ويرى مراقبون أن القطع الأثرية المصرية بالخارج قد يختلف وضعها عن الكثير من دول العالم، حيث أنه حتى العام 1983 لم يكن هناك تجريم لتجارة الآثار، علاوة على الإهداءات التي كانت تتم من القيادات السياسية، ومعظم القطع المعروضة في المتاحف خرجت بشكل رسمي وقانوني ما يجعل إعادتها أمر غير وارد، علاوة على أن اليونسكو أصدرت قانون باستقرار القطع في موطنها والتي وصلت إليه قبل العام 1971.
هل تستعيد مصر آثارها من متاحف العالم؟
بداية يقول مجدي شاكر، خبير الآثار المصري، إن 99 بالمئة من الآثار المصرية الموجودة لدى دول العالم لا يمكن استردادها، لأن هناك صعوبة في التفرقة بين الآثار التي خرجت من مصر بطريقة شرعية والتي تم تهريبها.
وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك" أنه: "حتى العام 1983 كان هناك القانون 117 لسنة 83 الذي يبيح تجارة الآثار في مصر، حيث كانت هناك عائلات معروفة بتجارة الآثار ومشهورة جدا مثل عائلة الشاعر والجابري في نزلة السمان بالهرم، هذا بالإضافة إلى أن بعثات الاستكشاف الأجنبية كانت تحصل على 50 في المئة من الآثار المكررة وفق اللوائح والقوانين".
وأضاف: "على سبيل المثال إذا تم اكتشاف 100 قطعة في موقع ما، يتم البحث عن القطع المكررة واقتسامها مع الدولة، لكن لا يتم ذلك مع القطع الفريدة التي يتم اكتشافها، علاوة على ذلك كانت هناك إهداءات يهديها الرؤساء والزعماء لتلك الدول، مثل المعابد الخمسة التي قام الرئيس جمال عبد الناصر بإهدائها لعدد من الدول بعد إنقاذ معابد النوبة".
وتابع خبير الآثار، أن الآثار التي خرجت من البلاد بطريقة شرعية يستحيل استردادها، لأنها خرجت في إطار قانون مصري، أما الآثار التي خرجت عن طريق السرقات أو التي خرجت عن طريق البعثات الدبلوماسية في القرن الـ19 بنوع من التدليس مثل رأس نفرتيتي، حيث خرجت على أنها حجر جيري ومكررة وحالتها غير جيدة.
وأضاف أنه كانت هناك اتفاقات على بعض الاكتشافات بأنه لا يجوز أن تذهب لأي مكان آخر مثل كنوز "توت عنخ آمون"، لذا يجب التفرقة بين الآثار التي خرجت بطريقة شرعية والتي خرجت بطرق أخرى، الموضوع شائك نظرا لتدخل السياسة والاقتصاد والعلاقات الدبلوماسية، فمعروف أنه أيام عبد الناصر والسادات كانت هناك إهداءات للدول من القطع الأثرية.
وأشار شاكر إلى أن تلك القضية تحتاج إلى لجنة فنية وقانونية لدراسة ومراجعة القوانين والتشريعات، حيث كان الوالي محمد علي أول من أصدر قانون يمنع تجارة الآثار في العام 1835 ، لذا يجب استحضار القوانين المصرية من العام 1835 حتى العام 1983 ويتم حصر ما لنا وما علينا، لأن كل قطعة آثار خرجت من مصر يجب أن تعمل لها دراسة وحالة وقانون خاص بها.
وذكر أن: "بعض التقديرات تشير إلى أن هناك الملايين من القطع الأثرية قد خرجت من مصر طوال الفترات الماضية، ولكي نرى كل تلك القطع في المتاحف الخارجية فهى معروضة بطريقة شرعية، فلا يمكن أن تقوم المعارض الدولية بعرض قطع أثرية مصرية حصلت عليها بطريقة غير شرعية، لذا فإن عملية الاسترداد تحتاج إلى لجنة كبيرة وسياسة وتفاوض، الأمر ممكن وليس مستحيل، مصر لديها ملايين القطع المهربة ونظرا لضخامة تلك التركة عمدت وزارة الآثار إلى تشكيل إدارة خاصة للآثار المستردة لإيجاد صيغة ومسمى وتصنيف كل قطعة يتم استردادها".
وأوضح خبير الآثار أن: "هناك آثار مصرية في معظم المتاحف العالمية، والمشكلة أن اليونسكو أصدرت قانون في العام 1971 ينص على استقرار الممتلكات الثقافية، ويقضي القانون بأن أي أثر خرج من أي بلد قبل عام 1971 يستقر في نفس البلد ومن أصدروا تلك القوانين هم من كانوا يستعمرون تلك المناطق".
وتابع: "لذا إذا كنا نريد الاسترداد علينا تغيير القانون الدولي وهي مشكلة كبيرة جدا، لذا فإن الأمر يحتاج إلى عقود من الزمن، لأن الأمر صعب للغاية، فهل تتوقع أن تأتي بريطانيا إلى مصر وتعيد لها حجر رشيد، بالقطع لن يحدث هذا وأن وجود حجر رشيد في المتحف البريطاني يمثل الحياة بالنسبة للمتحف".
البعثات الأثرية
بدورها تقول علا العجيزي، العميد الأسبق لكلية الآثار جامعة القاهرة، إن الآثار المصرية التي خرجت قبل العام 1983 أعتقد أنه يستحيل عودتها إلى مصر، خاصة عندما تطالب مصر برأس نفرتيتي أو حجر رشيد، وليس هناك ما يلزم الدول التي بها آثار مصرية أن تقوم بإعادتها، ففي وقت ما في القرن التاسع عشر، كان كل السياح الذين يأتون إلى مصر يحملون معهم قطع عند العودة، هذا بجانب ما كان يتم الاتفاق عليه مع البعثات الأثرية الأجنبية التي تقوم بعمليات التنقيب.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك" أنه "في السنوات الأخيرة تم إلغاء القوانين التي أعطت للبعثات الأثرية الحق في الحصول على 50 في المئة من الآثار المستخرجة عن طريقها".
وحول كيفية الاستفادة من الآثار المصرية المتواجدة في المتاحف الدولية تقول العجيزي إن: "وجود الآثار المصرية في الخارج هى أكبر دعاية لمصر والسياحة الثقافية، فعندما يمر السائح من أي جنسية على قطعة أثرية معروضة في أحد المتاحف الكبرى، هذا الأثر يخبره بأن مصر عظيمة، وكون وجود تلك القطع في فرنسا أو بريطانيا، هذا لا يمنع أنها مصرية، وهذا الأمر يساعد بشكل كبير في جلب السياحة إلى مصر".
وأشارت إلى أنه يوجد بمصر ملايين القطع التي لم تعرض بعد ويمكنها ملء المتحف المصري الكبير، فلسنا متوقفين الآن على تلك القطع لكي نفتتح بها المتحف، وأرى أن هناك مجهود كبير يجري هذه الأيام من أجل الترويج للأثار في معظم دول العالم، وأرى أن السياحة تضاعفت في الفترات الأخيرة وخصوصا الثقافية.
حضارتنا ليست للسرقة
وأعلنت منذ أسابيع مبادرة تحمل عنوان "حضارتنا ليست للسرقة"، والتي لاقت تفاعلا من شباب السوشيال ميديا، وذلك مع اقتراب موعد افتتاح المتحف المصري الكبير، حيث تناشد المبادرة بتخصيص نوافذ عرض مجسم للقطع المفقودة أو المسروقة مصحوبة بعريضة إلكترونية موقعة من vمطالبين بإعادة رموز الحضارة إلى ديارهم و الوعي ضد محاولات سرقة الحضارة المصرية من قبل المركزية الإفريقية أو "الأفروسنتريك"، وأهم هذه الآثار رأس الملكة المصرية نفرتيتي وحجر الروزيتا.
وفي هذا الإطار قال إبراهيم الروبي، مصمم رأس نفرتيتي بتقنية الهولوجرام وفق المبادرة: "قرأت تدوينة على مواقع التواصل الإجتماعي لـ منعم مصطفى أحد رواد التواصل الاجتماعي طالب فيها المتحف المصري بتخصيص فاترينات عرض بتقنية الهولوجرام للقطع الغائبة أو المسروقة مصحوبة بالتماس إلكتروني يوقع عليه الزائرون للمطالبة بإعادة رموز الحضارة إلى موطنها".
وأضاف الروبي،"حاولت التواصل مع صاحب التدوينة لكنه لم يرد، لذا قمت باستخدام خبرتي ومعرفتي بتقنية الهولوجرام بتصميم رأس نفرتيتي المعروض الآن على مبادرة "حضارتنا ليست للسرقة"، وأتواصل حاليا مع المتحف المصري الكبير، لتفعيل هذا الموضوع، لأن المبادرة هى عبارة عن حملة أيضا لجمع التوقيعات للضغط على الدول التي بها آثار مصرية مسروقة وإعادتها لموطنها".