ولم يقتصر الفساد المالي في العراق عند صفقة محاولة تحويل أرصدة العراقيين في المصارف اللبنانية المتعثرة إلى المصارف العراقية ورقيا، والذي تحوم حوله الشبهات، فقد شهدت البلاد منذ فترة قصيرة ما عرف بسرقة القرن من أموال الضرائب والتي تخطت مئات الملايين من الدولارات.
من يقف وراء عمليات الفساد المالي الممنهج في العراق؟
بداية، يقول المحلل السياسي العراقي، شاهو القره داغي: "تسببت الأزمات الدولية وارتفاع أسعار الطاقة بزيادة إيرادات العراق المالية، وكان من الممكن استغلال هذه الفرصة لزيادة المشاريع والبنى التحتية وتحسين الواقع المعيشي للعراقيين، ولكن يبدو أن هناك إرادة سياسية تعمل على استغلال هذه الفرصة للاستحواذ على هذه الأموال وخاصة مع سهولة الإفلات من العقاب والمحاسبة".
شبهات فساد
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "مصرف الرافدين العراقي تورط خلال الفترة الماضية بمجموعة من القضايا التي تثير الشبهات والشكوك حول أداء المصرف وتضع شبهات حول علاقته بملفات الفساد، وخاصة قضية "بوابة عشتار" و"سرقة القرن"، وأخيرا محاولات نقل أرصدة العراقيين من مصارف لبنانية إلى مصرف الرافدين، حتى تعمل المصارف العراقية على تقديم التعويض للعراقيين بدلا من المصارف اللبنانية التي عجزت عن سداد هذه الأموال".
وتابع القره داغي: "الأطراف السياسية تبحث عن اختراع طرق جديدة ووسائل حديثة للاستحواذ على المال العام، ويبدو أنها كانت تخطط للسيطرة على مليارات الدولارات من خلال هذه العملية، خاصة وأن هناك تقارب بين المنظومة السياسية في العراق ولبنان من ناحية نظام المحاصصة وانتشار الفساد وسهولة القيام بهذه الخطوات دون رقابة، ومن الواضح أن إشراك السياسيين في لبنان في هذه الصفقات يدفعهم إلى تسهيل هذه العمليات دون الاكتراث بالبُعد القانوني أو الأضرار التي سوف تلحق بالمال العراقي".
دور الحكومة
وأشار المحلل السياسي إلى أنه "يتحتم على الحكومة العراقية التي أكدت تركيزها على إعادة جميع الأموال المسحوبة في "سرقة القرن"، أن تولي هذا الملف أيضا الاهتمام، ولا تسمح للاطراف السياسية المتورطة بالفساد أن تستولي على الإيرادات المتراكمة بهذه الصورة، في حال أرادت تقديم صورة مختلفة عن أداء الحكومة وجديتها في مكافحة الفساد".
عصابات المافيا
من جانبه، يقول الخبير الاستراتيجي العراقي، كريم محسن: "لقد تجاوزت الطبقة السياسية الحالية كل الحدود، إذ أصبح الفساد من أهم سماتها ومن أهم إنجازاتها، فقد أصبحت هذه الطبقة مظلة كبيرة بالفساد والفاسدين من أجل المال العام بطريقة تعجز عنها أكبر عصابات المافيا وباساليب جديده مبتكره".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن "آخر تلك المحاولات الخطيرة التي تقوم بها عصابات الفساد هي إنقاذ أموال الفاسدين المودعة في لبنان أو في المصارف اللبنانية المفلسة لتحول ورقيا لحساب مصرف الرافدين وتسجيلها دينا على تلك المصارف اللبنانية، ومن خلال المعلومات الواردة أنه قد تم فعلا تحويل 10,000,000 دولار إلى هذه المصارف".
النزاهة النيابية
بدوره، دعا عضو لجنة النزاهة النيابية بالبرلمان العراقي، أحمد طه الربيعي، إلى كشف ملابسات تحويل ودائع وأرصدة العراقيين في المصارف اللبنانية إلى مصارف عراقية (الرافدين والرشيد).
وقال الربيعي في بيان صحفي تلقت "سبوتنيك" نسخة منه: "نؤكد أن ما يتم تداوله من محاولة نقل أرصدة العراقيين من مصارف لبنانية إلى مصرف الرافدين وتتولى المصارف العراقية تعويض ودائع العراقيين بدلا من المصارف اللبنانية بعد عجزها عن السداد".
وأضاف أن "عملية التحويل ولمرتين بمبلغ يقارب 4 مليون دولار تحوم حولها شبهات فساد خطيرة تستدعي هيئة النزاهة الاتحادية والجهات الرقابية لإجراء تحقيقات عاجلة مع البنك المركزي خصوصا ومصرف الرافدين، وبالسرعة القصوى لكشف من يقف وراءها".
ودعا الربيعي في بيانه، رئيس الوزراء للتدخل المباشر لكشف ملابسات هذه القضية أمام الرأي العام العراقي، وبيان الجهات المشبوهة والمخططات الشيطانية التي تروم غسيل أموال السراق على حساب أموال الشعب العراقي، كما حصل في سرقة الأمانات الضريبية من مصرف الرافدين، حيث هناك تحول نوعي في طرق الفساد الذي كان يتم من خلال مشاريع وهمية أو فاشلة أو عمولات عليها، إلى طريقة الاستحواذ والاستيلاء المباشر على المال العام".
في نفس السياق، كشف نائب عراقي عن فقدان 20 مليار دينار (13.7 مليون دولار) من الأموال المعلن عن استردادها، في قضية سرقة الأمانات الضريبية، المعروفة إعلاميا بـ "سرقة القرن".
جاء ذلك في ما أفاد به النائب المستقل في البرلمان العراقي، هادي السلامي، في تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، وفق شبكة "رووداو" العراقية.
وقال السلامي: "200 مليار كانت في مصرف الود / فرع 14 رمضان تم التحرز عليها بعد 3 أيام من إلقاء القبض على نور زهير".
وأمس الأحد، أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، "استرداد مبلغ 182 مليار دينار عراقي (نحو 124.7 مليون دولار أمريكي)، كجزء من الأموال العراقية المنهوبة من البلاد".
وقال السوداني، في مؤتمر صحفي: "اليوم نعلن استرداد 182 مليار دينار عراقي وجبة أولى، كجزء من الأموال المسروقة من الأمانات الضريبية"، حسب وكالة الأنباء العراقية- واع.
وأضاف أن "جهات ساهمت وساعدت في سرقة أموال الدولة وسنعلن عنها عند اكتمال التحقيقات"، لافتا إلى أن "أحد المتهمين بسرقة أموال الدولة نور زهير أقر بسرقة ما يزيد عن 2 تريليون دينار عراقي [نحو 1.3 مليار دولار] وتعهد بتسليم المبلغ للعراق".
وأعلنت هيئة النزاهة الاتحادية في العراق، الشهر الماضي، عن "تأليف هيئة عليا للتحقيق بقضايا الفساد الكبرى والهامة المودعة في بغداد والمحافظات".
وأعلن السوداني وقتها "عزم الحكومة تشكيل فريق داعم لهيئة النزاهة يتخذ الصفة القانونية، ولا يتعارض مع صلاحيات الهيئة ومهامها".
وقال إن "الهدف لا يقتصر على زج الفاسدين في السجون، بل يتعدى إلى تقديم الإجراءات الوقائية للحد من الفساد، وزرع ثقافة النزاهة وعفة اليد والحفاظ على المال العام، والحيلولة دون تورط الموظفين في مخالفات أو جرائم فساد".