الحروب والأزمات المشتعلة في منطقتنا العربية، بدءا من ليبيا واليمن والعراق وسوريا ولبنان والسودان، وصولا إلى فلسطين، تركت أثرها الكبير على المجتمعات، لكن أثرها الأعمق كان على المرأة، ذلك الركن الأساسي في المجتمع، إن لم يكن عماده وأساس اتحاده وتماسك أسرته.
وعلى الرغم من رفض وصف المرأة بعبارة "ضلع قاصر" كما يقول البعض، لأن المرأة قوية ولا تنقصها البديهة والذكاء أبدا، لكن من جهة أخرى، لا يجب أن ننكر خصوصيتها في مجتمعاتنا العربية، وهنا ليس بمعنى الانتقاص من قدرها، بل بمعنى التكريم.
المرأة في أوقات الأزمات... كحل أسود حتى الممات
تسدل الأزمات على وجه المرأة العربية عباءة ضبابية حيكت خيوطها المعدنية من خليط معقد من المشكلات، عباءة ثقيلة جدا، تضطرها إلى الدخول في صراع بين معتقداتها وتقاليدها وأفكارها من جهة، وتبعات هذه الحروب والأزمات من جهة أخرى.
مخاطر كبيرة ترافق المرأة في أوقات الأزمات، تبدأ من ضباع المجتمع، أولئك الذين يستغلون ظروف الأزمات للنيل منها، ولا تنتهي بالأوضاع الاقتصادية القاسية، التي تحرمها الكثير من متطلباتها الأساسية الخاصة، والتي تضغط عليها لدرجة إزالة كحل العيون من بين الجفون.
ولكن للأسف هناك ما هو أسوأ، لأن كحل العيون الأسود الذي تذرفه الفتاة عند البكاء، قد يتحول إلى أحمر، عند الفقد، أي فقد زوجها أو ابنها، والحالات هنا لا يمكن إحصاؤها في منطقتنا العربية، حروب طاحنة خلفت وراءها الكثيرات اللاتي أُثقِلت ظهورهنّ بأطفال أيتام.
وسائل التواصل الاجتماعي تخفي مذكرات كتبت بأحمر الشفاه
أما عن حالات جفاف الكحل على عينها، فحدث ولا حرج، وهنا نتحدث عن فتيات بلا سند، عن قلوب بلا شريك، عن أعين سرق العمر لمعان كحلها، بعد انخفاض عدد الذكور، الذين إما فارقوا الحياة أو هاجروا، تاركين خلفهم وجوه حزينة جفّ على وجناتها الكحل على مدى سنوات الانتظار.
لنصل أخيرا وليس آخرا، إلى الحالة التي تحاول فيها الفتاة تغيير لون كحلها، أي السفر والهجرة، وهنا تواجه أيضا ذات الصعاب، بدءا من الضباع الضارية وصولا إلى جفاف الكحل الغربي على العيون العربية.
قد لا يتفق البعض مع هذه الكلمات أو هذه الحالات، وهذا موضوع طويل لا يمكن طرح جميع جوانبه في مقال واحد، لكن بمجرد تتبع صفحات وسائل التواصل الاجتماعي في عالمنا العربي، نستطيع أن نكتشف الكثير من الكحل الأسود الجاف المختبئ داخل كلمات الحزن تارة أو خلف مذكرات نقشت بأحمر الشفاه.
وسيم سليمان
المقال يعبر عن رأي كاتبه