ولكن الإشكالية الجديدة التي أضيفت إلى قائمة التحديات الصعبة التي تواجهها السلطات التونسية هي
الارتفاع غير المسبوق لنسب التضخم في دول الاتحاد الأوروبي الذي ترتبط به تونس عضويا في تجارتها ومعاملاتها الاقتصادية.
فللمرة الأولى منذ تدشين اليورو قبل عقدين من الزمن، تجاوز مستوى التضخم في 19 دولة أوروبية معدل 10% بسبب أزمة الطاقة الناجمة عن تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وتزداد هذه المخاوف حدّة مع تعمق العجز التجاري لتونس الذي قفز من 11.9 مليار دينار (3.6 مليار دولار أمريكي) إلى 19.2 مليار دينار (حوالي 6 مليار دولار) في تسعة أشهر فقط، مدفوعا بتوسع وتيرة العجز الطاقي للبلاد إلى 7 مليار دينار، بحسب بيانات رسمية نشرها حديثا المعهد الوطني للإحصاء.
التضخم الأوروبي يهدد تونس
ويؤكد الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي في حديث لـ "سبوتنيك" أن تداعيات ارتفاع التضخم المالي في أوروبا مؤكدة بالنسبة لتونس، باعتبار أنها الشريك الأساسي للبلاد عبر توريد المواد الأولية.
من ناحية أخرى، قال الشكندالي إن ارتفاع التضخم المالي في أوروبا سيفرض على البنك المركزي التونسي الترفيع مجددا في نسبة الفائدة، وهو ما سيؤدي إلى تكبد المؤسسات المستثمرة خاصة في المجالات الصناعية والتجارية والفلاحية كلفة إضافية لتمويل الاستثمار، مضيفا: "الإجراء الروتيني الذي يلجأ إليه المستثمرون عادة لمقاومة الزيادة في نسبة الفائدة البنكية هو الترفيع في الأسعار، وفي النهاية المواطنون هم من سيدفعون الفاتورة".
وحذر الخبير الاقتصادي من تداعيات هذا الأمر على الاستثمار في تونس الذي سيصبح غير مربح وذا كلفة باهظة.
وأشار الشكندالي إلى أن هامش التحرك بالنسبة للحكومة التونسية ضيق جدا،
يتمثل أساسا في الترفيع في الجباية أو تحمل جزء من نسبة الفائدة مع المستثمر وهي التي تعاني أصلا من شح في الموارد المالية.
شراكة أوروبية مضرة بالاقتصاد التونسي
ويرى المتحدث الرسمي باسم حزب التيار الشعبي، محسن النابتي، أن هذه التداعيات تعكس مجددا الحاجة إلى خروج المبادلات التجارية التونسية من السجن الأوروبي.
وقال النابتي في تصريح لـ"سبوتنيك" إن العلاقات التي تربط تونس بالاتحاد الأوروبي منذ أواسط التسعينات تتسم بعدم التكافؤ من حيث المبادلات التجارية.
وأشار إلى أن تونس تكبدت أيضا خسارة الآلاف من كفاءاتها لصالح الاتحاد الأوروبي من مهندسين وأطباء وأساتذة جامعيين، مقابل منع اليد العاملة المتوسطة من دخول الأراضي الأوروبية، وهو ما أدى إلى تفاقم البطالة وتنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
وتابع: "لقد أصابت الدول الأوروبية حالة ركود كبرى بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم، وهو ما جعل الشراكة التونسية الأوروبية تمثل عبءً على تونس التي لم تجنِ شيئا من
الاتحاد الأوروبي رغم العلاقات التاريخية التي تربطها معه ورغم القرب الجغرافي مقارنة ببقية دول المنطقة".
واعتبر النابتي أن حصيلة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تقارب "الصفر"، قائلا: "الدليل على ذلك هو أن تونس تتصدر اليوم الأرقام السلبية على مستوى البطالة وعلى مستوى معدلات الفقر والهجرة غير النظامية والتسرب المدرسي ونسب الأمية التي تصل في بعض المناطق إلى نسب مفزعة تتراوح بين 35 و40 في المائة".
مراجعة الشراكة الأوروبية ضرورة ملحة
ويعتقد النابتي أن من أبرز الأولويات المطروحة على البرلمان القادم الذي ستفرزه انتخابات 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، هي وضع الاتفاقيات المشتركة بين تونس والاتحاد الأوروبي على الطاولة في
اتجاه مراجعتها أو حتى تعليق العمل بها نهائيا.
ويقول النابتي إن البلاد في أمس الحاجة إلى تنويع علاقاتها الاقتصادية، مشيرا إلى أن تونس من ضمن الدول القليلة التي ظلت مرتبطة ومرتهنة بالكامل للمنظومة الغربية، قائلا "يجب أن تعي السلطات في تونس أن مركز الثقل الاقتصادي في العالم تحول من الغرب في اتجاه الكتلة الشرقية ومحورها روسيا والصين ودول البريكس، بالإضافة إلى القوى الأخرى الصاعدة على مستوى القارة الأفريقية".
وقال النابتي إن ما يعزز تخلي تونس عن القفص الأوروبي الذي وضعت فيه منذ عقود، هو توقيعها على اتفاقية الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق التي أسستها الصين، مشيرا إلى أن تونس معنية بجزء من البنية التحتية الضخمة المخصصة لهذا المشروع التي تربط البحر الأبيض المتوسط بعمق القارة الأفريقية.
وختم النابتي قوله "لقد حان الوقت لأن توقف تونس تبعيتها للاتحاد الأوروبي الذي استنزف اقتصادها، والذي يحتاج بدوره لمن يساعده على تجاوز أزماته".