هل يرضخ التيار الصدري للواقع السياسي الجديد لإنهاء الانسداد السياسي الذي يسيطر على المشهد منذ الانتخابات المبكرة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أم أن التيار سوف يخرج بمفاجآت جديدة تقلب الوضع مجددا؟
بداية يقول مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الدكتور غازي السكوتي: "التيار الصدري موجود وأعلن منذ أن كان لديه 73 عضوا في مجلس النواب عن مواقفه، واستمر في خطابه المعارض للفساد السياسي المالي للميليشيات المسلحة والسلاح المنفلت، ولديه مطالبات أساسية تذهب إلى تعديل الدستور، وعدم التفاوض مع أطراف ثلاث في الإطار التنسيقي وهى (حزب الدعوة والحكمة وعصائب أهل الحق)".
المعارضة الشعبية
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن التيار الصدري اليوم لديه نفس الموقف بعد الانسحاب من مجلس النواب، والموقف ينسجم مع المعارضة السياسية السلمية العراقية والاحتجاجات، سواء تشرين أو غيرها من الاحتجاجات أو الأطر التنظيمية، على سبيل المثال (تحالف التغيير والذي يضم أحزاب مختلفة مدنية وسياسية ومنظمات المجتمع المدني، وهذا يعني أن المشهد السياسي ما زال منقسم بين أطراف العملية السياسية التي توافقت فيما بينها عبر صفقات لتوزيع المكاسب في مجلس الوزراء القادم والسلطات الثلاث، وبين المعارضة الشعبية التي يلعب بها التيار الصدري دورا مهما كمنهج وكفكر واتجاهات سياسية، في محافظات الجنوب والوسط وبغداد.
وأشار السكوتي إلى أن التصريح الأخير لمقتدى الصدر بعد جلسة الخميس الماضي جدد فيه الرفض للتعامل مع الوزارة القادمة، نظرا لأن كل القيادات الموجودة في العملية السياسية الآن والتي ستكون موجودة في مجلس الوزراء القادم تمت تجربتها عمليا خلال السنوات الماضية.
وأضاف: "هناك ملاحظات كبيرة حول الفساد المالي لهذه الطبقة وقد شاهدنا وسمعنا ماذا حدث من السلاح المنفلت خلال جلسة الخميس بمجلس النواب، حيث قصفت المنطقة الخضراء بتسع صواريخ كاتيوشا، وقصفت محطة إنتاج الغاز بأربع صواريخ كاتيوشا، وقصفت أمس منطقة سكك الحديد "المحطة العالمية" في بغداد أيضا بالصواريخ".
موقف الصدر
وأوضح مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، أن "هذه الفوضى الأمنية لن تتيح فرصة حقيقية جدية لبناء السلام والأمن والتنمية والتعايش والشراكة في العراق، هذه الفوضى بكل تأكيد ستغذي الفوضى و حالة انعدام الأمن والاستقرار، وأكد السيد الصدر اليوم على عدم اعترافه أو موافقته على أي مشاركة من شخصيات تنتمي إلى التيار بالحكومة القادمة، ما يعني أنه سيتم طرد هذه العناصر من التيار".
وأكد السكوتي، أن ما جرى في جلسة البرلمان "لا يخلو من الضغوط من قبل قاآني والسفارة الإيرانية في بغداد، وكذلك الضغوط الإيرانية على أربيل، كما أن هناك ضغوط إقليمية ودولية من قبل المجتمع الدولي للخروج من هذا المأزق السياسي، لا ننسى أنه بعد انسحاب التيار الصدري من مجلس النواب حل محل نوابه، النواب الخاسرون على سبيل التصويت، بمعنى آخر أن الإطار التنسيقي بعد انسحاب التيار الصدري، يحظى اليوم بالأغلبية العددية من مقاعد البرلمان، وهذا سمح له ضمن إطار الدستور العراقي أن يقدم أو يرشح رئيس الوزراء وتكليفه من رئيس الجمهورية المنتخب".
تحديات كبرى
وقال: "هناك تحديات سياسية واقتصادية كبيرة تواجه العراق تتمثل في الديون على سبيل المثال والتي تقدر بـ 134 مليار دولار والعجز المالي الذي بلغ 100 مليار دولار والفقر المدقع الذي يطال أكثر من 11 مليون إنسان عراقي، كما أن هناك 4 ملايين إنسان يعيشون في المدن العشوائية و16 مليون شاب عاطل عن العمل و6 ملايين يتيم بسبب الحروب، علاوة على ذلك هناك الميليشيات المنفلتة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، بالإضافة إلى مجموعة تحديات كثيرة، أمنية اقتصادية سياسية واجتماعية، والمعارضة الشعبية الواسعة التي ما زالت تضغط باتجاه إجراء تغييرات جوهرية في بنية ووظيفة النظام السياسي".
إعادة تدوير
بدوره، يرى أمين عام تيار بناه العراق، الدكتور رياض الإسماعيلي، أنه بالرغم من العملية السياسية في العراق التي مر عليها عقدين من الزمن، والتي مرت بتجارب عديدة وبما يطلق عليها الانتخابات البرلمانية ضمن الديمقراطية المستوردة من الاحتلال الأمريكي، والتي ادعت بأنها ستحول العراق إلى بلد ينعم بالرخاء والأمن والاستقرار، لكن اثبتت التجربة أنها أسوء مرحلة مر بها العراق، لأنها جذرت الطائفية والفساد والقتل وغياب السيادة وتعميق الصراعات بين الأحزاب التي تحولت إلى عصابات جريمة منظمة".
وأضاف في حديثه لـ" سبوتنيك"، بعد ثورة تشرين عام 2019، التي أحدثت تحولا ملحوظا على مستوى الوعي والإرادة وكشفت زيف هذه الطبقة السياسية، تلك التطورات دفعت من يمسكون بالمشهد السياسي مضطرين لإعادة الانتخابات والضغط على تغيير قانون الانتخابات و.
واستدرك الإسماعيلي بقوله: "لكن التحايل السياسي والتزوير جعل النتائج تأتي ضد مصلحة الشعب العراقي، ما أوجد حالة الانسداد بالعملية السياسية نتيجة صراع المصالح والقوى السياسية، ما جعل هذه الانتخابات ونتائجها مسرحية هزيلة، وولادة الحكومة الجديدة برئاسة محمد شايع السوداني المرتقبة وانتخاب عبد اللطيف رشيد رئيسا للجمهورية، لن يفضي إلى حل واقعي لمتطلبات وحاجات الشعب المحتج على هذه المنظومة بل يزيدها تعقيدا، لعدم وجود توافق من أطراف الصراع ومن معظم القواعد الشعبية".
عودة الأزمة
وتابع الإسماعيلي، كل المعطيات والمؤشرات التي بدأت بقصف المنطقة الخضراء والمناطق المحيطة بها رغم التحصينات الأمنية، دليل واضح على أن الأزمة قد بدأت، و بأخطر حلقاتها، وهناك قراءة تقول إن المشهد السياسي سيشتعل فتيله عند إعلان رئيس الحكومة المرتقب وهذا يعني أنه لا جديد في العملية الديمقراطية المزيفة، وأن سياسة التدوير وإعادة إنتاج هذه الطبقة السياسية لنفسها مستمرة وسيبقى الحال على ما هو عليه بل ربما أخطر.
تهديدات الصدر
من جانبها، تقول الإعلامية العراقية، رائدة كاظم العكيلي، إن التهديدات المستمرة لاتباع التيار الصدري بعدم السماح لهذه الحكومة بالمرور من الممكن أن تعرقل تشكيل حكومة السوداني.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، إذا ما تحولت تهديدات الصدر الشفوية إلى أفعال في الشارع بلا شك ستعيد الأمور إلى نقاط متأخرة في المشهد وربما تعيد المشهد إلى الإشتعال مجددا، لكن تبقى المغانم والمحاصصة هي الفيصل وصاحبة القرار.
وتابعت العكيلي: "عانى العراق طيلة الفترة الماضية من سوء إدارة حكومة تصريف الأعمال المتمثلة بالسيد مصطفى الكاظمي، فلم يلحظ الشعب العراقي أي تغيير في وضعه الاقتصادي والخدمي والأمني".
ومضت بقولها: "على الرغم من التحديات التي سيواجهها رئيس الوزراء الجديد في قادم الأيام، العراقيون واثقون من شجاعة هذا الرجل وإصراره على تجاوز كل الصعاب، خاصة بعد نجاحه في التوصل إلى اتفاق شامل مع حكومة إقليم كردستان، بعد جولات من المفاوضات بين الجانبين أثمرت عن ولادة حكومة قوية - كما وصفها بعض العراقيين - ولو متأخرة، لكن يبدو أن كلا الجانبين قد قسموا القضايا المعقدة إلى مكونات كي يسهل حلّها ومعالجتها".
وفي وقت سابق من اليوم السبت، استنكر زعيم التيار الصدر بالعراق مقتدى الصدر، تكليف الرئيس العراقي الجديد عبد اللطيف رشيد لمحمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة الجديدة بعد ترشيحه من قبل الإطار التنسيقي (الذي يضم أحزابا وقوى شيعية) الذي يعد خصم التيار الصدري.
ووجه المتحدث باسم مقتدى الصدر صالح محمد العراقي، في بيان، انتقادا لاذعا للحكومة، معتبرا أن السوداني بدأ يشكل "حكومة ائتلافية تبعية مليـشياوية".
وحذر البيان من مشاركة أي من التابعين للتيار في التشكيلة الحكومية التي يترأسها محمد شياع السوداني المدعوم من الإطار التنسيقي، خصم الصدر اللدود.
وأشار إلى أن الصدر نبه من تحول البلاد إلى "ألعوبة بيد الأجندات الخارجية، وتحول السلاح إلى الأيادي المنفلتة، وأموال الشعب إلى جيوب وبنوك الفاسدين".
وأكد أن مساعي تشكيل حكومة وطنية واسعة في البلاد فشلت، فبدأ "تشكيل حكومة ميليشياوية مجربة لن تلبي طموحات الشعب".
كما استنكر الصدر قمع صوت الشعب الرافض لإعادة العراق إلى المربع الأول.
وكلّف، عبد اللطيف رشيد، الرئيس العراقي المنتخب، مساء الخميس الماضي، محمد شياع السوداني، بتشكيل الحكومة الجديدة.
وذكرت وكالة الأنباء العراقية، أن الرئيس رشيد كلّف السوداني بتشكيل الحكومة، بمجرد الإعلان عن انتخابه رئيسا للجمهورية من قبل مجلس النواب.
ونقلت الوكالة عن السوداني قوله: "سأقدم التشكيلة الحكومية بأقرب وقت ممكن".
وفي وقت سابق اليوم، انتخب البرلمان رشيد رئيسا للبلاد، بعد حصوله على الأغلبية بالجولة الثانية من عملية التصويت على المنصب التي تنافس فيها مع المرشح، برهم صالح.
وقالت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب إن "رشيد حصل على 162 صوتا، فيما نال صالح 99 صوتا واعتبرت 8 أصوات باطلة، من مجموع عدد المقترعين البالغ 269 نائبا".
وقبل عقد الجلسة، قالت تقارير إعلامية إن المنطقة الخضراء في وسط العاصمة العراقية بغداد تم استهدافها بـ4 صواريخ صباح الخميس.
وأشارت مصادر أمنية إلى أن الاستهداف يأتي بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس النواب التي ستتضمن انتخاب رئيس الجمهورية.