وخرج الخلاف بين الطرفين من دائرة التنديد إلى ساحات القضاء، حيث رفعت هيئة الاتصال السمعي البصري دعوى لدى المحكمة الإدارية ضد هيئة الانتخابات بسبب إصدارها قرارا توجيهيا لتنظيم الحملة الانتخابية.
وتعتبر "الهايكا" أن هذا القرار يمثل مصادرة لصلاحياتها وإقصاء لدورها الرقابي على وسائل الإعلام.
ويتزامن هذا الخلاف مع انطلاق حملة الانتخابات التشريعية، التي يتنافس فيها ألف و55 مترشحا للفوز بـ 106 مقعدا في البرلمان، في أول انتخابات في تاريخ البلاد يتم إجراؤها على النظام الفردي بدلا من القوائم.
وتثير هذه الخطوة مخاوف خبراء ومراقبين في تونس يرون أن هذا النزاع يمكن أن يؤثر على المسار الانتخابي وعلى التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية، التي انطلقت، أمس الجمعة، في الداخل ويوم الأربعاء الماضي في الخارج.
نزاع حول الصلاحيات
وفي المسارات الانتخابية السابقة، دأبت كل من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري والهيئة العليا المستقلة للانتخابات على إعداد الدليل التوجيهي للتغطية الإعلامية ومناقشته بشكل مشترك، فيما تنحصر مهمة الرقابة ورصد الخروقات على "الهايكا".
وتتهم "الهايكا" هيئة الانتخابات بانتزاع صلاحياتها بعد أن أصدرت قرارا توجيها لتنظيم التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية، فيما تتهمها الأخيرة بتعطيل المسار الانتخابي دون سبب وجيه.
ولفت ممثل الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري هشام السنوسي، إلى أن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري ستتمسك بممارسة صلاحياتها من منطلق ولايتها العامة على وسائل الإعلام.
وقال السنوسي إن هيئة الانتخابات حولت ولايتها العامة على الانتخابات إلى ولاية حصرية وصادرت جميع اختصاصات المتدخلين في العملية الانتخابية ومن بينهم "الهايكا".
وأكد السنوسي في تصريح لـ "سبوتنيك" أن وحدة الرصد في "الهايكا" باشرت مراقبة الحملة الانتخابية، مشيرا إلى أن الهيئة لن تكتفي باللجوء إلى القضاء وأنها شرعت في التواصل مع رئيس الجمهورية بوصفه "الضامن لاستمرارية مؤسسات الدولة".
وفي المقابل، نفى الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري، استحواذ الهيئة على صلاحيات "الهايكا"، مشيرا إلى أنها اضطرت إلى إصدار الدليل التوجيهي للتغطية الإعلامية للحملة الانتخابية نتيجة عدم تقديم مشروع قرار يحدد قواعد التغطية الإعلامية من قبل "الهايكا".
وقال المنصري إن "هيئة الانتخابات وجدت نفسها أمام فراغ قانوني، بينما تفرض عليها الولاية العامة على الانتخابات أن تبادر بأخذ القرار وأن تصدر دليل التوجيه وأن تراقب الحملة عن طريق خلية رصد مكونة من مختصين في الميدان".
وشدد، في تصريح لـ "سبوتنيك"، على أن وسائل الإعلام ستكون ملزمة بتطبيق قرار هيئة الانتخابات، معتبرا أن الدليل الذي أصدرته "الهايكا" يوم 16 نوفمبر/ تشرين الثاني ليس له قيمة قانونية وأنه مخالف للفصل 67 من القانون الانتخابي، الذي يفرض وجود قرار ترتيبي.
إقصاء خطير وغير مبرر
وفي تعليق لـ "سبوتنيك"، اعتبر أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية خالد الدبابي، أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تجاوزت الصلاحيات الممنوحة لها بالقانون.
خلية رصد الصحافة المسموعة والمرئية في تونس
© Photo / The Tunisian Supreme Electoral Commission
وقال الدبابي إن "القانون واضح في هذا الجانب، حيث ينص الفصل رقم 67 من القانون الانتخابي على أن "تتولى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بالتشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، ضبط القواعد والشروط العامة التي يتعين على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية".
ويرى الدبابي أن "هيئة الانتخابات استغلت مصطلح "الولاية العامة على الانتخابات" بشكل خاطئ، معتبرا أن إقصاء "الهايكا" هو إجراء خطير وغير مبرر خاصة أنها تمثل الهيكل المسؤول عن الرقابة على وسائل الإعلام وأنها شاركت في إعداد الدليل التوجيهي للتغطية الإعلامية لجميع المحطات الانتخابية السابقة دون استثناء".
وقال الدبابي إن "تغييب الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري يضرب من مصداقية المسار الانتخابي الذي هو أصلا محل جدل، بسبب ما شابه من خروقات قانونية وثغرات".
واعتبر أن "هذا الإقصاء هو أمر متوقع في ضوء النظرة السلبية لرئيس الجمهورية تجاه جميع الهيئات التعديلية، التي يحملها مسؤولية العديد من المشاكل".
خلية رصد الصحافة المسموعة والمرئية في تونس
© Photo / The Tunisian Supreme Electoral Commission
ويقول الدبابي إن هيئة الانتخابات تحولت منذ الاستفتاء إلى أداة لتمرير سياسة رئيس الجمهورية وخياراته حتى وإن كانت تتعارض مع تكافؤ الفرص ومع القانون".
تداعيات سلبية على المسار
وترى المحللة السياسية والكاتبة آسيا العتروس أن هذا الخلاف ستكون له تداعيات سلبية ليس فقط على التغطية الاعلامية للحملة الانتخابية، وإنما على المسار برمته.
وقالت العتروس: "هذا الخلاف يتزامن مع انطلاق الحملة الانتخابية، وهو مؤشر ستكون له تداعياته على تغطية هذه الانتخابات على المستوى الإعلامي، وحتى على نسبة المشاركة في الانتخابات".
واعتبرت، في حديثها لـ "سبوتنيك"، أن الخلاف بين "الهايكا" وهيئة الانتخابات هو صراع عبثي بين مؤسسات كان من المفترض أن تتجه إلى الحوار لبحث أفضل السبل لتغطية هذه الانتخابات بدلا من الدخول في مثل هذا الصراع الذي دفع "الهايكا" إلى الذهاب إلى القضاء، وهو ما يعني أن الأيام المقبلة قد تشهد تصعيدا جديدا.
وأضافت: "هذا الخلاف هو نتيجة حتمية لمسار معقد أثار من حوله الكثير من الجدل منذ البداية، خاصة أن قواعد اللعبة تعتمد على أسس خاطئة خاصة فيما يتعلق بالنظام الانتخابي والانتقال من انتخابات القوائم إلى الأفراد، وهو ما عقد الأمر وجعل محاولة إجراء تغطية واضحة وشفافة أكثر صعوبة".
خلية رصد الصحافة المسموعة والمرئية في تونس
© Photo / The Tunisian Supreme Electoral Commission
ولاحظت العتروس ضعفا كبيرا في التغطية الإعلامية للانتخابات التشريعية، مشيرة إلى أن تلويح هيئة الانتخابات باللجوء إلى العقوبات الصارمة في حال وقوع تجاوزات وتحميل المؤسسات الإعلامية نتائج هذه الأخطاء يجعلها تتردد في الانضمام إلى الحملات الانتخابية.
وتابعت: "تغطية الحملة اعتمادا على قواعد هيئة الانتخابات هي مجازفة، فضمان المساواة بين أكثر من ألف مترشح عملية صعبة ومعقدة، وهذا ما يفسر عزوف العديد من المؤسسات الإعلامية على نقل الحملة تجنبا للوقوع تحت طائلة العقوبات التي تعتبر ثقيلة جدا على مؤسسات إعلامية تشترك جميعها الوضعية المالية الصعبة".