة مع الجزائر والعديد من الدول الأفريقية، وهو ما تحاول تداركه في الوقت الراهن.
من ناحيته قال المحلل السياسي الجزائري أحسن خلاص، إنه منذ استقلال الجزائر لم يجرؤ أي رئيس فرنسي على الاعتذار للجزائريين عن الجرائم المقترفة في حقهم خلال فترة 132 سنة من الاحتلال.
جرائم فرنسية
وأضاف في حديثه لـ" سبوتنيك"، أن فرنسا لم تعتذر عن الجرائم التي ارتكبتها بما فيها جريمة الاحتلال نفسها بسبب مقاومة داخلية شرسة، من قبل جماعات ضغط تؤيد مواقف المعمرين وأفراد الجيش والشرطة الفرنسيين، والأقدام السوداء و"الحركيين" الذي يعتبرون أي اعتذار للجزائر بمثابة تنكر لجهودهم في سبيل فرنسا.
مراوغة ماكرون
ويرى أن الرئيس ماكرون يسعى لتنفيذ رؤية جديدة قائمة على المصالحة ما يعني وجوب اعتذار كل طرف للطرف الآخر، بحجة أن المقاومين والثوار ارتكبوا أعمال عنف ضد المدنيين الأوروبيين خلال تلك الفترة، كما ارتكب أفراد الجيش والشرطة الفرنسيون أعمال عنف ضد المدنيين الجزائريين.
ولفت إلى أن ماكرون اقترح" إنشاء لجنة مشتركة للمؤرخين تبحث التجاوزات من الطرفين، وكأن عملية الاحتلال أمر عادي وحضاري كما تراه النزعة الاستعمارية".
واستطرد:
"لا أعتقد أنه سيكون هناك تقدم اللهم إذا كانت خلاصة اللجنة موضوعية، بحيث ستفضح فرنسا أمام العالم".
يتعلق السؤال الأبرز في القضية بما تخشاه فرنسا من الاعتذار، وما يترتب على تلك الخطوة حال الإقدام عليها، وهو ما يوضحه المحلل الجزائري بأن اعتذار باريس يترتب عليه التزامات بالتعويض، حسب طبيعة كل جريمة.
فيما قال رضوان بوهيدل الأكاديمي الجزائري، إن فرنسا ترفض الشروط الجزائرية، في حين أن الأخيرة لا تريد أن يطغى ملف الذاكرة على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، لكن الملف يبقى ورقة في يد الجزائر أكتر من أي وقت مضى.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن فرنسا حذرة في تعاملها مع الجزائر، خاصة في ظل أزمة الطاقة الحالية، وأن ملف الطاقة سيطرح على الطاولة خلال الفترة المقبلة بشكل قوي، في ظل ضعف فرنسا بما يحقق نتائج أكثر نجاعة.
اتفاقيات ثنائية
وفي وقت سابق وقّعت الجزائر وفرنسا 11 اتفاقية في العديد من المجالات، وذلك في ختام انعقاد الدورة الخامسة للجنة الحكومية الرفيعة المستوى الجزائرية-الفرنسية برئاسة مشتركة للوزير الأول الجزائري أيمن بن عبد الرحمن ونظيرته الفرنسية إليزابيث بورن.
وأفادت وكالة الأنباء الجزائرية بأن "الاتفاقيات وإعلان النوايا شملت مجالات الصناعة والتكنولوجيا والصناعة الغذائية والشركات الناشئة والابتكار والزراعة والتعليم العالي والبحث العلمي والعمل والعمالة والسياحة والصناعة التقليدية".
وأضافت أنه:
"تم التوقيع على محضر نقل ملكية 51 قطعة نقدية أثرية من فرنسا إلى الجزائر"، مشيرة إلى أن رئيسي الوزراء أشرفا على افتتاح أشغال المنتدى الاقتصادي الجزائري-الفرنسي.
وبدأت رئيسة وزراء فرنسا إليزابيث بورن، الأحد 10 أكتوبر/ تشرين الأول، زيارة إلى الجزائر على رأس وفد رفيع المستوى، بهدف تحسين العلاقات مع المستعمرة الفرنسية السابقة والمصدر الرئيسي للغاز.
تأتي زيارة بورن التي تستمر يومين مع 16 وزيرا وهو ما يزيد عن ثلث حكومتها، بعد 6 أسابيع من اختتام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة مدتها 3 أيام لإنهاء أشهر من التوتر مع الجزائر.
وشهدت العلاقات بين البلدين أشهرا من التوتر بعد أن شكك الرئيس الفرنسي العام الماضي في وجود الجزائر كدولة قبل الاحتلال الفرنسي، متهما الحكومة ببث "الكراهية تجاه فرنسا".
لكن خلال زيارته في أغسطس/ آب الماضي، وضع ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون حدا للخلاف، بإعلان "ديناميكية تقدم جديدة لا رجعة فيها".