هل تنجح الحكومة العراقية في تبني إصلاح اقتصادي بعيدا عن الفساد السياسي؟

رغم عشرات المليارات من الدولارات التي تدخل خزائن العراق من مبيعات النفط إلا أنه يعاني من أشد الأزمات التي تعيشها العديد من بلدان العالم الثالث التي تفتقر إلى أي من مصادر الدخل، حيث اتفق الجميع على أن الفساد السياسي وراء كل ما يحدث وأي خطط أو توجهات نحو الاقتصاد لا يتزامن معها تحول سياسي قد يكون الفشل هو نصيبها الأكبر.
Sputnik
ويرى مراقبون أن دعوات رئيس الحكومة محمد شياع السوداني لتبني استراتيجيات جديدة للإصلاح الاقتصادي قد لا تؤتي أي ثمار إيجابية، نظرا للعراقيل التي تقف في طريقها، نظرا لأن النظام السياسي الطائفي والمحاصصة هي آليات الهدم الرئيسية لأي عملية إصلاح، والأمر يتوقف على تبني عملية إصلاح حقيقية تتصدر فيها الخبرات والكفاءات المشهد قبل أن تصل البلاد إلى مرحلة الانفجار.
وتعليقا على الوضع الراهن، يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي العراقي، عبد الرحمن المشهداني، إنه لا يمكن للإصلاح الاقتصادي أن يبدأ ما لم يسبقه إصلاح سياسي، مشكلتنا ليست مشكلة اقتصاد بقدر ما هي مشكلة سياسة.

الكفاءة والمهنية

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "المشكلة سياسية في المقام الأول على مدار الحكومات المتعاقبة وتعيين الوزراء والمدراء على أساس المحاصصة وليس الكفاءة والمهنية، هو السبب الأساسي في التردي الاقتصادي الذي نعيشه، وفي الغالب أن من تسلموا المناصب الاقتصادية ما لهم علاقة بالاقتصاد لا من قريب ولا من بعيد، وهذا الأمر لا يتعلق فقط بالوزراء، لكنه طال أيضا الوكلاء ومدراء العموم لأنه هي حصة حزب وحتى المستشارين، وأمامنا مثال واضح على الوضع الراهن يتمثل في قيام رئيس البرلمان بتكليف شخص يحمل شهادة في القانون وهو شاب تخرج من الجامعة في العام 2014 أن يكون مستشار اقتصادي لرئيس البرلمان، فكيف نتحدث هنا عن إصلاح اقتصادي ومن الذي يتولى عملية الإصلاح".
وتابع المشهداني، أن عمليات الإصلاح الاقتصادي يفترض أنها تبدأ من البرلمان، وعندما تم سؤال الحلبوسي عن تعيين المستشار الاقتصادي له والذي يحمل شهادة في القانون أجاب أن هذا التعيين هو حصة للحزب الكردستاني الذي فرضه على رئيس البرلمان، الدولة لا تبنى بتلك الآليات، بناء الدولة يفترض أن يتم على أساس المهنية والكفاءة والمهارة والخبرة، هذا هو أهم شيء في بناء الدولة، والإصلاح الاقتصادي يبدأ عندما يكون إصلاح سياسي.
اقتصادي عراقي يقول لـ"سبوتنيك" إن السوداني يحتاج لسنوات لتفكيك منظومة الفساد... وقد يفشل

محاربة الفساد

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنه، إذا أراد السوداني أن يبدأ بمسار الإصلاح الاقتصادي، أرى أنه يتبنى موضوعا واحدا.
وتابع قائلا: "ربما يكون المحرك لكل عملية الإصلاح وهو محاربة الفساد، فإن نجح في محاربة الفساد واسترداد الأموال، أعتقد أنه يمكن أن يكون هناك إصلاح اقتصادي، هذا طبعا سيكون الخطوة الأولى باتجاه الإصلاح الاقتصادي، مشكلتنا إلى الآن هى أن الفلسفة الاقتصادية التي يسير عليها الاقتصاد غير واضحة، رغم أن هناك المادة 25 التي وردت في الدستور العراقي تشير إلى ضرورة إعادة بناء الاقتصاد على أسس حديثة واستثمار موارده ودعم القطاع الخاص، لكن هذه المادة لا تشير إلى تحول نحو اقتصاد السوق ولا إلى تعزيز العمل بالاقتصاد اشتراكي أو كاقتصاد مختلط، هذه المادة يمكن أن تفسيرها أي من الموجودين وفق ما يراه مناسبا".
وأوضح المشهداني أنه "كلما زادت نداءات السياسيين بالتحول نحو اقتصاد السوق نرى أن مركزية الدولة تزداد.. مركزية الدولة، الفلسفة هنا غير واضحة و نحتاج إلى تبني فلسفة اقتصادية يمكن أن يرسم من خلالها خارطة الإصلاح وعلى أساس هذه الخارطة يمكن أن تفسح المجال للقطاع الخاص بأن يكون له دور رئيسي طبعا، ويجب أن يكون هذا الدور مكتوب وليس تصريحات غير ملزمة للمسؤولين".
وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة أن تكون هناك قوانين تضمن مشاركة حقيقية للقطاع الخاص ويكون له دور فاعل.

عوامل النجاح

وحول إمكانية محاربة حكومة السوداني التي جاءت بالمحاصصة للفساد، يقول المشهداني: "عملية محاربة الفساد ليست بالعملية السهلة وربما يتعرض إلى مضايقات وانتكاسات وعدم تمرير القوانين، لأن المشكلة أن كل المشتركين بالسلطة هم أطراف في عملية الفساد بشكل أو بآخر، فأما أن تكون ضمن عملية الفساد أو أنك تحمي المنظومة الفاسدة، وأرى أن عوامل نجاح السوداني في محاربة الفساد هي أن الأوضاع المعيشية في البلاد لم تعد تتحمل المزيد أو أن تنتظر سنوات أخرى من أجل الإصلاح، فقد وصلت معدلات الفقر والبطالة والتضخم إلى أرقام قياسية، وبناء على الوضع الراهن نتج عن ذلك أزمة جديدة تمثلت في ظاهرة تعاطي المخدرات بشكل كبير بين الشباب نتيجة اليأس والإحباط، طبعا هذه المشاكل الاجتماعية قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في وجه أي حكومة".
ممثلة الأمم المتحدة: لا نشكك بقدرات السوداني على مكافحة الفساد في العراق

بروباغندا إعلامية

من جانبه، يقول عبد القادر النايل، عضو الميثاق الوطني العراقي، الإصلاح الحقيقي للاقتصاد والأمن والتعليم والصحة والخدمات يعتمد على منهجية نظام سياسي وطني شامل وفق معطيات مؤسساتية ذات مسار قانوني عادل، وهذا الإطار لايمكن تحقيقه في ظل العملية السياسية الحالية التي أسستها أمريكا وبريطانيا وتديرها إيران، وفق معطيات المحاصصة الطائفية والعرقية.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حول الإصلاح الاقتصادي مجرد بروباغندا إعلامية يراد منها تفادي الإحراج الذي وقعت به حكومته والإطار التنسيقي في مسألة انهيار الدينار العراقي أمام الدولار، بعد أن تعهد المالكي وعموم الإطار التنسيقي بتخفيض نسبة الدولار أمام الدينار العراقي الذي يشهد حاليا ارتفاعا متسارعا ينذر بسوء كبير للاقتصاد العراقي من عدة اتجاهات، منها تعويم الدينار العراقي كما يحصل للتومان الإيراني بالعملة اللبنانية، فضلا عن ارتفاع المواد الغذائية المرتبطة بالدولار، لأن العراق يستورد كل شيء من الخارج بعد فشل الحكومات المتعاقبة في إعادة الصناعة العراقية.

انهيار الدينار

وبحسب عضو الميثاق الوطني، فإن حل الأزمة الاقتصادية يتطلب مسارا سياسيا في مواجهة الفاسدين، والجميع يدرك أن السوداني فشل في مواجهة أول اختبار تعرضت له حكومته بما يعرف بسرقة القرن، الذي ساهم هو شخصيا بإطلاق سراح المتهم الرئيسي بعد أن أعاد 5 في المئة من إجمالي مبلغ السرقة البالغ مليارين ونصف المليار من الدولارات، ومتى ما استطاع السوداني إعمال القانون باتجاه الفاسدين وغسيل الأموال، فيمكن له أن يتحدث عن الإصلاح السياسي.
وأكد النايل على أن انهيار الدينار العراقي أمام الدولار هو داخلي وليس خارجي، أساسه تهريب مبيعات البنك المركزي العراقي إلى الخارج واحتكار عملة الدولار داخل المصارف الأهلية التابعة للاطراف السياسية التي تتشكل منها حكومة السوداني، وجميع ما ذكر يحتاج إلى مسار سياسي قبل أي حديث وأي إجراء إصلاح الاقتصاد الذي سيتأثر الشعب العراقي به من خلال ارتفاع السلع الغذائية وارتفاع معدلات البطالة وخط الفقر للعراقيين، مما ينذر بثورة شعبية قادمة لطالما ما حذر منها السوداني أيام حكومة الكاظمي، عندما اتخذ قرار برفع سعر صرف الدولار في العراق.
"المركزي العراقي" يؤكد أن أزمة العملة الأجنبية طارئة ويصدر توصيات للمصارف حول أسعارها
أكد البنك المركزي العراقي أن الأزمة الخاصة بالعملة الأجنبية هي أزمة طارئة، وأصدر عدة توصيات للمصارف والتجار حول أسعارها.
فوفق تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية، أكد محافظ البنك المركزي العراقي، مصطفى غالب مخيف، أن أزمة العملة الأجنبية في بلاده طارئة ولها أسباب فنية.
وقال مخيف خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني: "الأزمة بشأن العملة الأجنبية أزمة طارئة لأسباب فنية، وتزامنت مع العمل بالمنصة الإلكترونية الجديدة وتأخر الحوالات بسبب عطلة أعياد الميلاد".
وعقب اجتماع المحافظ مع رئيس الحكومة العراقية أصدر البنك المركزي، اليوم الثلاثاء، عدة توصيات للمصارف والتجار بخصوص أسعار صرف العملات الأجنبية.
ودعا بيان البنك المركزي العراقي إلى ضرورة مراجعة التجار للمصارف مباشرة "وعدم اللجوء إلى الوسطاء والمضاربين لتلافي تحميل استيراد اتهم عمولات ومصاريف لا موجب لها".
كما نبه البنك المركزي في بيانه لضرورة أن "تتحمل المصارف مسؤولياتها في تسهيل الإجراءات لزبائنها وتسريعها لضمان وصولهم إلى التمويل بأفضل الممارسات المصرفية وبأقل قدر من الحلقات مع مراعاة المتطلبات القانونية المقررة".
يشار إلى أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، كان قد طالب محافظ البنك المركزي، في اجتماعه الأخير معه، بضرورة العمل على "تحقيق الاستقرار العام للأسعار وسعر الصرف"، عن طريق "اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع المضاربات غير القانونية، وكل ما يضر بالسوق المحلية ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار".
مناقشة