"أوقفوا قتل النساء".. صرخة حقوقية تطالب بحماية التونسيات من جرائم القتل المتكررة

أعادت حادثة مقتل التونسية وفاء السبيعي حرقا على يد زوجها الجدل بشأن ظاهرة قتل النساء التي تنتشر تدريجيا في بلد صُنّف الأول عربيا على صعيد حماية حقوق المرأة.
Sputnik
ومنذ يوم السبت 29 أكتوبر/ تشرين الأول ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في تونس بخبر قتل وفاء على يد زوجها بطريقة بشعة بعد أن أضرم النار في جسدها وهي حية. لتتصدر قصتها عناوين الصحف وحديث الرأي العام خاصة وأنها ليست الضحية الأولى.
نشر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صور وفاء وعنونوا تعليقاتهم بعبارة "اسمها وفاء السبيعي"، مذكرين بجرائم القتل البشعة التي طالت نساء أخريات في الآونة الأخيرة، ومن بينهن رفقة الشارني التي أرداها زوجها قتيلة بالرصاص في 9 ماي/أيار 2021، ويمينة البحروني التي قتلت ذبحا على يد زوجها أيضا في 10 جوان/ يونيو 2022، والقائمة تطول.

صرخة نسوية ضد القتل

وقادت هذه الحوادث البشعة عددا من الجمعيات والمنظمات الحقوقية في تونس إلى إطلاق عريضة تحت عنوان "أوقفوا قتل النساء"، تنديدا بما حدث مع وفاء السبيعي وتضامنا مع ضحايا القتل الممنهج ضد النساء.
وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، قالت الكاتبة العامة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أحلام بوسروال إن وفاء هي اسم في قائمة طويلة من ضحايا قتل النساء الذي يمارس خاصة من قبل الزوج.
وتابعت:
"بالأمس كنا نتحدث عن مبروكة ورفقة الشارني واليوم نحن نبكي وفاء السبيعي. وهن 3 ضحايا من نفس المحافظة (الكاف شمال غربي البلاد).. فمتى يتوقف النزيف؟".
وعبرت بوسروال عن قلقها من تواتر جرائم قتل النساء والعنف في بلدها، مشيرة إلى أن خلية الإنصات بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أحصت بمفردها 12 حالة قتل و4 محاولات قتل شنيع في أقل من سنة ونصف السنة.
وأضافت "صارت النساء التونسيات تُدفعن من أسطح المنازل وتُقتلن حرقا وطعنا ورميا بالرصاص وتُلقين في الآبار وتُقتلع أعينهن وآذانهم وتُشوه وجوههن، ضمن سلسلة من الجرائم التي تنم عن حقد دفين ضدهن".
وتعتبر الحقوقية التونسية أن الإفلات التام من العقاب يُفاقم هذه الجرائم البشعة، مشيرة إلى أن النظر في قضايا العنف المسلط على النساء يستغرق ما بين 3 و4 سنوات. وقالت "رغم ما رافق جريمة رفقة الشارني من بشاعة ورغم تحولها إلى قضية رأي عام لم يصدر الحكم ضد الجاني إلى اليوم وبقيت القضية أشهرا في الرفوف إلى حين تحصلنا على الاختبار الباليستي (اختبار يجرى على الأسلحة)".
وزيرة المرأة التونسية تكشف لـ"سبوتنيك" تفاصيل برنامج "رائدات" لتمكين النساء اقتصاديا
وتؤكد بوسروال أن جمعية النساء الديمقراطيات تستقبل بمفردها حوالي 900 شكوى من العنف المسلط على النساء في السنة، مشيرة إلى أن القانون وحده لا يكفي لإيقاف النزيف وأن الحد من هذه الظاهرة يتطلب خطوات جدية من الدولة.

غياب رهيب للدولة

بدورها، تقول رئيسة جمعية المرأة والمواطنة بالكاف كريمة بريني في حديث لـ"سبوتنيك": "لم يعد بامكاننا تحمل هذا الكم الهائل من العنف، لقد بلغت الجريمة حدا لا يغتفر ولا يمكن السكوت عنه".
تواكب البريني يوميا وضعية العشرات من النساء المعنفات، وتؤكد أن 80 بالمائة من الضحايا يتعرضن للعنف من قبل الزوج، مشيرة إلى أن "حوادث قتل النساء أصبحت واقعا في تونس، ومع ذلك لا تحرك الدولة ساكنا ولا تتخذ خطوة واحدة في اتجاه الحد من هذه الظاهرة البشعة التي أفقدت العشرات من النساء التونسيات أرواحهن".
وقالت البريني إن آثار هذه الجرائم تبقى محفورة في حياة عائلات الضحايا إلى الأبد وخاصة الأطفال الذين ترافقهم عادة مشاكل نفسية حادة لا يمحها الزمن. تضيف "ومع ذلك تكتفي مؤسسات الدولة ببيان يتيم تعلن فيه عن إحاطتها النفسية بطفليْ الضحية".
وتشير الحقوقية إلى أن تونس سبقت دول المنطقة في سن قانون يحمي النساء المعنفات، ولكنها تؤكد أن هذا القانون بقي حبرا على ورق في ظل عدم تخصيص الدولة ميزانية له وعدم تمكين السلطات المختصة من الآليات اللازمة لحماية النساء من هذه الجرائم.
وتشدد البريني على أن قتل النساء ظاهرة عالمية لا تخص فقط بلادها، ولكن العديد من الدول باشرت في تحليل هذه الظاهرة بجدية ودراسة الحلول الممكنة للحد منها، مشيرة إلى أن تونس لم تخطُ خطوة واحدة في هذا الاتجاه.
تضيف "في بلادي مازالت سماعة الهاتف لا تُرفع على النساء اللاتي تطلبن الرقم الخاص بالتبليغ عن حالات العنف، ومازالت النساء تذهبن إلى مراكز الأمن ولا يتم الإنصات لشكواهن، بل إن هناك نساء لا تملكن القدرة حتى على تقديم الشكوى ضد المعتدي".

وفاء ليست آخر ضحية

وتقول المديرة التنفيذية لجمعية "أصوات نساء" سارة بن سعيد لسبوتنيك، إن حادثة وفاء لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، مشيرة إلى أن قتل النساء في تونس تحول إلى ظاهرة تنتشر يوما بعد يوم.
وأكدت أن الجمعية سجلت ارتفاعا في عدد حالات قتل النساء التي يغذيها "صمت الدولة وتجاهل تطبيق القانون عدد 58 المتعلق بحماية النساء من العنف"، وفقا لقولها.
ينسف حظوظ المرأة... انتقادات حادة لقانون الانتخابات التونسي لتجاهله "المناصفة"
وأضافت "النساء اللاتي تتعرضن للعنف لا تجدن الحماية من مؤسسات الدولة، وهو ما أوصل عددا منهن إلى الموت.. وفاء ليست آخر ضحية فهناك نساء تنتظرن دورهن في ظل غياب الدولة التونسية وصمتها المريب".
وقالت بن سعيد إن الجمعيات والمنظمات الحقوقية أطلقت صيحة فزع من أجل وضع حد لهذه الجرائم، مشيرة إلى أن الديناميكية النسوية ستتجه إلى التحرك الميداني يوم السبت المقبل تضامنا مع ضحايا قتل النساء خاصة في جهة الكاف التي شهدت حوادث بشعة.
وتطالب بن سعيد السلطات التونسية بالكشف عن الأرقام الرسمية المتعلقة بظاهرة قتل النساء، مشيرة إلى أن الجمعيات والمنظمات الحقوقية هي من تتكفل بإحصاء هذا النوع من الجرائم ولكن الأرقام الحقيقية أكثر بكثير مما يتم الكشف عنه في عناوين الصحف.
كما طالبت بن سعيد بوضع برنامج وطني للحد من ظاهرة قتل النساء ومناهضة العنف الزوجي، مشيرة إلى القوانين لا تعني شيء في غياب الإمكانيات المادية والبشرية القادرة على تفعيلها.
مناقشة