ويرى مراقبون أن الوضع في العراق لا يمكن إصلاحه إلا إذا تم القضاء أولا على الفساد السياسي وتشكيل نظام كفاءات بعيدا عن المحاصصات والتقسيمات، بالإضافة إلى ضرورة استقلال القرار السياسي العراقي عن التجاذبات الإقليمية والدولية، محذرين من أن استمرار تلك الحالة قد يؤدي إلى انفجار شعبي أشد ضراوة من المرات السابقة.
واردات رهينة للفاسدين
وتعليقا على الوضع الراهن، يقول المحلل السياسي العراقي، إياد العناز، إن ظاهرة الفساد برزت بشكل فعال ومؤثر في العراق، واتخذت أشكالا وأنماطا عدة، تمثلت في حدة الصراعات والطموحات غير المشروعة التي يسعى إليها الفاسدون وشبكات تهريب الأموال وتبييضها وسرقة ثروات البلاد على حساب سعادة ورفاهية المواطن، "فأصبحت واردات البلاد المالية رهينة للفاسدين والمفسدين وعنوانا بارزا للسلوك السياسي والاقتصادي والمشاريع الوهمية"، على حد تعبيره.
وأضاف "الفساد الاقتصادي من أهم العقبات التي تقف عائقا أمام بناء ورقي المجتمع وتقدم شعبه، وتراجع عملية التقدم والتطور في كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل ويسهم في إحداث العديد من الاختناقات والأزمات التي تعطل مسيرة الإصلاح في البلد وتعمل على ظهور العديد من مظاهر الإخفاق والتدمير للخطوات الجادة".
وأوضح العناز أن "الاقتصاد العراقي انكمش بنسبة 10.7 في المئة وهي نسبة كبيرة ارتفعت خلال الخمس سنوات الماضية، وكانت أحد الأسباب في ارتفاع نسبة الفقر داخل العراق والتي بلغت 27 في المئة مع وجود 10 ملايين عاطل عن العمل واستمرار تفشي الفساد المالي في جميع قطاعات الحياة، وتوجه الدولة بالاعتماد الكلي على قطاع النفط الذي يغذي 98 في المئة من الناتج المحلي للبلاد ويعتبر أساس استمرار الحياة الاقتصادية".
سوء الإدارة وعدم وجود خطط اقتصادية
وعزا المحلل السياسي ذلك الانكماش إلى "سوء الإدارة وعدم وجود برامج تنموية وإصلاحية وخطط اقتصادية فعالة ونظرة حقيقية للارتقاء بالمستوى العام للبلاد، وأدوات رصينة تسهم في التخفيف عن كاهل المواطنين" لافتا إلى أن "الحكومات لم تتخذ أي إجراءات فعالة لتنشيط القطاعين الصناعي والزراعي ليكونا رديفين لقطاع الطاقة، ولكي نتجنب كارثة اقتصادية تحل بالعراق كونه أصبح أحادي الاقتصاد".
وتابع "أدى هذا الحال إلى ضعف الحالة المعاشية للمواطنين وارتفاع نسبة البطالة وتراجع معدلات التنمية الاجتماعية في بلد يعتبر الخامس في إنتاج وتصدير الثروة النفطية وثالث دولة في احتياطي العالم من الطاقة والتي تبلغ (159) مليار برميل نفط، و متحصلات مالية شهرية تتراوح بين 9-11 مليار دولار لوزارة النفط بحسب تقاريرها الشهرية".
ولفت العناز إلى "غياب الأدوات والوسائل الفعالة والميزانية التي تساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وبناء قواعد رصينة للإنتاج الصناعي والتجاري وتحسين القطاع العام والاهتمام بالقطاع الخاص ليكون رافدا مهما في الصناعات المحلية، بجانب الضغوط الاقتصادية التي تؤدي جميعها إلى عدم الشعور بالأمان، واستمرار حالة الخوف واليأس والقنوط من المستقبل بفقدان الأمان وعدم تقدير احتياجات الذات الإنسانية".
وعلى الرغم من النمو الاقتصادي البالغ نحو 10 % في العام 2022، والذي يعد قفزة كبيرة على مستوى اقتصادات المنطقة، فضلا عن ارتفاع الاحتياطي النقدي إلى أكثر من 95 مليار دولار بسبب ارتفاع عائدات النفط، يعاني الشعب العراقي من ارتفاع في خط الفقر الذي بلغ نحو 40 في المئة، وفقا لعضو الميثاق الوطني العراقي، عبد القادر النايل.
تناقضات.. ثروة كبرى يقابلها جوع وفقر
ويقول النايل إنه "بسبب وجود التناقضات الكبرى في العراق متمثلة في الثروة النفطية الكبرى وعوائدها ويقابلها جوع وفقر وبطالة وصراعات (...) تلك التناقضات المحيرة دفعت شرائح كبرى من المجتمع العراقي للخروج بأكثر من 110 تظاهرة في السبعين يوما من عمر حكومة السوداني، أهمها مظاهرات حملة الشهادات العليا المطالبين بتعيينهم في مؤسسات الدولة، علاوة على ذلك تتزايد معدلات الانتحار التي يقدم عليها الشباب بسبب الوضع الاقتصادي".
وتابع "بدأ عام 2023 بمشاهد مأساوية للنازحين في الخيام، حيث أوجعت قلوب العراقيين مشاهد النساء في النجف وبغداد وهي تأكل من حاويات النفايات، فضلا عن التراجع الكبير للمستشفيات والمراكز الصحية وأزمة طلاب المدارس والبنى التحتية، والجميع يشاهد غرق المدن العراقية بمياه زخات المطر، وهذا كله جعل بغداد تتذيل المدن في العالم الصالحة للعيش البشري".
وأكد النايل أن السبب الرئيسي في الأزمات والحالة التي يعيشها العراق، "يرجع إلى عدم وجود نظام سياسي يتبنى مسارا اقتصاديا متكاملا يحقق النمو والازدهار للعراق والعراقيين، من خلال سياسات حكيمة عادلة تكون السياسة الاقتصادية صاحبة سيادة لا ذات تبعية كما يحدث الآن من خلال رهن الاقتصاد العراقي للخارج، لا سيما إيران التي استطاعت التغلب على العقوبات الأمريكية من خلال عمليات تهريب عملة الدولار وغسيل الأموال، وإيقاف عجلة البناء والصناعة ليكون السوق العراقي المصدر الرئيسي للبضائع الإيرانية والتركية وغيرها".
وتابع "الفوضى السياسية أيضا شكلت عدم الاستقرار للأسواق العراقية أو بيئة آمنة للاستثمار، بسبب ضعف الحكومة وسيطرة المليشيات التابعة للحشد الشعبي على المنافذ الحدودية، حتى إن بعضهم باتوا يمتلكون أرصفة خاصة لهم بميناء الفاو الرئيسي، واصبحوا يتلاعبون حتى بجنس البضاعة لتزوير رسوم التعرفة الجمركية".
أيام صعبة تنتظر البلاد
وأوضح عضو الميثاق الوطني أن "الفساد الإداري والمالي الذي يشهده العراق من خلال سرقات كبيرة منذ عشرين عاما، أضاع على البلاد ما يقارب ألف مليار دولار كان أبرزها في حكومة المالكي التي لا يزال مبلغ 300 مليار دولار مجهولا ولا أحد يعرف أين ذهب، فضلا عن مليارات أخرى وسرقات تشبه سرقة ما يعرف باسم صفقة القرن الأخيرة التي سرق فيها شخص برتبة مدير عام في الحكومة مبلغ مليارين ونصف مليار دولار".
وتساءل "كيف إذًا سرقات الوزراء ووكلائهم وأحزاب السلطة والفصائل المسلحة التي تفرض إتاوات مالية كبيرة على الجميع؟" مضيفا أنه قد "أصبح معلومًا أن الفساد الكبير في وزارة الكهرباء والتجارة وعقود تسليح الجيش لوزارة الدفاع وغيرهما من الوزرات، وهذا الفساد بسبب ضعف الحكومة والقضاء وإنفاذ القانون بحقهم مما شجع رؤوس الفساد على الاستمرار بفسادهم وسرقاتهم، مما انعكس على استمرار انهيار العراق وعدم وجود أمل في إنقاذ الشعب العراقي".
واختتم بقوله "للأسف الشديد، هناك أيام صعبة تنتظر الشعب العراقي في الأسابيع والأشهر القادمة مع استمرار ارتفاع صرف الدولار أمام الدينار العراقي مما أثر سلبا على ارتفاع سعر المواد الغذائية والصحية،التي تنعكس بشكل مباشر على حياة المواطن العراقي".
كانت وزارة النفط العراقية، أعلنت الثلاثاء الماضي، عن تحقيق أكثر من 115 مليار دولار من تصدير النفط الخام عام 2022.
ويعد العراق من الدول الكبرى في إنتاج وتصدير النفط، فهو أكبر منتج في منظمة أوبك بعد السعودية بمتوسط يومي 4.6 ملايين برميل.
وتمثل إيرادات النفط 90 في المئة من موارد الميزانية العامة للعراق، لكن هذا البلد النفطي الكبير يعاني من أزمات كبيرة ونسب فقر وبطالة مرتفعة منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003.