فهل هناك علاقة بين المشاركة المصرية في تشييد وتشغيل سد "جوليوس نيريري" التنزاني وأزمة سد النهضة الإثيوبي، وما الذي تريده مصر من تلك الخطوات نحو أفريقيا؟
بداية يقول السفير وائل نصر، مساعد وزير الخارجية المصري السابق للشؤون الأفريقية، "بالنسبة لمشاركة مصر في إنشاء مشروع سد "جوليوس نيريري" في تنزانيا، هو خطوة على طريق عودة مصر إلى أفريقيا مرة أخرى واستعادة دورها كدولة كبرى في القارة السمراء، وتلك الخطوة يجب أن يليها الكثير من الخطوات، من أجل وصولنا إلى المكانة التي كنا عليها في الستينيات من القرن الماضي، وإن لم يكن بنفس الخطوات والأساليب السابقة.
الدور المصري
وأضاف نصر في حديثه لـ"سبوتنيك"، "هناك أساليب متعددة لاستعادة الدور المصري في أفريقيا، وتنزانيا دولة محورية مهمة جدا في شرق أفريقيا وتعاني على مدى تاريخها الحديث من أزمة كهرباء دائمة،وعلى الرغم من أنها تمتلك 18 ونصف في المئة من كمية المياه الصالحة للشرب على مستوى العالم، إلا أنها في مواسم الجفاف كانت تعاني من نقص مياه الشرب والكهرباء، والمفارقة أن التنزانيين رغم وجود كميات كبيرة من الأمطار والأنهار إلا أنهم لا يشربون من الأنهار أو الأمطار والبحيرات، بل يعتمدون على المياه الجوفية التي تقل بدورها حال حدوث الجفاف ينخفض مستوى المياه في الآبار.
وأشار مساعد وزير الخارجية إلى أن، "بناء السد التنزاني عن طريق شركة المقاولين العرب المصرية خطوة مهمة جدا، فقد عدنا مجددا لنقول لدول القارة أن مصر لا تزال موجودة وقادرة على الفعل والتأثير، هذا هو الشق السياسي من المشروع، أما الشق الاقتصادي والمادي فإن مصر وحسب اتفاقها سيكون بإمكانها إنتاج وبيع الكهرباء من السد لعدد من السنوات قبل تسليم السد بالكامل إلى تنزانيا، فبالتالي هو مشروع تستفيد منه الدولتين اقتصاديا وسياسيا أيضا، والفائدة السياسية لمصر أكثر".
تنزانيا وسد النهضة
وعن محاولة الربط بين السد التنزاني وسد النهضة الإثيوبي، يقول نصر: "محاولة الربط ما بين سد النهضة والسد التنزاني، لا أرى أن هناك أي رابط مشترك بينهما، والحقيقة أن الربط بينهما بعيد كل البعد عن أرض الواقع، فلا يوجد أي اتصال من قريب أو بعيد بين السدين، حيث أن سد تنزانيا تم إنشاؤه من أجل توليد الكهرباء، أما سد النهضة فأنا ما زلت عند رأيي بأن سد النهضة غرضه سياسي في المقام الأول، وليس الهدف منه توليد الكهرباء أو التنمية الزراعية، والدليل على ما أقول إن الإثيوبيين إلى هذه اللحظة لم يقوموا بإنشاء برج واحد من شبكة نقل كهرباء السد سواء في الداخل الإثيوبي أو المخصصة لنقل الكهرباء إلى دول الجوار".
ولفت نصر إلى أن دولا تفصل بين تنزانيا وإثيوبيا، حيث تقع كينيا بين الدولتين، و يحتاح الوصول من أحدهما إلى الآخر أكثر من ساعتي طيران، علاوة على ذلك أن تنزانيا لا تمتلك القدرات المالية الكبرى التي تمكنها من إنشاء شبكة ضخمة لنقل وبيع الكهرباء إلى دول الجوار وبالتالي تكسد خطط إثيوبيا في بيع كهرباء سد النهضة، الأمر بالنسبة لمصر في تنزانيا له أهداف أخرى من بينها عودة مصر إلى دورها الإقليمي الذي كانت تلعبه منذ سنوات طويلة، وكما قلنا أن الهدف من سد النهضة ليس توليد الكهرباء ولا التنمية، بل هو سياسي في المقام الأول وهذه وجهة نظري".
مكاسب كبيرة
من جانبها تقول الكاتبة السياسية المصرية المتخصصة في الشأن الأفريقي أسماء الحسيني، "تشارك مصر في العديد من المشاريع التنموية في الدول الأفريقية الشقيقة ودول حوض النيل ومن بينها بناء السدود، وسد تنزانيا ليس الأول، وقد بدأت عمليات بناء السدود منذ وقت مبكر وتم المشاركة في بناء سد أوغندا وعدد من السدود السودانية، ومشاركة مصر في عمليات البناء والتنمية يعني تطور كبير في علاقات الشراكة والتنمية بين القاهرة و الأشقاء الأفارقة، ويعود عليها بفوائد كبيرة جدا، كما أن هذا الأمر سيعود بالخير على تنزانيا ويمكن أن يشكل نموذجا للمشاركات الأفريقية".
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، "في رأيي أن مشاركة مصر في مشروع سد تنزانيا العملاق سيكون له فوائد كثيرة تتعلق بتوفير الكهرباء وحماية تنزانيا من الفيضانات، علاوة على أن توفر الكهرباء من السد سيجعلها تصل إلى عدد كبير من الشعب التنزاني، بالإضافة إلى توفير المياه اللازمة للزراعة بعد عمليات التخزين خلف السد طوال العام، أي أن تنزانيا سوف تجني الكثير من الفوائد وفي مجالات متعددة، كما أن هذا السد يضيف رصيد لخبرات وسمعة الشركات المصرية وفي مقدمتها شركة المقاولين العرب والسويدي، وهذا الأمر سوف يكون نموذج للشركات المصرية يدفعها لكي تقتحم المزيد من المشروعات في أفريقيا".
رسائل القاهرة
وحول وجود علاقة بين سد تنزانيا وسد النهضة الإثيوبي، تقول الحسيني: "ليست هناك علاقة مباشرة بين السدين، الأمر يحمل رسائل بأن مصر لديها رغبة كبيرة في التعاون التنموي مع الأشقاء ومساعدة الآخرين في المجال التنموي، وإن كانت قد شاركت في السابق ودعمت حركات التحرر الوطني ضد التفريق والعنصرية وغيرها من التحديات التي كانت تواجه القارة الأفريقية في ذلك الوقت، لكن الآن التنمية والعمل المشترك يجب أن يكون شعار المرحلة، ومصر تؤكد أنها لا تمانع وأنها راغبة في مثل هذا العمل مع الأشقاء في إثيوبيا لولا تعنت الحكومة الإثيوبية، ومن خلال السد التنزاني أرسلت مصر رسالة إلى أديس أبابا والمنطقة والعالم أن مصر راغبة في السلام والعمل المشترك وليست راغبة في النزاعات والصراعات، وأنه من مصلحة الجميع أن يعملوا معا على هذا الصعيد".
قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الخميس الماضي، إن التعاون بين دول حوض النيل ممكن حال توفر الإرادة السياسية.
وأفادت صحيفة الدستور، ظهر الخميس، بأن تصريحات شكري جاءت خلال احتفالية بدء الملء الأول لخزان مياه مشروع سد "جوليوس نيريري" بدولة تنزانيا، الذي ينفذه تحالف شركات مصرية.
وأعرب سامح شكري عن فخره وفخر بلاده بتشييد مشروع سد "جوليوس نيريري" التنزاني بسواعد مصرية تنزانية، موضحا أن هذا التعاون الثنائي يعكس التزام مصر بالتنمية في دول حوض النيل، وهو ما يبرهن على أن هذا التعاون يعد أمرا ممكنا عندما تتوفر الإرادة السياسية.
وأشار وزير الخارجية المصري إلى عمق العلاقات بين بلاده وتنزانيا، لافتا إلى أن مشروع سد "جوليوس نيريري" في دولة تنزانيا يؤكد التزام مصر تجاه أشقائها في القارة الأفريقية، وأن بلاده ستواصل جهودها لدعم التنمية في تنزانيا.
وشدد الوزير المصري خلال كلمته ضمن احتفالية بدء الملء الأول لخزان مياه مشروع سد "جولويوس نيريري" على أن بلاده ستواصل جهودها لدعم التنمية في تنزانيا ودول حوض النيل.
يذكر أن عدد كبير من الوزراء المصريين يشاركون سامح شكري، وزير الخارجية في الاحتفال الذي يأتي بحضور رئيسة جمهورية تنزانيا الاتحادية.