ومن المقرر أن يضم المؤتمر الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وقطر، وقد يشمل دولا أخرى، وفيما سيناقش الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان سيكون ملف انتخاب الرئيس أساسيا في هذه الجلسات، وفقًا لقناة "الغد".
واستبعد مراقبون أن يقدم هذا المؤتمر أي حلول واقعية وفعلية للأزمة اللبنانية السياسية، وذلك بعدما فشلت فرنسا في مؤتمرات عدة للوصول إلى نتيجة.
تباينات داخلية وخارجية
اعتبر الدكتور علي عبدو، الأكاديمي والمحلل السياسي اللبناني، أن المؤتمر المتوقع عقده في نهاية شهر يناير الجاري في باريس، يعد ترجمة للمؤتمرات السابقة التي كانت تهدف إلى منع الانهيار الكبير للبنان، لكن ما يميزه أنه يأتي تحت عنوان حل الأزمة السياسية على خلاف التجمعات السابقة التي كانت تهدف للدعم الاقتصادي من الدرجة الأولى.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، يأتي المؤتمر كمحاولة ربما لإحداث خرق في جدار الأزمة اللبنانية، خاصة أن الدعوة تأتي بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، حيث أصبح لبنان أمام أزمة جديدة متمثلة في فراغ رئاسي يضاف إليها الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية التي باتت مستفحلة في البلاد.
وأكد عبدو أن اللبنانيين يأملون خيرًا من أي مبادرة يمكنها المساهمة في حل الأزمة، إلا أن الأمل يبقى ضعيفًا رغم أهمية الدعوة ومشاركة عدد مهم من الدول كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، وغيرها من الدول الإقليمية، وذلك يعود للأوضاع الإقليمية والدولية المتأزمة، فمهما كانت نتائج هذا المؤتمر إذا لم تقترن بإرادة لبنانية وطنية تتمثل في تفاهمات مستدامة تنعكس إيجابيًا على الوضع الداخلي، مترافقة مع الدعم الخارجي لن تؤتي ثمارها.
ويرى أن الأهداف المعلنة هي المساهمة في حل الأزمة السياسية عبر انتخاب رئيس الجمهورية، يتبعها حكومة إصلاح للبدء في رسم استراتيجيات وطنية تعكس سياسات اقتصادية جديدة وعاجلة، لكن يجب أيضا التطرق إلى التباينات الداخلية التي هي انعكاس للتباينات الخارجية حول الرؤية المتجهة للمشهد اللبناني، مشيرًا إلى أن الحل يجب أن يبدأ لبنانيًا بالدرجة الأولى ثم يتوسع لتلقف المبادرات، سواء كانت إقليمية أو دولية، خاصة أن بعض الدول لها مصالحها ومن الممكن أن تكون مساعداتها مشروطة بما يتناسب مع سياساتها الخارجية، وهو عائق إضافي أمام المؤتمر.
ولفت عبدو إلى أن فرنسا حاولت كثيرًا في السنوات الماضية إلا أنها لم تنجح في خرق جدار الأزمة بأي شكل من الأشكال، بسبب التباينات الدولية والتي وإن كانت غير واضحة إلا أنها أعمق من الوصول لتفاهم وإجماع حول الملف اللبناني في هذه الظروف، وسبق أن أطلق الرئيس إيمانويل ماكرون خطة إنقاذ للبنان ورصد مساعدات بقيمة 11 مليار دولار مقابل إصلاحات اقتصادية دون جدوى، وهو مؤشر على عمق الأزمة وصعوبة الوصول لحلول قريبة.
وشدد المحلل اللبناني على ضرورة قيام المسؤولين في لبنان بتحديد المسار الواضح الذي يرسم المصلحة الوطنية، وتحديد الخيارات وترتيب الأولويات، لكن هذا الأمر لا يزال مستبعدًا في ظل استمرار رفض دعوة الحوار التي دعا إليها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لمرتين.
فشل فرنسي
في السياق، اعتبر ميخائيل عوض، المحلل السياسي اللبناني أن فرنسا ليس لديها القدرة الحقيقية والفعلية على تقديم حلول ناجزة وممكنة للأزمة اللبنانية، إن كان الأزمة السياسية بسيادة حالة الفراغ، أو لاحتمال أن تعم آخر ميكانزيم عمل للدولة والنظام وهي المؤسسة العسكرية والأمنية وهي معرضة للانفراط والانهيار.
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، فرنسا لا يمكنها كذلك ابتداع مخارج وحلول لأزمة عاصفة تتشعب عناصرها في شتى مجالات الحياة والأهم أنها أزمة وظائف سيستم، والنظام أفلس وانتهت قدرته وفاعليته على تجديد نفسه، الأزمة اقتصادية اجتماعية متشعبة، وإفلاس للدولة وللمجتمع، والطبقة السياسية الحاكمة مقاومة وغير مدركة لما أوصلت البلاد إليه وغير جادة لإيجاد مخارج.
وأكد أن "الحركة الشعبية لم تنتج ظواهر مجتمعية قادرة على حمل مشروع تجديد الصيغ ووظائف الكيان الحكومي والسياسي، كما أن التدخلات الخارجية ليس لها فاعلية داخلية، فالأمر يختلف تماما عن الحقب الماضية، اتفاق الطائف كان له ظروف وشروطه وقواه وأدواته وأصلا لم ينفذ إلا بقوة 70 ألف جندي، واتفاق الدوحة كان له شروط وعناصر خاصة بوجود الحريرية والسنية السياسية التي لم تعد موجودة".
ويرى عوض أن إعلان فرنسا عن هذا المؤتمر هو مجرد محاولة لملء الفراغ الإعلامي، حتى تقول إنها لا تزال تترك باب الحل للأزمة السياسية في لبنان، لكنها في النهاية خطوة لا تحمل أي جدية وغير حقيقية.
والشهر الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن إطلاق مبادرات جديدة لإنقاذ لبنان، وقال إن لبنان بحاجة إلى رئيس ورئيس وزراء "نزيهين"، لافتًا إلى ضرورة تغيير القادة السياسيين الذين يعرقلون الإصلاحات، وأعلن إطلاق مبادرات في الأسابيع المقبلة لدعم لبنان.
وقال الرئيس ماكرون: "ما يهمني هو اللبنانيون واللبنانيات، لأن الطبقة السياسية التي تعيش على حساب البلد ليس لها الشجاعة للتغيير". وأعرب عن استيائه من "تصرف هذه الطبقة وعن شكوكه بطاقة الشعب اللبناني لدفعها إلى التغيير".
وأشار إلى أن "مشكلة لبنان هي حل مشاكل الناس وإزاحة الذين لا يعرفون كيف يفعلون ذلك"، مؤكدا أنه "يجب تغيير قيادة هذا البلد".
وردا على سؤال حول ما إذا كانت السعودية مهتمة بالتعاون مع فرنسا من أجل لبنان، أجاب الرئيس الفرنسي: "نعم، لقد أظهروا ذلك خلال الأسابيع الماضية عندما استقبلوا ميقاتي وبدؤوا بالتمويل، ولكن هذا غير كاف".
واستقبل رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري في مقره بعين التينة، مطلع الشهر الجاري وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو والوفد المرافق له. واستعرض الجانبان خلال اللقاء "الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين".
يشار إلى أن لبنان يعاني من شغور في منصب رئيس الجمهورية، وذلك على إثر انتهاء ولاية الرئيس السابق العماد ميشال عون، وفشل مجلس النواب في عشر مرات متتالية في انتخاب رئيس آخر.
وكان بري بوصفه رئيسا لمجلس النواب اللبناني، قد دعا مرتين لحوار بين القوى الوطنية اللبنانية، مؤكدا أن التوافق هو كلمة السر في نجاح البرلمان في انتخاب رئيس جديد.
لكن دعوة بري لم تلق قبولا بين مختلف الاطياف السياسية، الأمر الذي فسره خبراء بأنه تغليب للمصالح الطائفية والحزبية الضيقة على حساب لبنان الدولة.