ولفت المحللون إلى أن هناك اتفاق ضمني بين الولايات المتحدة وتركيا بهدف تنفيذ مشروع أمريكي وآخر تركي في الشمال السوري يقوم على ضمان استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة للضغط على الدولة السورية وحلفائها.
وتساءل المحللون عن أسباب إصرار الولايات المتحدة على إبقاء "داعش" في غرفة الإنعاش، ونقل مقاتليه من مكان إلى آخر، وتحويله إلى عضو جاهز للاستخدام متى وأنّى تطلبت المصالح الأمريكية ذلك.
في هذا السياق، اعتبر الخبير العسكري السوري، اللواء محمد عباس، أن تبادل الأدوار على الأراضي السورية بين النظام التركي والولايات المتحدة وإسرائيل يؤكد أن الحرب في سوريا ستستمر وفقاً لمجريات الصراع بين القوى العظمى في العالم.
ظهور "داعش" في "إدلب" و"درعا" للإيحاء بالتناقض بين واشنطن وأنقرة
وأشار اللواء والخبير السوري في تصريح خاص لـ "سبوتنيك" إلى أن "الغاية من إظهار وجود ما يسمى أمراء داعش مؤخراً في إدلب ودرعا غايته الترويج لفكرة أن هناك تناقض بين الولايات المتحدة وتركيا". وقال: "تنظيم داعش الإرهابي متعدد الرؤوس والأذرع والأماكن والأسماء، وهو يتكرر ويظهر في أكثر من مكان وشكل بحسب الحاجة، لكنه في المحصلة جيش أمريكي ’’بديل’’ بلباس موحد متعدد الأشكال ومتعدد المهام، يظهر في شرق سوريا وفي قاعدة التنف وفي البادية، وظهر مؤخراً في درعا، ويمكن أيضاً أن يظهر في إدلب مع جبهة النصرة رغم ما يشاع من أن هناك صراع بين جبهة النصرة والمجموعات الإرهابية المسلحة في إدلب من جهة وتنظيم داعش من جهة ثانية؛ لكن في الحقيقة لا يوجد أي صراع بين هذه القوى، وهنا من المهم جداً أن نتذكر أن منطقة ’’55 كيلو متر’’ هي منطقة وسيطة في خط المواجهة أو في المنطقة العازلة التي تسعى أمريكا لإنشائها، وتمتد من القنيطرة إلى درعا والسويداء مروراً بمنطقة الـ ’’55 كيلو متر’’ وقاعدة التنف المحتلة وصولاً للبوكمال وليس انتهاء بعين ديوار شمالاً والتي تمتد باتجاه الغرب لتصل إلى اللاذقية".
حماية "قسد" ذريعة لمشروعين أمريكي وتركي شمال سوريا
وأردف اللواء عباس قائلاً: "هذا هو المخطط الذي يسعى إليه أردوغان وأمريكا وإسرائيل للمنطقة، فعندما نتحدث عن وجود مجموعات داعش في منطقة الـ"55 كيلو متر" فهذا يقتضي (من وجهة النظر الأمريكية) تغيير اسمها أو أشكالها، ويمكن لها أن تبقى بنفس الاسم من حيث المبدأ، وبالتالي عندما تتحدث وسائل الإعلام عن إظهار عناصر أو أمراء لداعش في إدلب أو في درعا، فالغاية هي ترويج فكرة أن هناك تناقض بين التركي والأمريكي، من خلال احتضان أمريكا لما يسمى تنظيم قسد الإرهابي من جهة، والرغبة التركية بالهجوم على الشمال السوري للقضاء على هذه المجموعات الإرهابية على حد زعمه".
وأكمل حديثه بالقول: "وجود قسد في منطقة الجزيرة السورية تعتبره تركيا ذريعة لتحقيق المشروع الأمريكي ولتأمين ضمان تنفيذ المشروع التركي في الشمال السوري، فعندما يتم تبادل الأدوار بين التركي والأمريكي فالمشروع في النهاية واحد، وهنا نتذكر أن ما يجري في سوريا ليس نزاعاً داخلياً داخلياً على الديمقراطية أو حقوق الإنسان بل هو صراع دولي بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية".
وأوضح اللواء عباس أن "مايجري في سوريا هو أحد أوجه الصراع المسلح بين هذه القوى الدولية لأن روسيا والصين تسعيان إلى ضمان التعددية القطبية، وبالتالي عندما يتم تبادل الأدوار بين التركي والأمريكي والإسرائيلي أيضاً، فهذا يعني أن الصراع سوف يبقى مستمراً ومتواصلاً والحرب في سوريا ستستمر وفقاً للصراع المتبادل بين القوى العظمى".
واشنطن تريد القول لروسيا بأنها هي صاحبة القرار
وحول الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها من خلال إعادة ترتيب دور المجموعات الإرهابية داخل الجغرافيا السورية، قال اللواء عباس: "تسعى الولايات المتحدة من خلال كشف بعض أوراقها وقدراتها الميدانية في المنطقة إلى الاستثمار في هذه الأوراق لتأجيج الصراع ومنعه من أن يهدأ، في الوقت الذي تسعى فيه روسيا لمنع امتداد الإرهاب من خلال دعم الدولة السورية، وبالتالي فإن الولايات المتحدة من خلال إظهار أوراق جديدة لها في الشمال والجنوب وفي الشرق إلى جانب وورقة موجودة في منطقة الجزيرة السورية تمثلها "قسد" تريد أن تقول لروسيا أنها ما تزال هي صاحبة القرار في المنطقة، وفي ذات الوقت تخفي دور تركيا التي تتحضر لشن عملية عسكرية في الشمال الشرقي من سوريا تحقق من خلالها أهدافاً جديدة تدخل ضمن المشروع التركي وتؤمن أيضاً تحقيق المشروع الأمريكي في نفس الوقت وهو إطالة أمد الحرب في سوريا وإرباك القيادة الروسية في جبهتين هي سوريا وأوكرانيا وإنهاك أي شكل من أشكال مقاومة المشروع الأمريكي في المنطقة، وبالتالي لن يتردد الأمريكي بإعطاء هذه الفرصة لـ أردوغان.
الولايات المتحدة تؤهل مجموعات إرهابية
وفيما إذا كانت العمليات المتكررة التي تستهدف القواعد والنقاط العسكرية الأمريكية هي التي دفعت الولايات المتحدة إلى تصعيد الميدان في سوريا من خلال ظهور "داعش"، قال اللواء عباس: "يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بروز المقاومة الوطنية السورية في منطقة البادية وتصديها لعناصر قسد واستهدافها لبعض المواقع الأمريكية في حقل عمر (النفطي)، وقد يمثل ذلك مؤشراً لدى الأمريكي من أجل إعادة بناء وتشكيل مجموعات جديدة في المنطقة الشرقية والجنوبية وأيضاً في المنطقة الشمالية، وهذا ما يفعله الأمريكيون منذ فترة بعيدة، حيث تم إخراج عناصر داعش من سجون قسد ونقلهم إلى قاعدة التنف، وتم تحضيرهم لتشكيل مجموعات وقوى داعمة وعناصر حراسة تضمن عدم تسلل أي مجموعات باتجاه القواعد الأمريكية وتضمن أمن هذه المجموعات الأمريكية، فالمشروع الأمريكي متجدد في المنطقة ويتطور باستمرار وباستخدام أبناء المنطقة، واليوم نتحدث عن أسماء أمراء لداعش في إدلب و درعا، فهي عناصر ومجموعات يتم تأهيلها وتحضيرها وتدريبها وتسليحها بحيث تكون جاهزة لتنفيذ أي مهام مستقبلية، خاصة وأن التركي يحاول إظهار أن له مساحة متاحة له بالقول أن الأمريكي يمكن له أن يغادر المنطقة وأن هناك عملية عسكرية تركية في الشمال السوري، فيما تقدم قسد نفسها أنها في موقع المظلوم وأنها بحاجة للدعم الأمريكي، كل هذه الشبكة المعقدة من العلاقات ومن القوى الموجودة في المنطقة تتطلب من الأمريكي إعادة إنتاج عناصر جديدة يمكن لها أن تستخدم في مكان آخر، سواء في المنطقة الجنوبية من سوريا في منطقة درعا والسويداء".
هناك من يسعى لزعزعة استقرار المنطقة الجنوبية
وفي تعليقه على الأحداث الأخيرة في السويداء، قال اللواء عباس: "ماحصل في السويداء لم يكن هدفه فقط الحديث عن الصعوبات المعيشية والاقتصادية، ولاشك في أن هناك ظروف معيشية قاسية على المواطن في سوريا عموماً وليس فقط في السويداء، لكن هناك من لا يزال يحاول تحريك الشارع بما يضمن له زعزعة استقرار المنطقة الجنوبية والعودة إلى المربع الأول عام 2011 عندما كانت الحرب في بداياتها وكان البعض من المواطنين يعتقد أن الحراك هو حراك من أجل تلبية مطالب شعبية محقة، وبالتالي فالأمريكي بتحركه في السويداء ولتحريكه لعناصره وأدواته هناك لا ينفصل هذا الحراك عما يجري في ما يسمى منطقة الجزيرة السورية، ويرتبط ذلك أيضاً مع كل تطور لاحق في المنطقة الشمالية، وبالتالي غرفة العمليات الأمريكية التي تقود الحرب على سوريا تحرك أدواتها في الزمان والمكان المناسبين لها".
وجود "داعش" وحماية "قسد" ذريعة لبقاء القوات الأمريكية
بالانتقال إلى شمال شرق سوريا وفي منطقة التنف والأسباب التي تدفع الولايات المتحدة لحماية ميليشيا "قسد" الانفصالية والهدف من عدم قيام القوات الأمريكية باسئصال بقايا "داعش" في تلك المنطقة، أوضح المحللون أن هناك أكثر من سبب يدفع الولايات المتحدة الأمريكية للإبقاء على الحد الأدنى من عناصر تنظيم داعش الإرهابي في إطار سياسة غض البصر الأمريكي، إن كان في مخيم الركبان أو في المناطق الشمالية الشرقية دون أن تفلح قوات ما يسمى التحالف الدولي ومعها قوات قسد العميلة باستئصال بقايا وفلول هذا التنظيم.
في هذا المنحى، أوضح المحلل السياسي والاستراتيجي السوري الدكتور أسامة دنورة في تصريح خاص لـ "سبوتنيك" أن "لهذا الأمر أكثر من توظيف أمريكي؛ أولاً الولايات المتحدة الأمريكية هي دائماً بحاجة إلى تبرير وجود قواتها على الأراضي السورية ضمن خطة الاعتمادات في الكونغرس، ومن شأن غياب وجود تنظيم داعش أن يفقدها ذريعة البقاء بشكل كامل، فالتفويض الممنوح حالياً يعود إلى عام 2001 خلال عهد إدارة بوش الابن وهو يتعلق بمكافحة الإرهاب، فطالما بقيت ذريعة مكافحة الإرهاب ممثلة بوجود تنظيم داعش فهناك تفويض عملياً ساري المفعول للجيش الأمريكي للانتشارعلى أراضي دول أخرى دون الحاجة إلى وجود تفويض جديد من الكونغرس علماً أن كل هذا يأتي خارج نطاق الشرعية الدولية سواء بموافقة الكونغرس أم بدونها".
وتابع قائلاً: "الهدف الثاني الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية هو ضمان استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة، وبالتالي تعمل فلول داعش بصورة أو بأخرى، كقوة بديلة أو رديفة للقوات الأمريكية لمواجهة الجيش العربي السوري وحليفه الروسي وحلفائه في محور المقاومة حتى لا تستقر الأوضاع في المناطق التي تنتشر فيها قوات هذا المحور، وخاصة في المناطق الشرقية والحدود مع العراق، فإذا كانت هناك مهمات لا يقوم بها الأمريكان لأسباب سياسية؛ فمن الممكن أن يفسحوا المجال لتنظيم داعش لكي يقوم هو بهذه المهام، باستهداف الجيش العربي السوري والجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي والقوى الحليفة والرديفة، وطبعاً هنا نفس هذه الأسباب بمجملها تنطبق تقريباً على ما يمكن أن يتم توظيفه فيما يتعلق بالعراق أيضاً للإبقاء على تنظيم داعش في المنطقة الحدودية بحيث نجد أن كلا البلدين يتعرضان لهجمات من حين وآخر من قبل فلول داعش".
الأمريكيون وحلفاؤهم يفشلون "قصداً" في مكافحة داعش... ما السر؟
وأردف: "السبب الثالث هو الحفاظ على الغطاء الممنوح أمريكياً لميليشيا قسد الانفصالية اللاشرعية والخارجة عن القانون، فذريعة وجود تنظيم داعش الإرهابي هي الأساس في دعم الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الميليشيا ومحاولة شرعنتها على أنها القوة الرديفة المحلية التي تقوم بالعبء الأكبر بمحاربة تنظيم داعش، وما يهمنا من كل هذا السياق الأمريكي أن الولايات المتحدة الأمريكية فشلت حتى الآن مع قواتها الرديفة وحلفائها من قسد وغيرها في استئصال داعش، فإذا أخذنا السياق الظاهري أنها تريد فعلاً القضاء عليه، فهي فشلت في تحقيق هذا الأمر، في حين أن الجيش العربي السوري مع حلفائه حرر مناطق شاسعة في المنطقة الوسطى وفي بادية تدمر وفي المنطقة الشرقية وفي القلمون وفي محافظتي القنيطرة ودرعا من فلول داعش وقضى على التنظيم بنسبة كبيرة جداً ولولا سياسة غض البصر الأمريكي في مناطق مثل مخيم الركبان والمناطق الشمالية الشرقية لأطبق الجيش العربي السوري مع حلفائه على فلول داعش، كما حرروا باقي المناطق التي أصبحت اليوم خالية من فلول هذا التنظيم، كذلك فإن الجيش العراقي هو الآخر في الأماكن البعيدة عن تواجد الأمريكان تمكن من تحرير مساحات شاسعة ومدن كبرى من تنظيم داعش".
"داعش" والولايات المتحدة... تخادم متبادل في سوريا
وأكمل دنوره حديثه لـ "سبوتنيك" بالقول: "هذه الحالة القلقة المضطربة غير النهائية واللاشرعية وحالة عدم الاستقرار التي يمثلها وجود قوات أمريكية محتلة وقوات لاشرعية مؤقتة هي ما يتيح المجال لاستمرار وجود تنظيم داعش، ولذلك فإن هناك تبادل للتخادم بين تنظيم داعش والولايات المتحدة الأمريكية وعملائها في المنطقة، فالولايات المتحدة تغض النظرعن فلول داعش ولا تضيق عليه بطريقة تستطيع من خلالها استئصال فلوله من مناطق تواجده، وتقوم كذلك بحمايته من القوى التي تستطيع دحره كما فعلت ذلك في مناطق أخرى، ومن ناحية أخرى فإن تنظيم داعش الإرهابي يخدم الولايات المتحدة الأمريكية باستمرار محاربته للدولة السورية وإن بوتيرة ضعيفة، ويبدو أنها تصاعدت في الآونة الأخيرة، وذلك يمثل نوعاً من الحرب بالواسطة أو الحرب البديلة ضد الجيش العربي السوري للإبقاء على حالة عدم الاستقرار، فيما يوفر تنظيم داعش ذريعة للأمريكان لاستمرار بقاء قواتهم في سوريا وحمايتهم لميليشيا قسد الانفصالية في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد".