ما الذي يمكن أن يجنيه العراق فعليا على الأرض في قمة بغداد الثانية بالأردن؟
بداية يقول مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي السكوتي، إن "مؤتمر بغداد في نسخته الثانية التي تعقد بالمملكة الأردنية، كما في نسخته الأولى كمؤتمر إقليمي ودولي نسبيا عبر مشاركة الأمم المتحدة والرئيس الفرنسي ممثلا للاتحاد الأوروبي "إذا جاز التعبير"، علاوة على مشاركة مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، هذا الاهتمام الإقليمي الواسع من دول جوار العراق، إضافة إلى إيران وتركيا، كل هذا يعكس أن العراق اليوم محكوم بعواصف التدخل الإقليمي، علاوة على دور واشنطن في العراق والخليج العربي".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"،" هذه المنطقة وفي ظل العملية العسكرية الروسية الأوكرانية، بدأت تحظى باهتمام أكبر من قبل الاقتصاد العالمي بفعل الحاجة إلى الطاقة "النفط والغاز"، هذا الأمر دفع العديد من القوى الكبرى باتجاه تلك المنطقة لضمان أمن الطاقة وبكل تأكيد هذا الأمر يتطلب أولا ضمان أمن الشرق الأوسط، ولا يمكن ضمان أمن الشرق الأوسط دون ضمان أمن العراق والخليج وسوريا لا حقا، وكل المنطقة إجمالا لكي نضمن سوق مهمة ومصدر مستقر وآمن للغاز والنفط لسد احتياجات أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والعالم".
توازن العلاقات
وأشار السكوتي إلى أن تركيا وإيران وبقية دول الجوار العراقي تشترك جميعا في الوضع الراهن في المنطقة، وعلى العراق وبقية الدول أن تبحث عن التوازن في العلاقات فيما بينها، لأنها في الأساس دول جوار، أيضا لديها مصالح مختلفة ومتباينة، إذا تذهب هذه الدول لتنسيق مصالحها، ليس على صعيد العراق، بل على صعيد العلاقات الإقليمية، والذهاب إلى كيفية السوق المفتوح التي طرحها رئيس الوزراء العراقي، في النهاية هى مصالح متبادلة، وكل طرف يحتاج إلى تطوير استثماراته لتعظيم الموارد الاقتصادية وقد رأينا ذلك في القمم الصينية الثلاث التي عقدت بالسعودية".
وأردف السكوتي "إذا كانت دول مؤتمر بغداد الثاني ودول المنطقة والعالم جادين في تحقيق أمن الطاقة، عليهم أن يكونوا جادين في ضمان أمن الشرق الأوسط والخليج العربي، هذا المؤتمر الذي يعقد بالأردن يحاول تحقيق فرصة للتكامل الاقتصادي بكافة صوره".
تعقيدات كثيرة
وحول كيفية التوفيق بين المصالح الخارجية المتناقضة داخل العراق يقول مدير المركز العراقي: "بكل تأكيد هناك صعوبة في الوضع الإقليمي خصوصا في العراق، حيث أن هناك تناقض واضح بين الاستراتيجية الإيرانية لولاية الفقيه التي تعتمد على نظريات التوسع تدريجيا في العالم الإسلامي تمهيدا لإعلان دولة "العدل الإلهي" كما جاء في الدستور الإيراني، علاوة على ما يقوم به فيلق القدس الإيراني لنشر استراتيجيتهم".
وتابع "وإذا كانت هناك نية وخطوات للتفاهم، على إيران أن تتخلى عن نظرياتها التوسعية، وأن تذهب للتعايش السلمي والشراكة مع دول المنطقة، وتغير من سياستها ومنهجها في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن وفي نيجيريا وباكستان، إن لم يحدث هذا التغير، اعتقد أن هناك تعقيدات كثيرة، وهنا لن تستقر منطقة الشرق الأوسط إلا بتغيير النظام الإيراني وبزوغ نظام مدني ديموقراطي".
شراكة حقيقية
من جانبه يقول الباحث في الشأن السياسي والأمني العراقي، مخلد حازم، إن مؤتمر قمة بغداد بنسخته الثانية جاء استكمالا لما حدث قبل عام في مؤتمر بغداد الأول الذي عقد في العراق، حيث أكدت مخرجات النسخة الأولى على ضرورة أن تكون هناك شراكة حقيقية، خصوصا أن هناك تحديات كبيرة قد ينصدم بها الوضع الإقليمي والوضع الدولي ووضع دول الجوار، بالتالي العراق أراد من خلال جمع هذه الدول في بغداد، من أجل الانفتاح على الدور العربي وبناء استراتيجيات واقتصاديات حقيقية، والانفتاح على جميع الدول وأن لا يعيش كما كان سابقا في عزلة عن العالم الإقليمي والعربي والأوروبي، حيث كانت الحكومات السابقة جميعها متوجهة باتجاه إيران كحليف لها، لكن ما حصل وما قام به الكاظمي في المؤتمر الأول هو انفتاح حقيقي".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"،"هذا المؤتمر يراد من خلاله أن تبنى منظومة أمنية واقتصادية متكاملة في مجالات عدة و محاربة البطالة والفقر وكثير من الأمور تناقشها هذه القمة، بالتالي ما حصل في الأردن هو استكمالا لما حصل في بغداد، حيث شكلت لجان متابعة كأحد مخرجات الاجتماع الأول، أهمها ربط الطاقة بين العراق ومصر والأردن، وبالتالي هنالك فتح سوق اقتصادية، وأعتقد أن حضور وزير خارجية إيران للمؤتمر كان شكليا، لأن العراق دائما ما كان يعاني من تدخلات إيران وتركيا في الوضع الأمني والسياسي في العراق".
استراتيجيات جديدة
وأكد حازم على أن "التحديات كبيرة اليوم في المنطقة، الجميع يحتاج إلى إعادة رسم استراتيجيات جديدة في تعاملاتها، اليوم بعد الأزمة الأوكرانية، هنالك ضرر كبير قد يصيب العالم جميعا، وخصوصا في موضوع الاقتصاد والطاقة، لذلك العراق يمثل حلقة استراتيجية مهمة في هذه الدول، حيث تبحث جميع الدول اليوم عن الطاقة، والعراق من الدول المصدرة للطاقة، بالتالي اليوم العراق يمتلك الإرادة الحقيقية، يمتلك القرار الحقيقي وليس كما كان سابقا".
وأردف "لا أعتقد أن إيران تتعامل اليوم مع العراق كما كانت تتعامل سابقا، اليوم إيران أيضا تواجه تحديات كبيرة في مجال الحصار مجال الطاقة والاقتصاد والكثير من المجالات، وبالتأكيد تحتاج أيضا العراق أن يدعمها في هذا الموضوع، مشيرا إلى أن المشاركات في القمة كانت فعالة من جميع الدول في المؤتمر الأول وجميع المخرجات كانت تنادي بوجوب أن يكون العراق بلدا مستقرا، لأن استقرار العراق هو استقرار للمنطقة، ولا يمكن أن يعم الأمن والأمان في المنطقة إذا كان العراق غير آمن".
رؤية حقيقية
ولفت حازم إلى أن ما يجري الآن يشير إلى أن هناك رؤية حقيقية من هذه الدول إلى أن تتضامن مع العراق للخروج إلى نقطة إيجابية، لأن المنطقة اليوم لا تتحمل صراعات أكثر، وبالتالي هناك متغيرات كبيرة في المنطقة ومنطقة الخليج العربي، والعراق بالتحديد يعتبر منطقة حيوية جدا، لأنها تعتبر ممرات للطاقة مهمة إلى أوروبا، والعراق سوف يتعافى شيئا فشيئا مما حصل سابقا وسنرى أن هنالك مخرجات قد تطبق على أرض الواقع في القريب العاجل".
ويشارك بالمؤتمر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وحاكم رأس الخيمة في دولة الإمارات، ورئيس مجلس الوزراء الكويتي، ووزراء خارجية السعودية وعُمان والبحرين وقطر وإيران.