إذ أعلنت اليوم الاثنين، مكونات سياسية تقودها جبهة الخلاص الوطني (النهضة، قلب تونس، الأمل، ائتلاف الكرامة، مواطنون ضد الإنقلاب وشخصيات مستقلة) عن إطلاق دعوة رسمية لتشكيل حوار وطني يفضي إلى تكوين حكومة إنقاذ تتولى المرحلة الانتقالية عوضا عن حكومة نجلاء بودن إلى حين إجراء انتخابات عامة بجزأيها التشريعي والرئاسي.
بالتزامن مع ذلك، أعلن الحزب الدستوري الحر في بيان له اليوم الاثنين، أنه تقدم بقضية استعجالية أمام المحكمة الابتدائية بتونس ضد هيئة الانتخابات لإيقاف مسار الانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022 وتجميد كافة المبالغ المالية المرصودة لها.
واعتبر الدستوري الحر أن الانتخابات التشريعية ستفرز "برلمانا منقوصا ومختل التركيبة وغير مطابق حتى للمرسوم غير الشرعي المنقح للقانون الانتخابي الذي تأسست عليه هذه الانتخابات"، حسب نص البيان.
وجاءت هذه الخطوة إثر إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات خلال الندوة الصحفية المخصصة لعرض نتائج الترشحات للانتخابات التشريعية المقبلة نهاية الأسبوع المنقضي عن وجود 7 دوائر انتخابية دون مترشحين و13 دائرة بمترشح واحد.
حكومة إنقاذ يفرزها حوار وطني
ويعتقد رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن المرحلة الحالية تتطلب عاجلا وليس آجلا تشكيل حكومة إنقاذ وطني تعتمد برنامجا قادرا على إخراج تونس من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقال:
"يجب أن تحظى هذه الحكومة بمساندة عريضة من الطيف السياسي والمدني وأن تنبثق عن إطار جامع وهو الحوار الوطني".
وأكد أنه وجّه دعوة رسمية صباح اليوم إلى القوى السياسية والمدنية للانخراط في هذه المبادرة.
وأضاف: "المهمة الرئيسية لهذا الحوار هو الاتفاق أولا على جملة الاصلاحات التي ستشكل برنامج حكومة الإنقاذ الوطني، وثانيا تكليف شخصية مقتدرة وفريق حكومي يدير المرحلة الانتقالية إلى حين إجراء انتخابات عامة مبكرة".
ويرى الشابي أن غالبية القوى السياسية والمدنية متفقة من حيث الهدف وهو "العودة إلى المسار الديمقراطي وإنقاذ تونس"، ولكنه يشير في المقابل إلى صعوبة توحيد صفوف المعارضة.
وأوضح: "نحن لا نطالب بأن تنصهر المعارضة في جبهة واحدة أو في ائتلاف حزبي لأننا نحترم الاختلافات، ولكننا نسعى إلى التنسيق المشترك على الميدان وتجميع القوى بهدف تغيير الموازين".
ويتصور الشابي أن المناخ السياسي والشعبي يساعد على تجسيم هذا المطلب على أرض الواقع، مشيرا إلى أن كل القوى السياسية قاطعت هذا مسار 25 يوليو/ تموز باستثناء أحزاب معدودة هي التيار الشعبي وحركة الشعب.
ولفت الشابي إلى أن هذه المقاطعة الحزبية مسنودة بعزوف شعبي كشفت عنه نتائج الترشحات التي أظهرت وجود معتمديات دون مترشحين وأخرى بمترشح واحد على غرار معتمدية حلق الوادي والمروج وسيدي البشير وباب بحر التي تعج بالطاقات، وفقا لقوله.
وقال الشابي إن هذا العزوف يظهر مرة أخرى فشل المشروع السياسي الذي يقوده الرئيس قيس سعيد، مشيرا إلى أن البرلمان القادم لن يكون جزءا من الحل بل سيزيد الوضع السياسي تعقيدا.
واعتبر أن القيادي المعارض أن الحل الوحيد هو أن يمسك الشعب بزمام المبادرة ويجلس إلى طاولة الحوار ويكون في مستوى الأخطار المحدقة بتونس.
المراهنة على الشارع
ويؤكد رئيس حزب العمال حمة الهمامي لـ "سبوتنيك"، أن حزبه لن يكون معنيا بالانخراط في مبادرة جبهة الخلاص الوطني، مشيرا إلى أن هذا القرار ينسحب على الجبهة الخماسية (الجمهوري، التيار الديمقراطي، القطب، التكتل، العمال).
وقال الهمامي: "هذا الخماسي تكوّن بشكل مستقل، وبالتالي فهو لن ينخرط في أي عمل مع جبهة الخلاص التي تعدّ حركة النهضة العنصر الرئيسي فيها والتي نعتبرها جزء من الأزمة ولا يمكن أن تكون جزء من الحل".
وأكد أن الجبهة الخماسية لن تتعاون أيضا مع الحزب الدستوري الحر الذي يحن إلى الماضي ويعادي الثورة، وفقا لقوله. وأشار إلى أن الائتلاف الديمقراطي سيواصل الترحك بشكل مستقل.
وأضاف الهمامي:
"نحن الآن بصدد التناقش حول خارطة طريق مشتركة لإفشال هذه المهزلة الانتخابية وهذا المسار الانقلابي، وتحقيق ذلك لن يكون إلا بتعبئة الشارع حول برنامج لإنقاذ حقيقي".
وقال الهمامي: "لقد أثبتت التجربة والتاريخ أن هذه الأنظمة لا تسقط إلا بالشارع"، مشيرا إلى أن دور الأحزاب يتمثل في تعبئة الشعب حول برنامج بديل اقتصادي واجتماعي وسياسي يعود بالبلاد إلى أصول الثورة التونسية ويقطع مع الخيارات التي سادت في العشرية الماضية وسياسات الرئيس قيس سعيد.
ويرى الهمامي أن رئيس الجمهورية قيس سعيد لم يفعل شيئا سوى تغير شكل الحكم من خلال المرور من ديمقراطية تمثيلية بمشكلاتها وهناتها إلى نظام حكم فردي مطلق سيخرج البلاد من معجم الجمهورية والديمقراطية.
وأكد الهمامي أن الأحزاب الخماسية بصدد مناقشة برنامج تحركاتها من أجل إفشال الانتخابات التي وصفها بالمهزلة، مشيرا إلى أن الهياكل القيادية لهذه الأحزاب على وشك الحسم في خارطة الطريق المشتركة.
توحيد الصفوف... هدف صعب
وفي حديثه لـ "سبوتنيك"، قال المحلل السياسي مراد علالة إن التقاء المعارضة حول أرضية عمل مشتركة صعب جدا رغم النقاط الكثيرة التي تجمع بين مختلف مكوناتها من خلال اختيار الذهاب إلى الشارع أو المواقف من المسار برمته.
وأضاف: "تحاول المعارضة حاليا أن تستثمر في الأزمة السياسية وفي الاخفاقات التي قد ترافق مسار الانتخابات التشريعية، وفي نفس الوقت تراهن على تحريك الشارع وعلى الاحتقان الاجتماعي في قادم الأيام خاصة في ظل تواصل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية".
وقال علالة إن انتقال حزب العمال مثلا من شارع الاحتجاجات (شارع الحبيب بورقيبة) إلى الأسواق الشعبية يكشف سعي المعارضة إلى الحشد الشعبي للتصدي لمشروع الرئيس قيس سعيد.
وتابع: "بالنسبة للحزب الدستوري الحر اختار إحراج السلطة القائمة بالتشريعات وبالمؤسسات القضائية من خلال رفع القضايا، وجميع القوى المعارضة ستكثف تحركاتها هذه الأيام في إطار ما يسمى بحرب الاستنزاف التي تهدف من خلالها إلى إجبار السلطة على تقديم تنازلات".
ويعتقد علالة أن تحركات المعارضة لن تغيّر شيئا من خطة الرئيس، ولكن الأمر لن يكون مماثلا إذا ما تحرك الشارع.
وأوضح: "إذا تواصلت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية فإنه لا يمكن للسلطة أن تضمن صمت الشارع، خاصة في ظل تواصل فقدان المواد الأساسية وغلاء الأسعار واستفحال الأزمات في العديد من القطاعات وفي مقدمتها المؤسسات العمومية التي شارفت على الإفلاس وعجز بعضها عن خلاص أجور العاملين فيها"، مشيرا إلى أن الشعب قد يلجأ إلى العصيان والتمرد إذا ما استمرت هذه الأوضاع.
ومن المقرر أن يتجه التونسيون يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول إلى مراكز الاقتراع لاختيار ممثليهم في البرلمان في أول انتخابات في تاريخ البلاد تجرى على الأفراد عوضا عن القائمات.