جاء ذلك بحسب تقرير لصحيفة "لوبوان" الفرنسية، والذي أكد الترابط القوي بين الشركات المحلية للطاقة النووية ونظيرتها الروسية. هذا هو التقرير الثاني لصحيفة فرنسية الذي يتحدث عن حاجة الغرب الماسة لروسيا في مجال الطاقة النووية.
التقرير الأول كان لصحيفة "لو كانار أونشنيه"، والذي ادعى أن شركة الكهرباء الفرنسية "إي دي إف" استوردت 290 طنا من اليورانيوم المخصب من روسيا هذا العام، وهي كمية تقدر بنحو 345 مليون يورو، وتعادل تقريبا ثلث احتياج فرنسا السنوي البالغ ألف طن.
لكن تقرير "لوبوان" قلل من هذه الأرقام، وقال إن فرنسا اشترت من روسيا 153 طنا من اليوارنيوم المخصب هذا العام، وكانت الكمية المتبقية في صورة "وقود نووي جرى تجميعه مسبقا".
ومع ذلك، فإن شركات أخرى غير "إي دي إف" تعتمد كليا على روسيا ولا يمكنها ببساطة الاستغناء عن إمداداتها. في الحقيقة، إن استثناء الغرب لقطاع الطاقة النووية من العقوبات، لا يسمح للشركات ببساطة بنقض عقودها "طويلة الأجل" مع روسيا، لأن ذلك سيترتب عليه تعويضات باهظة.
في حين تحصل فرنسا على خام اليورانيوم من كازاخستان وأوزبكستان وكندا والنيجر، فإن هذه المواد تحتاج للمعالجة قبل تحويلها إلى صورة قابلة للحرق داخل المفاعل، وهناك عدد قليل من الدول تمتلك هذه القدرات.
المفارقة هي أن فرنسا تعتمد على روسيا رغم أن شركة "أورانو" الفرنسية تهيمن على 24% من قدرات المعالجة العالمية، وتأتي روسيا وكندا في المرتبة الثانية بنسبة 20%. تصل قدرات الصين على التكرير إلى 24% أيضا لكنها للاستخدام المحلي.
قد يبدو فك الارتباط سهلا بالنسبة لأوروبا –على الأقل من الناحية النظرية – إذا رفعت قدراتها على التكرير بعض الشيء، لكن الأمر أصعب بالنسبة للولايات المتحدة التي تستحوذ على 11% فقط من قدرات معالجة خام اليورانيوم.
لا يقتصر النفوذ الروسي على مرحلة المعالجة (التكرير)، حيث يأتي بعدها مرحلة التخصيب، والتي تسيطر عليها 3 مجموعات عالميا، إذ تستأثر "روساتوم" الروسية بنحو 46% من قدرات التخصيب العالمية، يليها اتحاد "أورينكو" (بريطانيا وألمانيا وهولندا) بنسبة 30%، ثم "أورانو" الفرنسية بنسبة 12%.
قد تكون فرنسا وروسيا فقط قادرتان على الاستقلال ذاتيا في مجال التخصيب، ومع ذلك، لا تزال باريس تعتمد على موسكو لتشغيل مفاعلاتها، وتظل "روساتوم" حيوية بالنسبة للعالم أجمع، ولا تلوح في الأفق أي فرصة لفك ارتباط الغرب بروسيا فيما يتعلق بصناعة الطاقة النووية.
لا تهيمن "روساتوم" على الصناعة النووية المدنية فحسب، بل هي أيضا مسؤولة عن ترسانة الأسلحة النووية الروسية، وتشرف حاليا على محطة الطاقة النووية في زابوروجيه – المنطقة التي قررت أخيرا بإرادة الأغلبية الكاسحة لسكانها، الانضمام إلى روسيا الاتحادية - وهي أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا.
إلى جانب زابوروجيه، يوجد 18 مفاعلا نوويا روسيا في أوروبا، في دول من بينها فنلندا وسلوفاكيا والمجر وبلغاريا وجمهورية التشيك. تعتمد كل هذه المفاعلات على شركة "روساتوم" في توريد الوقود النووي والخدمات الأخرى.
في تأكيد على حجم نفوذ الطاقة النووية الروسي في بعض الدول الأعضاء، حتى مع استمرار العملية العسكرية الخاصة، أعلنت المجر في أواخر أغسطس عن بناء مفاعلين نوويين جديدين من قبل "روساتوم".
استحوذت موسكو على ما يقرب من خُمس (19.7%) واردات الاتحاد الأوروبي من اليورانيوم العام الماضي، وفقا لأحدث البيانات المتاحة من وكالة الإمداد "يوراتوم". فقط النيجر (24.3%) وكازاخستان (23%) استحوذتا على حصص أكبر.
دفع الاتحاد الأوروبي نحو 210 مليون يورو (203.7 مليون دولار) لاستيراد اليورانيوم الخام من روسيا العام الماضي، وفقا لتقديرات نشرتها صحيفة "إنفستيجيت يوروب"، ودفع 245 مليون يورو أخرى لاستيراد اليورانيوم من كازاخستان، التي تهيمن "روساتوم" أيضا على تعدين الوقود النووي فيها.