وأفادت مراسلة وكالة "سبوتنيك" في اللاذقية، أنه بالرغم من برودة الطقس وغلاء المعيشة، إلا أن عددا من أهالي الريف حرصوا على الاحتفال بالعيد الذي يعد موروثاً وتقليداً شعبياً، من خلال إعداد الأطعمة التراثية المرتبطة بالعيد.
وكانت عبارات التهنئة بحلول العام الجديد، هي التحية الأساسية التي كان يتبادلها الأهالي فيما بينهم، متمنين أن يحمل العام الجديد الانفراج المعيشي، بعد ضيق اقتصادي يعاني منه جميع السوريين.
أصل "القوزلة"
عن أساس تسمية "القوزلة"، قال صاحب موسوعة التراث الشعبي في اللاذقية حيدر نعيسة لـ"سبوتنيك": "القـوزلة، تعني في الكنعانية نهاية شيء وبداية شيء آخر، وفي الآرامية تعني بداية الشيء، وفي الأشورية "قوزلو" تعني إشعال النار، ومن المعروف أن اسم القوزلة مشتق من فعل "قزل" أي أشعل النار، ويستخدم في العامية "قوزل" أي شارك بالاحتفال بمناسبة القوزلة، مشيراً إلى أن الشعوب والقبائل كانت تحتفل بليلة رأس السنة الميلادية على التقويم الشرقي بإشعال النيران.
"عيد القوزلة".. سكان الساحل السوري يحتفلون برأس السنة الشرقية
© Sputnik . Munther Saeed
وأكد نعيسة أن الاحتفال بـ"القوزلة" يعود إلى ما قبل المسيحية والإسلام، وليس هناك ما يربط عيد "لقوزلة” بأي مناسبة تاريخية أو له أي صلة بالعقائد الدينية، وإنما هو تراث سوري تقليدي قديم تحافظ عليه بعض القرى في الساحل منذ مئات السنين.
"عيد القوزلة".. سكان الساحل السوري يحتفلون برأس السنة الشرقية
© Sputnik . Munther Saeed
ويستذكر نعيسة كيف كان الاحتفال بالعيد يستمر سبعة أيام متواصلة، قديماً، في قرى الساحل السوري، حيث كانت تقام حلقات الدبكة والرقص على أنغام الطبول والأغاني الفلكلورية المشهورة في الساحل، ويتبادل الأهالي الزيارات، ويضيف: "ضروري التشبث بالاحتفال بعيد القوزلة، بوصفه مناسبة اجتماعية تجمع بين الأهل والاقارب والأصدقاء، خاصة في هذه الظروف التي نحن بأمس الحاجة فيها للفرح".
"عيد القوزلة".. سكان الساحل السوري يحتفلون برأس السنة الشرقية
© Sputnik . Munther Saeed
وتابع: "يستقبل الريف الساحلي السوري هذه المناسبة بمسحة إنسانيّة رائعة، فقد اعتاد أهل القرى على إعلانه يوماً للتسامح، وطي الخلافات الشخصية والعائلية، حيث يتصالح الناس المتخاصمون وتقدّم مساعدات مادية للعائلات الفقيرة".
"عيد القوزلة".. سكان الساحل السوري يحتفلون برأس السنة الشرقية
© Sputnik . Munther Saeed
طقوس العيد
وحول طقوس الاحتفال بـ “القـوزلة”، قال نعيسة: "ما يميز العيد هو الأكلات الشعبية المرتبطة بالعيد والمتوارثة في الساحل، كخبز القوزلة الذي يخبز على التنور، ويتكوّن من الدقيق الكامل وزيت الزيتون والفليفلة الحمراء والملح والسمسم وحبة البركة، بالإضافة للفطائر والكبيبات بالسلق الشهيرة في الساحل السوري، بالإضافة لتقديم الفاكهة والحلويات والتمر وحب الأس والزبيب".
"عيد القوزلة".. سكان الساحل السوري يحتفلون برأس السنة الشرقية
© Sputnik . Munther Saeed
"القوزلة" بين الماضي والحاضر
بصوت دافئ معتق بالماضي، تغني السيدة الثمانينة ندرة مسعود مريم، أغاني"هيكالو" و"العتابا" الشعبية المأخوذة من تراث الساحل، وهي تجلس إلى جانب التنور وتشكل بيديها رقائق العجين تمهيداً لصنع خبز القوزلة والفطائر بأنواعها، باعتبارها من الأكلات الأساسية للاحتفال بالعيد.
"عيد القوزلة".. سكان الساحل السوري يحتفلون برأس السنة الشرقية
© Sputnik . Munther Saeed
بعبارة "قوزلة مباركة" تحيي السيدة ندرة كل من يمر بجانبها، وتروي لـ"سبوتنيك": "كنا في الماضي الجميل نقدم الذبائح إلى جانب خبز القوزلة، والفطائر بأنواعها "سلق، فليفلة، زعتر"، ونصنع الكعك، والكبيبات، والزليبة، والحلويات والفاكهة بأنواعها".
"عيد القوزلة".. سكان الساحل السوري يحتفلون برأس السنة الشرقية
© Sputnik . Munther Saeed
وبالرغم من حرص الكثير على الاحتفال بالعيد، إلا أن الوضع الاقتصادي الصعب وغلاء المعيشة أرخى بثقله على طقوس الاحتفال التي تبدلت بين الماضي والحاضر، إذ قالت السيدة ندرة: "في السابق كانت كل عائلة تقدم ذبيحة في هذا اليوم كقربان لله، وتجمع الموائد كل أصناف الحلويات والفواكه بالإضافة للحم والأكلات التراثية، وتقديم المساعدات المادية للعائلات الفقيرة، وتستمر الاحتفالات لمدة سبعة أيام متواصلة حيث تعقد حلقات الدبكة والرقص والغناء من المساء حتى الصباح. كانت الحياة بسيطة، وكان العيد فرصة للقاء الأهل والأقارب والأصدقاء".
وتتابع: "أما اليوم، فقد تضاءل عدد الذين يحتفلون بالعيد، واقتصار الطقوس على المحتفلين بإعداد الأكلات التراثية التي لا تكلف صناعتها الكثير، كالفطائر وخبز القوزلة".