الصراع المستتر ظهر للعلن بعد انسحاب ممثلي الحكومة؛ وزير النفط بدر الملا، ووزير الدولة لشؤون مجلس الأمة عمار العجمي من الجلسة، اعتراضا على إصرار النواب على مناقشة تقارير اللجنة المالية بشأن مقترحات وقوانين ذات كلفة مالية، أبرزها إسقاط القروض على المواطنين، وهو ما دفع نواب للمطالبة باستجواب وزير المالية الكويتي، وفقا لصحيفة "القبس".
وقال مراقبون إن الأزمة ستتصاعد الفترة المقبلة بين المجلسين، حيث ستظهر الكثير من طلبات الاستجواب ضد أعضاء الحكومة ورئيس الوزراء، مؤكدين وجود محادثات قائمة لحل الأزمة، بيد أنها قد تنتهي باستقالة الحكومة أو حل المجلس النيابي.
القروض واستقالة الحكومة
اعتبر عبد العزيز سلطان، المحلل السياسي الكويتي، أن انسحاب الوزراء من جلسة مجلس الأمة الكويتي الأخيرة كان خاطئا، وجاء بسبب عدم استعداد الحكومة للقوانين الشعبية الإصلاحية التي ينادي بها الشارع.
وأضاف أن ذلك حدث على الرغم من عقد لجنة بين الحكومة ومجلس النواب تم الاتفاق فيها مسبقا على هذه القوانين، بيد أن الجلسة الأخيرة والتي يمكن تسميتها بـ"إسقاط القروض"، أظهرت أن مجلس الوزراء لم يكن مستعدا ولم يقدم أي تقارير.
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، يسعى البرلمان لإسقاط القروض التي أثقلت كاهل كافة الأسر الكويتية والتي تعاني بسبب البنوك وعدم الرقابة عليها من ناحية الفوائد وسيطرة التجار، وفي ظل الأزمات المالية وتضخم الأسعار مع عدم زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين منذ فترة طويلة.
وأكد أن الحكومة الحالية والتي لم تحضر للجلسة وأرسلت اثنين من الوزراء، لديها نية مسبقة بعدم المضي قدما في إقرار هذه القوانين الشعبوية، ووضعت نفسها في مواجهة مع الشارع الكويتي الغاضب، ولذلك طلبت الحكومة تأجيل الجلسة وتحدثت عن حاجتها لدراسة الأمر على الرغم من المهلة السابقة والتي تخطت الـ100 يوم.
ويرى سلطان أن رئيس الوزراء الكويتي بات في ورطة حيث وضع نفسه ومستقبله السياسي أمام الشارع، ورفض الامتثال للإصلاحات والقوانين الشعبية، ما دفع مجلس النواب ورئيسه يعلنون رفضهم لهذا المسار، وهو ما يعني اندلاع أزمة جديدة بين مجلس النواب ومجلس الوزراء.
ولفت إلى أن الحكومة لم تطرح أي حلول بديلة لأزمة القروض، وبات على رئيسها إما الخضوع لجلسة استجواب، أو تقديم استقالته أو رفع كتاب عدم التعاون للجهات الملكية، مؤكدًا أن عمر الحكومة بات قصيرًا جدًا، ومن المحتمل تشكيل حكومة جديدة أو حل مجلس النواب.
عودة الأزمة
بدوره اعتبر عبد الواحد خلفان، المحلل السياسي الكويتي، أن هناك بوادر أزمة سياسية في الكويت، بعد ظهور دلائل ومؤشرات على عودة التأزم ما بين مجلس الأمة والحكومة، وهو ما ظهر جليا في الجلسة النيابية الأخيرة.
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، كانت هناك جلسة تنسيقية بين رئيسي النواب ومجلس الوزراء قبل انعقاد الجلسة، لكن يبدو أنها فشلت، حيث غاب الوزراء ورئيس الحكومة عن حضور الجلسة النيابية، وحضر فقط وزيران، وزير النفط ووزير شؤون مجلس الأمة، كرسالة سياسية.
وتابع: "كان واضحا لغة التصعيد الحكومي، وأن مجلس الوزراء يرى بأن النواب لم يستجيبوا لمطالب إبعاد بعض الملفات مثل إسقاط القروض وغرفة التجارة والصناعة والفوائد وغيرها، ما يؤكد أن هناك طلاقا بائنا ما بين المجلسين في المرحلة المقبلة".
ولفت إلى أن المحادثات المباشرة قائمة عبر عدة وسائط مختلفة بين الحكومة والنواب، لمحاولة إيجاد حلول لهذه الملفات، عبر إعادتها للجان المختصة للنقاش حلولها بشكل موسع، مع محاولة سحب البساط من مجلس الأمة في هذه الملفات.
في الوقت نفسه، يرى خلفان أن هناك استجوابات قادمة من قبل مجلس الأمة للوزراء، حيث يرى النواب أن الحكومة لم تسر على طريق الإصلاح الحقيقي وتتخذ نفس نهج سابقتها من الحكومات، مؤكدا أن الأزمة قد تتصاعد في المرحلة المقبلة.
نقلت صحيفة "القبس" الكويتية عن مصدر حكومي، قوله إن "الخيارات المتاحة هي إما تعطيل ملف إسقاط القروض الذي يتمسك به أعضاء مجلس الأمة، وبالتالي التوافق بين السلطتين وفتح باب التعاون مجددا بينهما، وإما تقديم الحكومة لاستقالتها، في حال تمسك المجلس بموقفه من القوانين والمطالب الشعبوية".
تضمنت جلسة مجلس الأمة الماضية، بعض مشاريع القوانين التي أصر النواب على مناقشتها رغم رفض الحكومة، منها ملف شراء القروض، والذي طالبت الحكومة بتأجيل مناقشته في الجلسة التي سبقتها، واستجاب النواب لذلك.
وشراء القروض هو مشروع قانون للجنة المالية في البرلمان الكويتي ينص على قيام الدولة بشراء "القروض الاستهلاكية عن المواطنين"، مقترحا تسديد قيمة هذا الشراء من إعانة غلاء المعيشة، الأمر الذي ترفضه الحكومة، مؤكدة أنه يمثل عبئا ماليا كبيرا على الميزانية العامة للدولة.
كشف البنك المركزي عن بلوغ أصل تلك القروض التي تمثل ديونا على المقترضين الكويتيين 14.1 مليار دينار، لافتا إلى أن عدد المقترضين بلغ 520 ألف مواطن.