وقال الرئيس التونسي أثناء أداء أعضاء اللجنة الوطنية للصلح الجزائي اليمين الدستورية، الأربعاء الماضي، إن مهمة اللجنة ستكون استعادة الأموال المنهوبة خلال مهلة لا تتجاوز 6 أشهر.
وأكد سعيد أن اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد كشفت أن 460 شخصا نهبوا أموال البلاد، مشيرا إلى أن هؤلاء مطالبون بدفع مبالغ قيمتها 13 مليار دينار (نحو 4 مليارات دولار). وقال "هذه الأموال هي أموال الشعب التونسي ويجب أن تعود إليه".
وفي 20 مارس/ آذار الماضي، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد مرسوما رئاسيا يتعلق باسترجاع الأموال المنهوبة، من خلال العفو عن المدانين بنهب أموال الشعب مقابل إحداثهم لمشاريع تنموية في المناطق الأكثر فقرا في البلاد عوضا عن الزج بهم في السجون.
فرصة لإنعاش الاقتصاد
يعتقد القيادي في حركة الشعب ورئيس لجنة مكافحة الفساد في البرلمان المنحل بدر الدين القمودي في تصريح لـ "سبوتنيك" أن مبادرة الرئيس التونسي جاءت متأخرة، مشيرا إلى أنه كان بإمكان الدولة التونسية أن تستعيد هذه الأموال منذ مدة.
ويأمل القمودي في أن ينجح الرئيس قيس سعيد في الوفاء بوعده واستعادة هذه الأموال التي قال إن البلاد في أمس الحاجة إليها في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيش على وقعه التونسيون منذ مدة.
وأضاف "أعتقد أن الدولة التونسية ستنجح في استعادة هذه الأموال خاصة بعد توفر الإرادة السياسية لحل هذا الملف منذ 25 يوليو."
وطالب القمودي بأن تختزل اللجنة الوطنية للصلح الجزائي التي كلفها سعيّد بملف الأموال المنهوبة باختزال الآجال، مشيرا إلى أن استعادة المبالغ المنهوبة تمثل فرصة لإنعاش الاقتصاد.
واعتبر المتحدث أن آلية الصلح الجزائي غير كافية بمفردها لحل هذا الملف، وأنه من الضروري التسريع باستعادة المؤسسة البرلمانية التي بإمكانها تيسير أشغال هذه اللجنة عبر سن القوانين اللازمة.
وقال القمودي إن استعادة الأموال المنهوبة ليس الهدف الوحيد الذي يجب على السلطة أن تشتغل عليه، مشددا على ضرورة إعادة النظر في ملف الأموال المصادرة وتوفير الإجراءات اللازمة لحله.
6 أشهر... مهمة مستحيلة
ويفسّر محلل السياسات العامة في منظمة بوصلة (منظمة رقابية مستقلة) محمد أمين بن رجب في حديثه لـ "سبوتنيك"، بأن الأموال المنهوبة هي الأموال التي تعود إلى الدولة وللمجموعة الوطنية والتي تم الحصول عليها بطريقة غير شرعية على غرار التهرب الضريبي وعدم سداد الديون وتحقيق الأرباح دون وجه قانوني.
وتعليقا على قيمة المبالغ المنهوبة التي قدّرها رئيس الدولة بـ 13 مليار دينار، قال ابن رجب: "لا يمكن الجزم في صحة هذا الرقم خاصة وأن تقارير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد لم تذكر أرقاما دقيقة حول حجم هذه الأموال، وجميع التقارير السابقة تضمنت أرقاما متضاربة". وطالب ابن رجب رئيس الجمهورية بتقديم توضيح حول كيفية التوصل إلى هذا الرقم.
واعتبر المتحدث أن استعادة الأموال المنهوبة في غضون 6 أشهر هي "مهمة مستحيلة"، مشيرا إلى أن مرحلة دراسة الملفات تتطلب لوحدها مدة طويلة، خاصة وأن القضاء لم يستطع توفير الأدلة الكاملة ولم يحرز تقدما في العديد من الملفات.
وبيّن ابن رجب أن السبب في ذلك يعود إلى عراقيل عدة، من بينها وفاة المنسوب لهم الخروقات وسقوط حق الدولة في التقاضي بفعل تقادم الزمن، مشيرا إلى أنه من الصعب جدا تجاوز هذه العراقيل بمرسوم رئاسي.
ولفت ابن رجب إلى أن مبادرة رئيس الجمهورية ستصطدم بعائق آخر، وهو وجود إطارين قانونيين يتنافسان في نفس الزمان على استعادة الأموال المنهوبة. وأوضح: "بالإضافة إلى قانون الصلح الجزائي الذي أصدره الرئيس في مارس/آذار الماضي، هناك قانون العدالة الانتقالية لسنة 2013 الذي تم بمقتضاه إحداث دوائر مختصة تنظر في قضايا الفساد المالي والإداري".
أرقام دعائية
يؤكد وزير أملاك الدولة السابق مبروك كورشيد لـ "سبوتنيك"، أن الأرقام التي تحدث عنها رئيس الجمهورية هي "أرقام دعائية" ولا أثر لها في ملفات وزارة أملاك الدولة أو في ملفات وزارة المالية.
وقال "من الواضح أن الرئيس استند إلى تصريح إعلامي لأحد وزراء حكومة الترويكا أدلى به سنة 2012 في إطار سياسة تهويل المسروقات في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي".
وبيّن كورشيد أنه لم يشهد خلال مروره بوزارة أملاك الدولة (خطة وزير) أو بوزارة المالية (كاتب دولة) أي رقم يحدد قيمة الأموال المنهوبة، مشيرا إلى أن تقارير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد التي ترأسها العميد عبد الفتاح عمر لم تتضمن الرقم الذي تحدث عنه الرئيس ولا حتى ذكر عدد الشخصيات المتهمة بالرشوة والفساد المالي.
وتابع "جميع الملفات المتعلقة بشبهات الفساد أحيلت إلى القطب القضائي المالي بعد حل هذه اللجنة، والقطب أجرى اختبارات للتحقق من هذه الشبهات، وأحال بعض المتهمين على التتبع واحتفظ بالبعض الآخر".
ويعتقد كورشيد أن عملية استعادة الأموال المنهوبة هي عملية قضائية صرفة ولا يمكن أن تشرف عليها اللجان، مضيفا "لو كنت مكان رئيس الجمهورية لاكتفيت بتحوير فصل وحيد يتم بمقتضاه تمكين القضاة من تمتيع المتورطين في ملفات الفساد المالي بآلية الصلح الجزائي".
واعتبر كورشيد أن إحداث اللجنة الوطنية للصلح الجزائي خطوة خاطئة قد تتحول إلى وسيلة للابتزاز المالي شأنها شأن اللجان التي تكونت سابقا، وفقا لقوله.
وسعت جل الحكومات التونسية المتعاقبة على الحكم بعد الثورة إلى استعادة الأموال المنهوبة والتي ينتمي غالبية المتورطين فيها إلى عائلة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي ورجال الأعمال، غير أنها لم تحقق أي تقدم في هذا الملف.