يرى مراقبون أن جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، تريد تحقيق أكبر المكاسب قبل التوقيع على أي تهدئة جديدة، لأنها تعلم جيدا أن السلام قد ينهي سطوتها وسيطرتها على السلطة والثروة، ويتفق معهم في هذا التوجه حزب التجمع اليمني للإصلاح "الشرعية"، الذي تتخادم مصالحه مع بعض مصالح "أنصار الله"، ولكنها لا تتوافق كليا، ويعلم الطرفان أن هناك أوضاع دولية مضطربة مما قد يدعم الأطراف الإقليمية والدولية على تقديم المزيد من التنازلات لتهدئة المنطقة.
بداية يقول المحلل السياسي في جنوب اليمن، صلاح بن لغبر، هناك أسباب كثيرة تؤدي إلى رفض "أنصار الله"، أي مساعي للسلام أو لهدنة جديدة من بينها، أن الحوثي يقدم نفسه لأنصاره على أنه حركة مقاومة، أي حركة حرب وبدون تلك الحرب المفتوحة والجبهات، ليس هناك ما يبرر سيطرته على صنعاء وعلى مؤسسات الدولة ومواردها التي احتوتها قيادات تلك الحركة.
أسباب الرفض
وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك"، علاوة على ما سبق هناك سبب آخر يدفع "الحوثيين" باتجاه بقاء الحرب وهو استمرار الدعم العسكري من إيران وممن يسمونه محور المقاومة أو الرفض التابع لطهران، ناهيك عن أن مجموعة من القيادات الحوثية باتت تسيطر على كل شيء ووصلت إلى مرحلة متقدمة من الثراء الفاحش، حيث يكسب بعضهم ملايين الدولارات في اليوم الواحد، كما أن هناك اقتصاد حرب قائم في صنعاء والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، فنجد مجموعة من أسرة الحوثي وأتباعهم يسيطرون على مؤسسات الدولة ومواردها وشركات النفط والضرائب وكل شيء.
وتابع المحلل السياسي، بناء على الأسباب السابقة لن يتخلى "الحوثيون" بسهولة عن تلك المكاسب، لأن أي تحرك نحو السلام أو انتخابات قادمة ستفضي إلى دولة، هذا يعني تخلي الحوثيين عن الكثير من المكاسب التي حصلوا عليها سواء مادية أو سلطوية أو حتى التغلغل في مفاصل الدولة.
المؤثرات الخارجية
وأشار بن لغبر، إلى أن قرار السلام أو الهدنة لا يخضع للحوثيين وحدهم وإنما يرتبط بطهران أيضا، لأن الملف اليمني مرتبط بملفات أخرى منها الملف النووي الإيراني والوضع في العراق، علاوة على الأوضاع المختلفة في المنطقة، وليس بوسع الحوثي أن يتخذ قرارا منفردا بالذهاب إلى عملية سلام دون أن تكون هناك تنازلات لصالح إيران سواء في الملف النووي أو غيره، وقد رأينا التهديدات التي ينفذها الحوثيون على موانئ تصدير النفط في اليمن، علاوة على تهديده باستهداف طرق النقل الملاحي الدولية.
ويرى بن لغبر أن تلك التهديدات للملاحة لا تخدم الحوثيين أبدا، لأنها قد تدرجهم في قوائم الإرهاب العالمية ولدى الشعوب والحكومات الأوروبية، لكن هذا الأمر يأتي في إطار ابتزاز إيراني أن تقول من خلاله أنها تستطيع من خلال تلك التهديدات الملاحية أن تفاقم أزمة الطاقة لدى الأوروبيين، إن لم يذعنوا و يقدموا تنازلات على طاولة مفاوضات الملف النووي.
وقال المحلل السياسي، من بين الأشياء التي يعتمد عليها "الحوثيون" اليوم أنهم يقدمون أنفسهم لأنصارهم بعد الهدنة على أنهم "منتصرين" في الحرب على التحالف والمقاومة الجنوبية وعلى خصومهم، بالتالي بدأوا بوضع الشروط لإقناع أتباعهم بقوتهم على الأرض ولن يقبلوا أي شيء سوى بشروطهم.
ولفت بن لغبر إلى أن "الحوثيين" ليسوا وحدهم من حققوا مكاسب كبيرة في تلك الحرب، إذا ما نظرنا للخلف وطوال السنوات الثمان الماضية، كانت هناك أطراف ممسكة بزمام السلطة سواء في صنعاء أو في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية.
وأردف: "حتى أبريل الماضي كانت حركة "الإخوان" المسلمين وحزب الإصلاح، ذراعها في اليمن، تسيطر على القرار الحكومي للشرعية، وكل الملفات السياسية والاقتصادية، كما تسيطر الحركة على واحدة من أغنى محافظات اليمن وهي محافظة "مأرب" النفطية ولا تدفع أي دولار للبنك المركزي من تلك العائدات، ومؤخرا خسرت محافظة شبوة النفطية، وهي ليست بصدد خسارة مأرب الآن في أي تسوية سلمية يمكن أن تفضي إلى دولة، فنجد أن "الإخوان" و"الحوثيين" يسيطرون على مناطق ومنابع نفط كبيرة، حيث يسيطر حزب الإصلاح بطريقة أو بأخرى أيضا على منابع النفط في حضرموت، وتضخ تلك الأموال لصالح الحزب وليس الحزب في الداخل وإنما لصالح الحركة في الخارج أيضا، حيث نجد أن معظم قادة حزب الإصلاح يعيشون في الخارج ويمتلكون الشركات والعقارات الفارهة، وليسوا مستعدين للتنازل عن تلك المكاسب إلا بمكاسب أخرى، لذا نجد أنه من مصلحة الحوثيين والإصلاح الإبقاء على حالة الحرب أو بمعنى آخر "حالة اللا حرب واللا سلم" لتحقيق مزيد من المكاسب والسيطرة على الأرض، وعلى كل حال التسوية السلمية ترتبط بطهران وليس بصنعاء".
اللاحرب واللاسلم
من جانبه يقول الخبير العسكري والإستراتيجي اليمني ثابت حسين، إن "الحوثيين يدركون جيدا أن استمرار سيطرتهم على الشمال والحشد ضد الجنوب مرتبط باستمرار الحرب، ولنقل باستمرار حالة اللاحرب واللاسلم".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، إذ إن أي تسوية سياسية وحل سياسي شامل سوف يعني استعادة الدولة ومؤسساتها وهو ما لا يروق للحوثيين، إذ أنهم يعتبرون أنفسهم سلطة إلاهية وليست مدنية، لذلك يماطل الحوثيون في قبول تمديد الهدنة، ولأسباب أخرى من بينها ابتزاز التحالف لتحقيق مكاسب على حساب الحكومة الشرعية ومن ثروات الجنوب مثل اشتراط دفع رواتب الحوثيين وموظفي الشمال من إيرادات الجنوب.
وتابع الخبير العسكري، هناك عامل إضافي شجع الحوثيون غير الدعم هو التخادم بينهم وبين حزب الإصلاح الذي يرى نفوذه يتلاشى شمالا وجنوبا، فطوال 8 سنوات من الحرب لم نجد معارك حقيقية بين قوات الحوثيين والقوات الموالية للإصلاح ولا بين الإصلاح والحوثيين، بدليل أنهما متعايشان في تعز ومأرب، والدليل الآخر ما حصل في بيحان بشبوة، حيث سلمتها قوات موالية للإصلاح إلى الحوثيين دون قتال، وبدليل آخر أن مطالبات أبناء حضرموت بإخراج قوات المنطقة الأولى الموالية للإصلاح قوبلت باستهداف الحوثيين لمنشآت نفطية في حضرموت وشبوة.
اقتناص الفرص
أما الباحث السياسي، رئيس مركز جهود للدراسات باليمن، عبد الستار الشميري، فيقول إن "الحوثيين يحاولون رفع سقف متطلباتهم بحيث يخرجون بهدنة جديدة بمكاسب كبيرة، بعد أن استطاعوا في الهدن السابقة اقتناص الكثير من المكاسب".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، "هم يدركون أيضا أن هناك مخاوف أممية من أي اضطرابات أو شوشرة في البحر الأحمر وعلى طرق تدفق الطاقة، لذا حاول الحوثيون في تلك الفترة ضرب ميناء الضبة والتحرش ببعض السفن، وربما يستعدون للمزيد، هم يدركون أن هناك فرصة ينبغي اقتناصها للحصول على أكبر مكاسب لا سيما في المجال الاقتصادي، لأن اي هدنة بدون مكاسب لا تشكل أي أهمية لديهم، كما أن الحوثيون يعلمون أن هناك عدم جاهزية في المعسكر الآخر"الشرعية" من خلال مواجهتهم في مأرب أو غيرها.
وتابع الشميري، الحوثيون يحاولون خوض حرب تكتيكية باستثمار مخاوف الأمم والشرعية والإقليم والتحالف العربي، الذي قد يرضخ ويعطيهم المزيد من التنازلات.
توافق ضمني
وحول علاقة الحوثيين بحزب الإصلاح يقول الشميري:، بالفعل هناك تنسيق بين الجانبين، لكن ليس في كل شيء، هناك تبادل منافع وتجارة سلاح مشتركة وتوافق ضمني على إرجاء الحرب في تعز، لكن ليس هناك توافق بدخول الحوثيين إلى مأرب، لأن حزب الإصلاح يرى أن مأرب هى إحدى القلاع المهمة له نظرا لثرواتها من الغاز والنفط، علاوة على أن هناك وساطات بينهم وطرق كثيرة يتبادلون خلالها الأسرى في بعض الأحيان، رغم ذلك هناك تصادم مصطلح مشترك في بعض القضايا، حيث استطاع الإصلاح بتركيبته أن يكون في معسكر الشرعية وفي نفس الوقت قادر على تنسيق بعض الأشياء المشتركة مع جماعة الحوثي.
وفي 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، صنف مجلس الدفاع الوطني اليمني، وهو أعلى سلطة عسكرية وأمنية في الحكومة المعترف بها دولياً، جماعة "أنصار الله" منظمةً إرهابية، محذراً من التعاون والتعامل معها، وذلك على خلفية تبني الجماعة هجوماً جوياً على ميناء لتصدير النفط في محافظة حضرموت شرقي اليمن.
وجاء التصعيد السياسي بعد أيام من إعلان جماعة "أنصار الله"، إبلاغ الشركات النفطية في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية بأن عليها إيقاف عمليات التصدير رداً على ما تعتبره الجماعة استحواذ الحكومة على إيرادات النفط والغاز وعدم توجيهها في دفع رواتب الموظفين الحكوميين.
ومطلع أكتوبر الماضي، أعلنت "أنصار الله"، وصول مفاوضات تمديد الهدنة إلى طريق مسدود، في ظل اشتراط الجماعة دفع الحكومة رواتب الموظفين العموميين من عائدات النفط والغاز المنتج من المحافظات التي تسيطر عليها القوات الحكومية، فيما يتمسك مجلس القيادة الرئاسي اليمني بدفع رواتب الموظفين من رسوم دخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة غربي اليمن.