سياسي عراقي يكشف لـ"سبوتنيك" أهم المشاكل التي تواجه الحكومة القادمة... قد لا تتمكن من تجاوزها

بعد انتخاب البرلمان العراقي عبد اللطيف رشيد رئيسا للبلاد خلفا لبرهم صالح، والذي كلف محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة الجديدة بعد مضي أكثر من عام على الانتخابات التي جرت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، تساؤلات كثيرة تطرح على الساحة حول مدى قدرة تلك الإجراءات على التغلب على الانسداد السياسي وصولا إلى توافق دائم بين القوى السياسية.
Sputnik
حول تطورات الأوضاع في العراق والأزمات التي يعيشها والخلافات السياسية وموقف الشارع والتيار الصدري من الجلسة الأخيرة للبرلمان، أجرت وكالة "سبوتنيك" المقابلة التالية مع الدكتور رائد فهمي، أحد مؤسسي تحالف " قوى التغيير الديمقراطي العراقي" والذي يضم عددا من الكتل والأحزاب، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، الوزير السابق في أول حكومة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، الباحث في لجنة إعداد خطة التجارة في وزارة التجارة، المحاضر في كلية الاقتصاد في الجامعة المستنصرية بالعراق.
تكليف محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة العراقية
إلى نص الحوار…
سبوتنيك: نبدأ من التطورات الأخيرة في المشهد السياسي.. هل تقترب الأزمة السياسية من نهايتها في العراق بعد انتخاب الرئيس وتكليف رئيس الوزراء الجديد؟
من ناحية اختيار رئيس جديد للبلاد وتكليف رئيس الحكومة الجديد هنا يمكننا القول من الناحية التقنية والعددية أن الأزمة ذاهبة للحل، لكن إذا قمنا بتحليل الوضع من الناحية السياسية وإمكانية الحكومة بعد تشكيلها في تسيير أعمالها بشكل منتظم، هذا موضوع آخر، وقد لاحظنا أن التيار الصدري رافض للمشاركة في العملية السياسية وأعلن ذلك صراحة في أكثر من موضع ومعارض لما يحدث، علاوة على أن القوى المدنية والديمقراطية عموما لا ترفض شخص السوداني وإنما العملية السياسية التي تجري بشكل توافقي "المحاصصة"، وترى تلك القوى أن المحاصصة والتقسيمات هي جوهر المشكلة، وأي حكومة يتم تشكيلها وفق هذا النهج هي بطبيعة الحال خاضعة لمحددات المحاصصة، حتى إرادة الحكومة ورئيس الوزراء تصطدم بمصالح الأطراف المكونة لها، بالتالي القضايا الكبرى التي يواجهها العراق، من قضايا فساد وقضية السلاح المنفلت ومحاسبة المتورطين في جرائم وغيرها لن تجد مواقف حاسمة من أي حكومة محاصصة وإن اتخذت بعض الإجراءات، لذلك القوى المدنية والديمقراطية تعارض هذا النهج وكل ما ينتج عنه.
سبوتنيك: ما هو شكل المعارضة في ظل هذا الوضع؟
المعارضة هنا تأخذ أشكال مختلفة قد تكون سياسية بحتة أو احتجاجات في الشارع إلى آخره، ولو عدنا إلى الوعود التي قدمها رئيس الوزراء المكلف، تثور هناك العديد من التساؤلات حول الإمكانية الفعلية لتحقيق تلك الوعود على الأرض، بمراجعة بسيطة لما سيحدث وفي ظل المحاصصة والتقسيمات الحالية، نجد أن هناك شكوك كثيرة في قدرته على تحقيق ذلك، كما أن مسألة الانتخابات المبكرة والتي كانت مطلبا للشارع والقوى المدنية، نجد أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تحدث عن انتخابات قادمة ولم يتحدث عن انتخابات مبكرة، ونعتقد أن مجلس النواب الذي تغيرت تركيبته السياسية بعد انسحاب نواب التيار الصدري وتصعيد الخاسرون، هذا يعني أن كتل غير فائزة في الانتخابات هي المهيمنة اليوم على مجلس النواب وهي حالة مخالفة لأبسط قواعد الديمقراطية، لهذا يجب على مجلس النواب أن يحل نفسه وأن يأتي مجلس جديد يكون أكثر تمثيلا للرأي العام الداخلي والشعبي، لكن يبدو أن الكثير من القوى السياسية لديها رغبة في أن تتحول الحكومة القادمة إلى حكومة دائمة وكاملة الصلاحية وتظل باقية حتى نهايتها، وبكل تأكيد هذا الأمر سوف يتقاطع مع رغبة التيار الصدري والقوى السياسية، لذلك أرى أنه من الصعب على الحكومة أن تتحرك في تلك الأجواء من المحاصصات والتقسيمات وفي ظل الانسداد السياسي أيضا، حيث أن المحاصصة مرتبة بكل المعوقات السابقة من فساد سياسي وإداري وغيره، وههنا نجد أن عناصر الأزمة السياسية واضحة والأمر يتطلب إجابة من الحكومة حول قدرتها على معالجة جذور الأزمة، ويمكن معرفة الإجابة من خلال النظر إلى الجهات التي تقف خلف الحكومة وهي نفسها الجهات التي تشترك في المحاصصة.
وزير عراقي أسبق يدعو الحكومة الجديدة لاستعادة ثقة الشارع إن كانت تريد النجاح
سبوتنيك: ما هو موقفكم أنتم كحزب شيوعي حول الوضع السياسي في العراق؟
نرى أن أي إجراءات أو خطوات إيجابية صعب تحقيقها في ظل حكومة المحاصصة، نحن مع استمرار أشكال الضغط السلمية باتجاه التغييرات والإصلاحات المطلوبة وحددنا ملفات مهمة مثل مكافحة الفساد والسلاح المنفلت والملف الاجتماعي والتمييز الموجود بالدولة واحتكار السلطة لجهات معينة، هذه الملفات الرئيسية، فإذا كانت الحكومة القادمة قادرة على التحرك بشكل إيجابي وجدي فأهلا وسهلا، لكننا نرى أنها محكومة بمعادلات السلطة، لذا نرى أن الحكومة إذا كانت جادة بالفعل فيجب عليها العمل من أجل الانتخابات المبكرة ولا يمنع ذلك قيامها بإجراءات أخرى لصالح المواطن، والخلاصة أنه في ظل هذا البرلمان لا يمكن أن يتحقق استقرار سياسي، نتيجة التقاطعات والخلافات السياسية، علاوة على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العميقة، فالكثير من فئات المجتمع اليوم متضررة وعلى رأسها فئة الشباب، والفئات التي تعيش تحت خط الفقر والخدمات المتردية، والمشاكل الكبرى تقع على الشباب والذين يشكلون الشريحة الأكبر والأكثر معاناة من الواقع، والاحتجاجات المتوالية أكدت أن الرأي العام الشعبي يدعو إلى تغيير المسارات، لذلك نحدد موقفنا من أي سلطة سياسية من مدى اقترابه أو بعده عن عملية تغيير المسارات.
سبوتنيك: متى يمكن لأي متابع للوضع السياسي أن يقول أن تلك الخطوة هي بداية انفراجة للأزمة السياسية في العراق؟
في حال ما تم تحقيق المطالب الشعبية وعدم النظر إلى الاحتجاجات على أنها مدفوعة من الخارج وشن الحملات وتخوينهم ووصمهم بالعمالة، وهذا كان موقف السلطات المتعاقبة، فالاحتجاجات تنادي بمطالب شعبية حقيقية من أجل ضمان التطور السلمي للمسار السياسي، على الجانب الآخر إذا كان هناك إجراءات فعلية وحازمة من جانب الحكومة لمكافحة البطالة والفساد، هذه يمكن أن تعيد ثقة الشارع في السلطات الحاكمة، أضف إلى ذلك أن الحوارات السياسية التي تمت الدعوة لها لم تكن بين قوى الشعب وإنما بين القوى السياسية الممثلة في البرلمان، مع تجاهل القوى الشعبية والمنظمات وغيرها من تلك الحوارات وهم الجانب الأهم في تلك الأزمة، فأين موقعها في التحاور والاستماع لمطالبها وما هي مواضيع الحوار الذي يجري الحديث عنه، هل هو لمجرد التهدئة والتسوية الفوقية أم الهدف منه البحث في القضايا الكبرى التي تواجه المجتمع وضرورة السير على تصويب المسارات، فإذا ما تم اتخاذ خطوات في تلك الاتجاهات، لا شك أنها ستخلق أجواء سياسية أكثر استقرارا، أكثر مما هو الآن، خلاف ذلك لا اعتقد أي حكومة يمكن أن تحقق تقدم، خصوصا أن جزءا كبيرا من المجتمع رافض ومتحفظ وقلق من الوضع الراهن.
الصدر يوجه انتقادا لاذعا لرئيس الحكومة العراقية الجديد
سبوتنيك: هل يشارك الحزب الشيوعي العراقي في البرلمان الحالي؟
نحن كحزب شيوعي قاطعنا تلك الانتخابات والتي قاطعتها أيضا العديد من القوى المدنية، المجموعة القريبة منا من المتواجدين في البرلمان هم مجموعة من النواب الذين خرجوا من رحم حراك أكتوبر 2019، ومواقفهم قريبة من مواقف القوى السياسية المنضوية تحت إطار تجمع قوى التغيير والمعارضين لقوى المحاصصة، وبالتالي نعتقد أن هناك حراك يضم قوى سياسية خارج البرلمان مع نواب داخل البرلمان، كما أن هناك توجه لتوسيع قاعدة التحرك ليضم العديد من القوى العمالية والنقابات والمنظمات المجتمعية المدنية، هذا التوجه يلقى صدى إيجابيا كبيرا، ومؤتمر قوى التغيير الديمقراطي الذي عقد منذ أيام قليلة قدم تصورا ورؤى باتجاه دولة المواطنة ولقي أصداء واسعة في المجتمع وينبغي أن يكون إحدى القوى الأساسية الفاعلة في المشهد السياسي إلى جانب القوى الفاعلة الأخرى مثل التيار الصدري والإطار، وهو يسير في اتجاه تنظيم صفوفه بشكل أكبر في الفترة القادمة، وإذا حدثت انتخابات قد يترجم هذا الحراك إلى أطر سياسية انتخابية.
سبوتنيك: شاركت كوزير في أول حكومة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2006.. ما الذي تغير منذ ذلك التاريخ؟
بالفعل نحن شكلنا أول حكومة عمليا بعد الانتخابات الأولى وكانت هناك محاصصة وتوزيع للمواقع، وأعتقد كان بها مجالات للفساد لكنها لم تترسخ في تلك الفترة وإنما ترسخت بعد ذلك داخل هيئات ومنظمات الدولة والحكومة، أصبحت بعد ذلك متحكمة وربما عملت على إجهاض أي توجه إصلاحي، وأكد ذلك وزير المالية المستقيل في أسباب استقالته وكشف عن الشبكات التي تخدم مصالح خاصة، هذا النوع يرسخ للمحاصصة ويحتاج لإجراءات قوية جدا حتى يتم اقتلاعه.
سبوتنيك: حقق العراق في الآونة الأخيرة فائضا كبيرا في الموارد النفطية وفي المقابل نجد تفاقما في الأزمات ونقص الخدمات.. كيف يمكن أن يخرج من تلك الأزمات؟
خلال الـ16 عاما الماضية، على صعيد البنية الاقتصادية العراقية تكرس الاعتماد على النفط في تمويل الميزانية بنسبة كبيرة جدا تجاوزت 90 بالمئة، حيث تراجعت معظم القطاعات الإنتاجية من زراعية وصناعية وحتى الخدمية، وتحول العراق إلى مستهلك فقط وتخطت وارداته السلعية حاجز الـ50 مليار دولار، لذا فإن معظم الإيرادات والزيادات من أسعار النفط تذهب أيضا إلى عمليات الاستيراد، لكن الإشكالية الكبرى أن السياسات السابقة التي سعت لتوسعة الدولة لأغراض ليست جماهيرية، ما أدى إلى تضخم حاد، حيث أصبح الجزء الأكبر من الموارد النفطية يذهب لتغطية نفقات تشغيلية يفترض أن تسدد من مورد متجدد، لذا هناك حاجة لتغييرات بنيوية في الاقتصاد بحيث يذهب جزء كبير من الموارد النفطية والزيادات في الأسعار إلى صناديق سيادية، تلك الصناديق السيادية تستخدم لأغراض تنموية، علاوة على أن الشراكات الخارجية يجب أن تعمل على تشغيل وتطوير العملية الإنتاجية، وهذه الأمور صعب تنفيذها في ظل تلك المصالح والمنظومات، كما أننا نجد أن هناك ارتباط أساسي بين الاقتصاد العراقي والنفط وكان يجب خلال العقدين الماضيين أن تكون هناك تحولات عميقة للاقتصاد، ولا يمكن أن يتحقق ذلك بدون خطة تنموية، كل الخبراء يتفقون أن العراق اليوم يحقق نموا نتيجة ارتفاع أسعار النفط لكنه لا يحقق تنمية، لذا فإن المطالبة بالتغيير السياسي هي شرط أساسي للتغيير الاقتصادي والاجتماعي.
سبوتنيك: كيف تقرأ المبررات التي تسوقها كل من طهران وأنقرة لقصف شمال العراق.. وردود بغداد على تلك العمليات؟
السوداني يؤكد رغبة العراق في ترسيخ علاقة استراتيجية مع أمريكا
السبب الرئيسي في تلك الحالة من تكرار عمليات قصف شمالي العراق يتمثل في ضعف الدولة "هيبة الدولة"، وفي ظل هذا النمط من المشاركة في السلطة على أسس طائفية واثنية ومحاصصة، هذا الأمر يخلق نوعا من الفراغ في المقومات والأرضية والديناميكية اللازمة لبناء الدولة، وفي الحقيقة العراق عاجز حتى ونتيجة للوضع الذي يعيشه عن وضع حد للتدخلات الخارجية، حيث أن ضعف بناء المؤسسات سواء العسكرية أو المدنية يؤثر على القرارات التي تعتمد على طبيعة القوى السياسية المتحكمة وفق التفاهمات وليس على أساس النصوص الدستورية والقانونية، ومع ذلك يمكن أن يحقق تقدما في طريق استقلال القرار ولكن بدافع من الرأي العام والضغط الشعبي، ويبدو اليوم أن هناك اتفاق إقليمي ودولي حتى بين القوى المختلفة أن لا تنفجر الأوضاع في العراق، والجميع يبحث عن درجة من الاستقرار له، وهو ما انعكس بالفعل على التوافق الأخير في البرلمان من اختيار الرئيس ورئيس الحكومة، هذا الأمر لم يكن نابعا فقط من اتفاق القوى السياسية، بل كان الجميع تحت ضغوط إقليمية ودولية من أجل استقرار قصير الأمد في العراق نظرا للمتغيرات الدولية.
أجرى الحوار/ أحمد عبد الوهاب
مناقشة