وجّه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، رسالة حادة اللهجة إلى رئيس الحكومة، نجلاء بودن، ينبّه فيها من مخاطر إثقال كاهل المواطنين بالضرائب لتعبئة ميزانية الدولة للعام القادم ومن تداعيات غلاء الأسعار على مقدرتهم الشرائية.
وقال الطبوبي إن "النقابيين مستعدون للنزول إلى الشارع في صورة تواصل المس بالمقدرة الشرائية وفي ظل غياب العدالة الجبائية بين التونسيين وبقاء الأجراء أكثر الفئات استهدافا واستغلالا في الجباية".
وأشار إلى أن الاتحاد سيطالب بالتخفيض الجبائي ولن يسكت عن "الحيف الذي طال الأجراء". كما أعلن عن تحرك احتجاجي لقطاع النقل يوم 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري رفضا للزيادات التي طالت أسعار المحروقات.
الغلاء... واقع ملموس
تحوّل الغلاء إلى واقع ملموس يعيش على وقعه التونسيون بشكل يومي، في ظل اتساع قائمة المواد المشمولة بالزيادة في الأسعار، لتشمل المواد الغذائية والمحروقات ومختلف القطاعات المنتجة، التي طالتها تداعيات الارتفاع العالمي للأسعار الناجم عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وبينما ينتظر التونسيون حلولا عاجلة لتحسين واقعهم الاقتصادي، أقرت الحكومة زيادة جديدة في أسعار المحروقات هي الخامسة خلال هذا العام، أرجعتها إلى "الاضطرابات التي تشهدها السوق العالمية للطاقة وتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة التزود بالمواد البترولية منذ بداية السنة".
ويخشى التونسيون وخاصة أصحاب الدخل الضعيف من موجة زيادات جديدة تعودوا عليها بعد كل زيادة في سعر المحروقات، خاصة وأن جميع القطاعات مرتبطة ارتباطا مباشرا بالطاقة.
ويرى مواطنون أدلوا بشهاداتهم لـ"سبوتنيك"، أن الغلاء الذي تعيشه تونس فاق بكثير مستوى توقعاتهم، وأن طاقتهم الشرائية لم تعد قادرة على تحمّل مزيد من الزيادات في الأسعار.
"نار نار.. كل شيء نار".. اكتفت سامية بعطوط (46 سنة) بهذه العبارات لتلخص الواقع الذي تعيشه يوميا جراء ارتفاع الأسعار، والذي أجبرها على تقليص حاجياتها اليومية والإبقاء على الضروري منها فقط، بحسب تصريح أدلت به لـ "سبوتنيك".
ارتفاع الأسعار هو الخطر الداهم
ويشكو أيمن الجمل (39 سنة)، وهو موظف في شركة لصنع الرخام، من عدم قدرته على مجاراة نسق ارتفاع الأسعار الذي وصفه بالجنوني.
وأضاف في تصريح لـ"سبوتنيك": "تداعيات ارتفاع الأسعار لم تستثني أحدا، لا الطبقات الضعيفة ولا المتوسطة ولا الأعمال الحرة ولا حتى المنظمة.. الجميع اكتوى بلهيب الأسعار".
ويرى المتحدث أن "الخطر الداهم الحقيقي ليس ما يتحدث عنه رئيس الجمهورية في علاقة بخصومه السياسيين، وإنما هو غلاء المعيشة وتقلص فرص البطالة اللذان يدفعان المئات من الشباب إلى براثن الهجرة غير الشرعية"، بحسب قوله.
وتساءل بلقاسم بن أحمد (52 سنة) عن "مصير المئات من المتقاعدين أمثاله الذين تصلهم جرايات ضعيفة بالكاد تكفي لدفع تكلفة حاجياتهم اليومية، ناهيك عن ثمن الأدوية الباهظة التي يحتاجها كبار السن ممن يعانون من الأمراض المزمنة".
ويضيف متحدثا لـ"سبوتنيك": "مع نهاية الشهر لا يبقى في جيبي حتى ثمن الخبز، فارتفاع الأسعار زاد من فقرنا، والحكومة تعد باجراءات نطالعها على شاشة التلفاز ولا نلمس آثارها في الواقع".
ويقول المتحدث إن "الغلال واللحوم والأسماك باتت حلما صعب التحقق بالنسبة إليه وللكثيرين من أصحاب الدخل الضعيف، وأنه بات يكتفي بالقليل لسد رمقه، وخلاص ما عليه من فواتير الكهرباء والهاتف والمياه التي طالتها هي الأخرى الزيادات".
اتحاد الشغل: إما الحوار وإما الشارع
يؤكد عضو خلية الإعلام صلب الاتحاد العام التونسي للشغل، صبري الزغيدي، في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن "المنظمة الشغيلة لن تبقى صامتة أمام تهاوي المقدرة الشرائية للمواطنين والأجراء".
وقال الزغيدي إن "التونسيين يعيشون منذ مدة تحت وطأة صعوبات اقتصادية واجتماعية، تسببت فيها تراكمات عشر سنوات من السياسات الفاشلة، وفاقمتها تداعيات (كوفيد-19)، وتداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا".
وتابع: "بات الاقتصاد التونسي في وضع لا يُحسد عليه، وأصبحنا نسمع عن أرقام غير مسبوقة على مستوى ارتفاع الأسعار وخاصة أسعار المواد الأساسية والتي كان لها تداعيات اجتماعية وخيمة التونسيين".
وشدد النقابي على أن "الخطوة الأولى التي سيطالب بها الاتحاد العام التونسي للشغل هي الحوار لإيجاد حلول لحماية المقدرة الشرائية للمواطنين، من خلال استغلال الموارد الذاتية بما فيها الموارد الفلاحية والمراقبة الحكيمة لمسالك التوزيع التجارية والضغط على المحتكرين والمتهربين ضريبيا من الشركات ورجال الأعمال".
وأضاف: "إذا لم يجد الاتحاد من الحكومة آذانا صاغية لإخراج تونس من هذه الأزمة فإن المنظمة النقابية ستجد نفسها مضطرة للنزول إلى الشارع للدفاع عن منظوريها من أجل ترميم مقدرتهم الشرائية وتحسين أوضاعهم المعيشية".
وتابع: "صحيح أن الزيادات مرتبطة بالوضع العالمي، ولكن هذا لا ينفي أن الحكومة لا تمتلك برنامجا واضحا في علاقة بتعديل أسعار المحروقات وأسعار المواد الأساسية أو برنامجا لإصلاح الاقتصاد جذريا، وهو ما يطلبه اتحاد الشغل".
وأشار الزغيدي إلى أن "الاتحاد العام التونسي للشغل لن يقبل بأن تذهب الحكومة إلى الحلول السهلة وخاصة اشتراطات صندوق النقد الدولي، ومنها التفويت في مؤسسات القطاع العام لصالح القطاع الخاص أو إلغاء الدعم الذي ستكون له انعكاسات خطيرة على الأوساط الفقيرة والمهمشة ومنها الطبقات الوسطى الآخذة في التلاشي تدريجيا"، وفق لقوله.