أفادت وكالة "الأناضول" الرسمية بأن الوحدات البرية التابعة للجيش التركي قصفت مواقع إرهابيي "واي بي جي/بي كي كي (حزب العمال الكردستاني)"، الذي تصنفه أنقرة تنظيما إرهابيا، يأتي ذلك إثر استهداف مسلحي التنظيم معبر أونجوبنار الحدودي في ولاية كيليس وقضاء قارقاميش في ولاية غازي عنتاب.
يطرح البعض تساؤلات بشأن احتمالية شن تركيا عملية برية موسعة داخل الشمال السوري، ومدى تأثير هذه الخطوات على التفاهمات الأخيرة بين أنقرة ودمشق والعودة إلى مربع صفر.
تفاهمات قائمة
قال المحلل السياسي التركي، جواد كوك، إن القصف التركي لسوريا وبعض المناطق في العراق ضد قوات قسد والأكراد، ورغم التهديدات الرسمية الأخيرة، لا يمكن أن تصل إلى عملية برية شاملة شمالي سوريا.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، تحاول أنقرة مواصلة الضغط على قوات قسد، لكن لا يزال هناك تفاهما بين الجانبين، والتنسيق بين الاستخبارات التركية والاستخبارات السورية في هذا الخصوص مستمر حتى اللحظة.
وأوضح أن التهديدات التركية لها علاقة مباشرة بالانتخابات، حيث عادة ما تقوم حكومة أنقرة بمثل هذه العمليات العسكرية مع قرب هذا الاستحقاق، كما حدث في السابق مع اليونان، على الرغم من أن البلدين أعضاء في حلف الشمال الأطلسي (الناتو).
ويرى أنه رغم القصف التركي، تحدث الرئيس رجب طيب أردوغان عن احتمال لقاء الرئيس السوري بشار الأسد، مراعاة للمصالح السياسية بين البلدين، مستبعدا أن يرجع البلدان إلى نقطة الصفر، أو يتخط أي منهما نقاط التفاهم التي وصلا إليها، والطرفان يعلمان جيدًا أهمية أن يكون هناك تطبيع بين أنقرة ودمشق.
أجندة انتخابية
من جانبه اعتبر المحلل السياسي والاستراتيجي السوري، الدكتور أسامة دنورة، أنه على الرغم من الذريعة التركية الأخيرة، والتي ترتبط بعمليتي التفجير في تقسيم ومرسين، إلا أن الأجندة الانتخابية للعدالة والتنمية، وللرئيس التركي أردوغان شخصيا، تبدو في صلب الأسباب الضمنية التي تقف وراء السياق التصعيدي الأخير برمته.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، بالنظر إلى دروس الماضي القريب، حقق أردوغان نقاطا هامة منحته وحزبه أفضلية انتخابية ملحوظة بعد كل عملية عسكرية عدوانية نفذها باتجاه الأراضي السورية، ولطالما مثل استغلال الهاجس الأمني التركي تجاه تنظيم الـ (بي كي كي) رافعة انتخابية شعوبية هامة، فضلًا عن أصدائها الرنانة في أوساط القوميين الأتراك الذين يمثل حزبهم "الحركة القومية" الحليف الرئيس لأردوغان.
وتابع دنورة: "إضافة إلى ذلك، توفر عمليات التفجير المنسوبة لناشطين أكراد في الداخل التركي، والرد العسكري عليها، توفر أجواء الطوارئ الوطنية والأمنية التي تمنح أردوغان القدرة على التعامل بأسلوب بوليسي وبخطاب تخويني ضد أنصار حزب الشعوب الديمقراطي المعارض".
وعلى صعيد تأثير التحركات التركية على سياق التحسن المفترض للأجواء ما بين أنقرة ودمشق، يرى دنورة، أنه من الضروري التذكير بأن هذا السياق لا يبدو أنه تبلور في إطار تفاهمات علنية، كما أنه لا توجد مؤشرات واضحة إلى أنه أنتج تفاهمات سرية ولا حتى ضمن إطار هامشي أو محدود، فكل ما كان متوفرا على سطح المشهد السياسي هو تصريحات تركية تفيد برغبة (أو عدم ممانعة تركية) لتطبيع العلاقة مع دمشق، دون أن تنضج هذه التصريحات المتكررة بصورة إعلان نوايا على الأقل فيما يخص تفكيك المنظمات الإرهابية المدعومة تركيا، أو ما يخص انسحاب القوات التركية المحتلة من الأراضي السورية.
أما فيما يتعلق بالتصريحات التركية التي تصنف إيجابية تجاه دمشق – والكلام لا يزال على لسان المحلل السوري- فقد عادت الدعوات إلى لقاء لأردوغان مع القيادة السورية، وهذه المرة أتت الدعوة من دولت بهتشلي، الشريك الانتخابي للرئيس التركي، فضلاً عن تصريحات أخرى تفيد بعدم وجود حاجة لوسطاء لعقد لقاء على مستوى عال ما بين أنقرة ودمشق، وأخرى لا تستبعد حصول أي لقاء أو مصافحة في إطار أي اجتماع أو مؤتمر إقليمي أو دولي.
وفيما يتعلق بتدحرج عملية "المخلب - السيف" (حسب التسمية التركية) لتصل إلى تنفيذ عملية برية، يعتقد دنورة أن هذا الاحتمال قد لا يكون مستبعدًا بالكامل، رغم أنه يرجح أن يكون (في حال تنفيذه) محدودا في شدته وعمقه، فالإغراء بتحقيق نقاط أفضلية انتخابية لن يحجب المخاطر القائمة على سلبيات قد تنتج عن عملية واسعة النطاق، بدءا من تحول العملية إلى استنزاف طويل الأمد للجيش التركي، وصولا إلى تأزم لعلاقات تركيا الخارجية، لاسيما مع الأمريكيين وربما الروس أيضا.
وتعهد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس الأربعاء، بـ"العثور على جميع المتورطين في تفجير شارع الاستقلال في إسطنبول ومحاسبتهم"، مؤكدا أن بلاده "ستهاجم كل المناطق التي يقطن فيها الإرهابيون داخل تركيا وخارجها".
وقال أردوغان، في كلمة له خلال اجتماع للحزب الحاكم، إن "تركيا لن تصمت إزاء الهجمات وتعرف الجهات التي تدعم الجماعات الإرهابية"، مؤكدا أن لبلاده "الحق في التعامل مع مشاكلها الخاصة في شمالي سوريا".
وأضاف أن "الأحداث أظهرت أن القوى التي أعطت ضمانات بعدم استهداف تركيا من مناطق سيطرتها لم تف بوعودها"، متابعا: "الخطوات التي نقوم بها ستضمن وحدة وأمن أراضي كل من سوريا والعراق".
وأكد أردوغان، أن "الجيش التركي سيعمل على تطهير منطقتي منبج وعين العرب وغيرها من المناطق، وأن الهدف هو إرساء الأمن والاستقرار في تركيا ودول الجوار".
وكان مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، قد أعلن أمس الأربعاء، أن موسكو تتلقى إشارات من أنقرة ودمشق بشأن استعدادهما لاتخاذ خطوات تجاه بعضهما بعضا، مشيرا إلى أمل موسكو في التقارب بين الطرفين.