تونس: سلسلة تتبعات قضائية تطال شخصيات سياسية وجدل بشأن الحقوق والحريات

اتسعت قائمة المحالين على القضاء في تونس لتشمل شخصيات سياسية وحقوقية ومحامين وصحفيين، وسط مخاوف من استغلال آلية المراسيم لضرب حرية التعبير التي يعتبرها التونسيون خطا أحمرا.
Sputnik
وكشفت مؤخرا جبهة الخلاص الوطني المعارضة لإجراءات الرئيس عن إحالة قيادات من الجبهة على التحقيق بتهم تتعلق بـ "إيواء وتمويل الإرهاب والاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها".
وتأتي هذه التتبعات على خلفية شكاية تقدمت بها رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى القضاء، اتهمت فيها قيادات من جبهة الخلاص الوطني بـ "الانخراط في تنظيم يضم في صفوفه أشخاصا وأحزابا ذوي علاقة بالجرائم الإرهابية ووضع محل للاجتماع على ذمة ذلك التنظيم وتجميع التبرعات لفائدته".
وسبق ذلك، إحالة المحامي ومنسق هيئة الدفاع عن القضاة المعفيين العياشي الهمامي على التحقيق بتهمة "ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة"، بسبب تصريحات إذاعية حول القضايا المتعلقة بالقضاة المعزولين، استنادا إلى المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.
واعتبرت جمعية القضاة التونسيين أن الغرض من هذا التتبع هو "التستر على المعلومة وعلى حجم الخروقات الحاصلة في ملفات القضاة المعفيين وترهيب كل من يكشف جانبا من الحقائق للرأي العام حول هذا الملف".

"استهداف للتجربة الديمقراطية"

وأكد القيادي في جبهة الخلاص الوطني والمحامي رضا بالحاج لـ "سبوتنيك"، أنه علم عن طريق هيئة المحامين بوجود تتبع وبحث تحقيقي ضده على خلفية الشكاية التي تقدمت بها رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي.
وأشار إلى أن الإحالات شملت قيادات أخرى من جبهة الخلاص على غرار أحمد نجيب الشابي وشيماء عيسى وجوهر بن مبارك والرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، وكل من سيكشف عنه البحث.
وأوضح بالحاج أن التهم الموجهة إليهم تتعلق بالانخراط في وفاق إرهابي وإيواء الإرهاب، مضيفا "أن تدرس النيابة العمومية الملف وتقرر التتبع في ظرف 24 ساعة هي سابقة في تاريخ القضاء وأمر يؤكد أن ما يحدث ليس سوى مسرحية سيئة الاخراج لن نشارك فيها".
ويرى السياسي المعارض أن "هذه التتبعات تندرج ضمن خطة لتهديد التجربة الديمقراطية التونسية انخرطت فيها رئيس الدولة قيس سعيد ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي".
ويعتقد بالحاج في وجود تنسيق إما مباشر أو غير مباشر بين سعيد وموسي بتوجيه من أطراف أجنبية، قائلا "من المعلوم أن موسي في خدمة منظومة قيس سعيد".

قيادات جبهة الخلاص ترفض الاستجابة للتحقيق

وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي إن وكيل الجمهورية قرر تتبع قيادات الجبهة دون أن يأخذ عناء التثبت من جدية الشكاية من الناحية الواقعية ومن الناحية القانونية.
وأضاف "تقدمت موسي بـ 70 قضية ضد أطراف سياسية مختلفة وحتى أطراف دولية، ولم يقع الاستجابة لأية دعوى أو شكاية من الشكايات التي تقدمت بها.. وهو ما يثبت وجود انحياز".
واعتبر الشابي أن ما يحدث هو مسرحية قضائية لن تشارك قيادات الجبهة فيها، مضيفا "إذا ما تولى قاضي التحقيق المتعهد بهذه القضية استدعائنا فلن نستجيب، وإذا مارس حقه القانوني في جلبنا بالقوة فلن يسمع منا كلمة واحدة سواء في مستوى التحقيق أو في مستوى القضاء الذي يليه لأنها مسرحية سيئة الإخراج لن نزكيها بأن نكون لاعبا من لاعبيها".
ويشير الشابي إلى أن السلطة السياسية تقوم بتوظيف القضاء للتخلص من الخصوم السياسيين. وتابع "هذه الممارسات لن تغير شيئا لأن العد التنازلي لسقوط المسار الذي يقوده الرئيس قيس سعيد قد بدأ وهذه الاجراءات ستسرّع في نهايته".
"العدل التونسية" تصعد ضد قضاة أوقفت المحكمة قرارا رئاسيا بعزلهم
وأكد الشابي أن جبهة الخلاص بصدد التنسيق مع قوى ديمقراطية لتنظيم مسيرة حاشدة في العاصمة يوم 14 جانفي/ كانون الثاني الحالي احياء لذكرى الثورة ودفاعا عن الحقوق، سيسبقها اجتماع شعبي في محافظة جندوبة يوم 7 من الشهر نفسه وآخر بمنطقة المنيهلة بالعاصمة في اليوم الذي يليه.
وقال الشابي إن الجبهة انطلقت بالفعل في مشاورات مع السياسي المستقيل من التيار الديمقراطي غازي الشواشي والحزب الجمهوري وأطراف ديمقراطية أخرى بهدف جمع صفوف المعارضة.

قلق على الحقوق والحريات

ولا يخفي عميد المحامين التونسيين حاتم المزيو قلقه من المساس بمنظومة الحقوق والحريات خاصة بعد الإحالات المتعددة على القضاء التي شملت صحفيين ومدونين وحقوقيين ومحامين.
وقال في تصريح لـ "سبوتنيك": "ثمة انتكاسة حقيقية على صعيد الحقوق والحريات بسبب المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال".
وطالب عميد المحامين رئيس الجمهورية قيس سعيد بالتراجع عن هذا المرسوم خاصة الفصلين 24 و25 منه، قائلا "ثمة إحالات متعددة للناشطين الحقوقيين والصحفيين والمحامين على أساس هذا المرسوم.. الوضع أصبح لا يطاق".
ويرى عميد المحامين أن الفصل 24 من هذا المرسوم خطير جدا ، خاصة وأنه يتضمن عقوبات جزائية كبيرة تصل إلى 10 سنوات سجن.
وأضاف "لا يوجد أي مبرر لهذه العقوبات خاصة في ظل وجود ترسانة قانونية كافية تهتم بهذه القضايا".
وشدد عميد المحامين على أنه يرفض الإساءة أو نسبة أمور غير حقيقية لأي كان، ولكنه يرفض أيضا التشدد في العقوبات، مشيرا إلى أن استعمال المراسيم ضد الصحفيين والمحامين أمر غير مقبول تماما.
ودعت 38 منظمة وجمعية، في بيان مشترك، إلى إلغاء هذا المرسوم، معتبرة أن "إصرار السلطة الحالية على استعمال المرسوم 54 ضربا ممنهجا لحرية التعبير وترهيبا للنشطاء والصحفيين ومحاولة مشبوهة لضرب النقاش العام حول سياسات السلطة الحالية في إدارة الأزمة التي تعيشها البلاد".
مناقشة