شملت وزيرة التجارة... هل تتسع قائمة المشمولين بالإقالات في تونس؟

تشهد تونس موجة إقالات لمسؤولين في مناصب وزارية وهياكل محلية، يتوقع مراقبون أن تتسع دائرتها في الأيام المقبلة.
Sputnik
وعقب لقائه برئيسة الحكومة نجلاء بودن مساء الجمعة، أعلن الرئيس قيس سعيد إنهاء مهام كل من وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي ووالي (محافظ) صفاقس فاخر الفخفاخ.
كما شملت الإقالات الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية بشير الإيرماني الذي صدرت إقالته بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية في اليوم ذاته.
ولم تقدم الرئاسة أي تفاصيل حول أسباب هذه الإقالات، فيما اكتفى الرئيس قيس سعيد بالقول خلال اجتماعه بوزيري العدل والداخلية إن القانون سيطبق على كل من يتجاوزه.
وخلّفت هذه الإقالات موجة جديدة من الجدل وقسمت آراء الشارع التونسي بين شق أول يرى أنها خطوة إلى إصلاح الأوضاع المتأزمة خاصة من الناحية الاقتصادية، وبين شق ثان يعتقد أنها دليل قاطع على فشل مسار 25 يوليو ومحاولة يائسة لامتصاص غضب الشارع.
"الخلاص" التونسية تستنكر محاولات منع عقد اجتماعها
وتأتي هذه الإقالات في خضم أزمة اقتصادية خانقة وتصاعد الغضب الشعبي من غلاء الأسعار وعجز الدولة عن تزويد السوق بالكميات اللازمة من المواد الغذائية الأساسية، وتواصل فقدان العديد من الأدوية، إلى جانب تعثر حل أزمة النفايات في محافظة صفاقس التي تشهد منذ 2021 احتجاجات على تراكم القمامة في الشوارع والأرصفة.

"تحوير في محله.. ولكنه منقوص"

وفي الموضوع، قال عضو المكتب السياسي لحركة الشعب (مساندة لمسار 25 يوليو) أسامة عويدات إن هذه الإقالات في محلها وليست اعتباطية، خاصة في علاقة بإقالة وزيرة التجارة التي تأتي في سياق أزمة معيشية خانقة وغياب للمواد الأساسية، وفقا لقوله.
وأشار في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن التحوير الحكومي كان من بين المطالب العاجلة لحركة الشعب التي سبق وأن دعت رئيس الجمهورية إلى إعادة النظر في قائمة التعيينات الموجودة في الجهاز التنفيذي للدولة.
وأضاف: "الشخصيات المُقالة هي من بين الأسماء التي طالبنا بتغييرها، ولكنها ليست كافية على اعتبار أن الأداء الحكومي برمته ضعيف ولا يستجيب لانتظارات مسار 25 يوليو".
وقال عويدات إن مواطن الضعف في حكومة نجلاء بودن عديدة، تتجاوز التجارة لتشمل المالية العمومية والفلاحة والنقل والتربية، مشيرا إلى أن البلاد تعاني من أزمات عميقة ساهمت فيها تركة العشرية الأخيرة وزادت من تعميقها الحكومة الحالية، وأضاف: "حركة 25 يوليو جاءت لتخفف على التونسيين معاناتهم وليس لمزيد إغراقهم فيها".
ويتوقع عويدات أن تتسع قائمة المشمولين بالتحوير الحكومي، قائلا: "نأمل أن يأخذ الرئيس بعين الاعتبار نصائح حركة الشعب وأن يقطع مع المرحلة التي يرى فيها أن الصحيح فيما يفعله".
عام السيناريوهات الصعبة في تونس... هل تتجه إلى نادي باريس
ويشدد عضو حركة الشعب على أن التغيير الحكومي يجب أن يكون مسبوقا بوضع رؤية للعمل يتم على أساسها تغيير الأولويات من السياسي إلى الاقتصادي والاجتماعي وتوفير الحد الأدنى للتونسيين، تجنبا لسيناريو حكومة هشام المشيشي.

إعفاءات تدل على فشل كبير

على النقيض من ذلك، يعتقد الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي (معارض)، أن هذه الإعفاءات تدل على وجود فشل كبير في إدارة شؤون البلاد، بحسب ما صرّح به لـ"سبوتنيك".
وأضاف: "من الواضح أن الرئيس يشعر بأنه محاصر بالفشل في إدارة الملفات العالقة في جميع المجالات، وهو بصدد البحث عن كبش فداء يعلّق عليه إخفاقاته".
ويرى الشابي أن الرأي العام غير مهتم بهذه الإقالات، معتبرا أن إجراء تغيير في حكومة انقلابية بإقالة وزير أو محافظ لا يغير في المعادلة السياسية ولا في أداء هذه المنظومة.
وتابع: "هذه الإقالات دليل آخر على تخبّط هذه الحكومة التي يتفق الجميع على أنها حكومة تنفيذ تعليمات الرئيس ولا تملك إرادة ولا برنامجا للإصلاح وأوصلت البلاد إلى حافة التفكك والإفلاس السياسي".
ويعتقد الشابي أن هذه الإعفاءات نسجت على نفس درب التسميات وأن الرئيس لا يعتبر أن الرأي العام معني بالحصول على توضيح، وأضاف: "عندما سمى الرئيس هؤلاء المسؤولين لم يعلن على أي قاعدة أو برنامج تم اختيارهم. وعند إقالتهم لم يشرح للرأي العام أسباب الإقالة، إن كانت بسبب فشل في تنفيذ تعليماته أم أن هناك خلافا سياسيا مع الشخصيات المقالة".
وقال الشابي إن رئيس الجمهورية كان يتهم في السابق من تولى الحكم بعد الثورة بأنهم يتصرفون في الدولة كغنيمة ويعينون فيها المسؤولين على قاعدة الولاءات، وها هو اليوم يتجاوز ذلك إلى التصرف في الدولة كملك خاص دون مساءلة.
ويرى السياسي المعارض أن "هذا الفشل" يؤكد الاستحقاق بأن تونس في حاجة إلى حكومة إنقاذ وطني تنبع عن إرادة وطنية مشتركة وتخضع للمساءلة وفقا لنهج تشاركي لإنقاذ البلاد، قائلا إن خلاف ذلك لن يكون سوى مواصلة في استعمال علاج مدمر سيكلف تونس الكثير.

الرئيس ينصت لاتحاد الشغل

وتأتي هذه الإقالات استجابة لمطالب عديدة بإجراء تعديل جذري ضمن هذه الحكومة جاءت من صفوف الموالاة ومن صفوف المعارضة، بحسب المحلل السياسي بالحسن اليحياوي.
رئيسة الحكومة التونسية تلتقي سفير فرنسا بالبلاد
وقال اليحياوي في تعليق لـ "سبوتنيك" إن إقالة وزيرة التجارة تأتي كنتيجة لفشلها في إدارة الكثير من الملفات التي تمس مباشرة من الحياة اليومية للمواطن التونسي فيما يتعلق بتوفير المواد الأساسية وغلاء الأسعار.
ويرى اليحياوي أن هذه الحكومة تحتاج إلى الكثير من التغييرات على مستوى الشخصيات التي أثبتت عجزها عن حلحلة الملفات الكبرى، مشيرا إلى أن "حالة الاستثناء التي أعلنها الرئيس كانت تتطلب قرارات وشخوصا استثنائيين".
وأضاف: "تمثل هذه الإقالات أيضا إشارة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، مفادها أن رئيس الجمهورية يستمع جيّدا إلى المنظمة النقابية".
وتابع: "من المؤكد أن مطالب التغيير هي مطالب محقة وليس على الرئيس إلا الاستجابة لها لأنه لا يمكنه أن يواجه كل الخصوم مجتمعين، وخاصة اتحاد الشغل الذي يمتلك قدرة رهيبة على حشد الشارع وحتى على العصيان المدني من خلال إقرار الإضرابات العامة".

هل يطول التغيير رأس الحكومة؟

ولفت اليحياوي إلى أن رئيس الجمهورية فهم بدوره أن الكثير ممن اختارهم لم يقوموا بالإجراءات المطلوبة منهم، وهو غير راض عن أداء الحكومة ككل.
وأضاف: "إحداث تغييرات كبرى صلب الحكومة فيما يتعلق بالوزارات وحتى برئيستها نجلاء بودن أصبح أمرا ضروريا إذا أراد الرئيس أن يكمل في مساره بأقل ما يمكن من العقبات وبأقل ما يمكن من المعارضات والاعتراضات".
وقال اليحياوي إن الكثير من المؤشرات تدل على أن بعض العناصر في هذه الحكومة ليس لها مستقبل وأن التغيير يمكن أن يطول رئيسة الحكومة ذاتها، مشيرا بالقول: "لقد فشلت هذه التشكيلة الحكومية في تحقيق الإنجازات حتى على مستوى الخطاب".
مناقشة