انطلقت جلسة حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، بعد أن تأمن النصاب بحضور 17 وزيرًا، فيما قاطع الجلسة كل من وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، ووزير المهجرين عصام شرف الدين، ووزير العدل هنري خوري، ووزير الدفاع موريس سليم، ووزير الاقتصاد أمين سلام، ووزير الطاقة وليد فياض، ووزير السياحة وليد نصار.
وطرح البعض تساؤلات بشأن رفض البعض لاجتماع الحكومة، ومدى دستورية هذه الخطوة، وتأثير هذا التناقض على الوضع المتأزم في لبنان على المستويات السياسية، وانعكاسه على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
مصالح طائفية
يعتبر الدكتور قاسم هاشم، عضو مجلس النواب اللبناني، أن انعقاد مجلس الوزراء اليوم، رغم مقاطعة عدد من الوزراء، جاء وفق مقتضيات الدستور اللبناني، وما يسمح به القانون في مثل هذه الحالات.
وحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإن هناك محاولات من قبل البعض لتفسير الدستور انطلاقًا من المصالح الطائفية والمذهبية، كما هو الحال في لبنان، الذي يعيش واقعًا طائفيًا بغيضًا تقاس فيه الأمور من هذه المنطلقات الطائفية.
ولفت إلى أن جلسة الحكومة اليوم جاءت تلبية لقضايا وحاجات الناس الحياتية الصحية والغذائية، والتعاطي معها من زاوية حق المواطن على الدولة والحكومة في تأمين أولوياته بعيدًا عن هذه الحسابات الضيقة، حيث استدعى الأمر الصحي للتأمين والأدوية المستعصية ومستحقات المستشفيات وغيرها من القضايا الملحة أن يكون هناك جلسة للحكومة.
وتابع: "عقد الجلسة اليوم كان واجبًا على الحكومة لا يمكن التهرب منه، وما جرى جاء ملتزمًا بالدستور، نظرًا لأن مصالح المواطنين وتسييرها هي التي تضع حدود القانون والدستور".
وفيما يتعلق برفض بعض الوزراء والسياسيين لهذا الاجتماع، قال هاشم: "رفض البعض حضور الجلسات، ومحاولة إثارة هذه الغرائز ما هو إلا استغلال رخيص للكسب الشعبي في ظل هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها الوطن الذي لا يحتاج إلى عرض العضلات وتسجيل المكاسب على حساب حقوق المواطنين".
ويرى أن كل ما يحدث من إشكاليات واستمرار الأزمات السياسية والاقتصادية، ما هو إلا تأكيد على عقم النظام السياسي في لبنان والذي بات بحاجة ملحة إلى التطوير، من أجل إخراجه من دائرة التقوقع الطائفي والمذهبي.
تناقضات كبيرة
في السياق ذاته، اعتبر المحلل السياسي اللبناني، سركيس أبوزيد، أن هذه المشكلة سابقة جديدة والدستور اللبناني لم يلحظ كل هذه التفاصيل وكيفية الإجراءات، لذلك هناك اجتهادات متناقضة، وكل طرف يحاول أن يستغل هذه المناسبة للتعبئة الطائفية وشد العصب الداخلي، والدستور غير واضح وغير حاسم في هذه المسألة، والتناقضات الحالية تعكس الخلافات الموجودة بين هذه الأطراف ولا يوجد حل فعلي لإيجاد مخرج لها.
ووفق حديثه لـ "سبوتنيك"، فمن الناحية الدستورية، هناك أكثرية مؤمنة لكن البعض يتحجج بالصيغة الميثاقية التي تعني وجود عدد من الوزراء المسيحيين، وهذه بدعة جديدة لم تكن معروفة في لبنان، هذه الأمور تتحكم بها موازين القوى وهذا يعيق إخراج لبنان من المأزق الموجود بداخله، لذلك مطلوب من مجلس الوزراء أن يجتمع لتحديد طريقة إدارة الأمور.
ولفت إلى أنه لا يمكن ترك الأمور بالفراغ الرئاسي الحالي، وكل الدساتير العالمية تجمع بأنه لا يوجد فراغ دستوري، ولا بد أن يكون هناك جهة تقوم بهذا العمل، والجهة الفعلية الآن الحكومة بغض النظر عن مدى شرعيتها ودستوريتها، لذلك مطلوب منها أن تقوم بدورها لإدارة شؤون البلاد، ولكن التوزيع الطائفي والمنطق الطائفي يعيق أي تقدم أو حل لإخراج البلد من أزمته.
وأوضح أن المشكلة في هذه الصيغة الميثاقية باعتبار أن 7 وزراء قاطعوا الجلسة وكلهم من المسيحيين لذلك يعتبر البعض أن هذا الموضوع غير ميثاقي، وفي النهاية لا يوجد نص واحد بالدستور يحدد هذه الأمور أو يعاجلها، وما يحدث استخفاف بالحياة السياسية اللبنانية، وهناك وزراء أصدروا بيانات مقاطعة، لكنهم أكملوا نصاب الجلسة بعد بعض التدخلات، مشيرًا إلى أن هذه التناقضات تدل على الرعونة في معالجة القضايا المصيرية والأساسية لحياة المواطنين.
وأشار إلى أن هذه الحالة ستعكس نوعًا من الخلافات والفجوة الكبيرة بين جبران باسيل والحكومة الحالية وهذه التجاذبات ستفاقم الأزمة، لأن كل فريق يحاول أن يظهر وكأنه المنتصر وصاحب النفوذ مع العلم أنها صراعات شكلية لا تحل مشاكل الناس، وفي النهاية تؤثر بشكل سلبي على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وعلى حياة المواطنين؛ لأنه لا يمكن أن تستمر البلاد لمدة طويلة بهذا الفراغ الدستوري وتعطيل الحكومة.
ويرى أبو زيد أن ما يحدث مسؤولية الجميع، حيث لا يوجد أكثرية نيابية داخل مجلس النواب تستطيع حسم المسألة، وتفاقم هذه الأزمة يضع لبنان في احتمالات خطيرة، من بينها حدوث المزيد من الفوضى والانعكاسات الأمنية الخطيرة.
غير دستوري
وكان وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين، قد صرح اليوم على أن السبب الرئيسي لمقاطعة جلسة مجلس الوزراء هو أن "رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي دائمًا يستأثر بالسلطة ولا يراعي التوافق وأخذ رأي رؤساء الكتل النيابية بطرح المواد ولا أخذ رأي الوزراء".
وأضاف في تصريحات سابقة لـ"سبوتنيك"، اليوم الاثنين، أنه عندما دعا، أمس، إلى الجلسة رأى أن هناك رد فعل سلبي وهناك ملاحظات وتحفظات وغياب 8 وزراء أقله عن الجلسة.
ورأى أن "الدعوة توضع في الإطار السياسي، هناك خلاف بينه وبين رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ويحاول استغلال الموضوع الإنساني بفرض هيبته وهذا أسلوب كيدي ونأسف للوصول إلى هذا المكان، ومن يدفع ثمنه هو الشعب اللبناني".
كما أكد شرف الدين أن "دستوريًا وقانونيًا لا يحق له الدعوة إلا بحالة طارئة جدًا، أما في المواد التي طرحها جميعها ممكن أن تنفذ بمراسيم جوالة وأهمها الملف الصحي أدوية السرطان والمستشفيات"، مشيرًا إلى أن "اليوم هناك 8 وزراء يقاطعون الجلسة والجميع مستاء منه ومتأثرين، أخطأ معنا في ملف النازحين، كما في ملف الهبة الإيرانية أخطأ، أخطأ في ملف ضريبة التضامن الاجتماعي، وفي ملف خطة التعافي أخطأ حيث يريد شطب الودائع".
وذكر أن "أهم شيء اليوم هو التوافق والحوار والتعاطي بشكل موازي وليس عنصري، وشخصيًا سحب مني ملف عودة النازحين بشكل اعتباطي لا يليق برئيس وزراء".
ويزداد المشهد السياسي تعقيدًا في لبنان على خلفية خلو سدة الرئاسة الأولى في ظل الخلافات السياسية والهوة العميقة بين القوى الأساسية، الأمر الذي ينذر بطول أمد الفراغ الرئاسي في البلاد.
وانتهت ولاية الرئيس اللبناني، ميشال عون، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إذ انتُخب رئيسا في 2016 بعد شغور رئاسي، استمر أكثر من عامين بسبب فشل النواب في التوافق على مرشح، وهو الأمر المتوقع حدوثه هذه المرة مع عدم توافق الكتل السياسية حول اسم مرشح للمنصب.