لينتهي الحزن المستمر والجرح النازف، وبعيون يملؤها الحزن والترقب والانتظار يروي الفلسطيني سمير فريد والد الشاب طارق سمير المحتجز جثمانه منذ 2002 في مقابر الأرقام الظروف الصعبة التي تعيشها العائلة في ظل احتجاز جثمان ابنه بعد تنفيذه لعملية داخل اسرائيل، ويقول لوكالة "سبوتنيك": "منذ 30/10/2002 تم احتجاز جثة ابني في مقابر الأرقام، ومنذ ذلك الوقت ونحن نطالب بتسليم جثمانه، لكن دون جدوى، 21 سنة ونحن ننتظر لكي ندفنه حسب الشريعة الإسلامية وينتهي ذلك الحزن المتواصل، لكن الاحتلال يرفض، وهنا أسأل أين القوانين الدولية، وأين حقوق الإنسان".
وأما والدة طارق فتقول لـ"سبوتنيك" والدموع في عينيها "أتمنى أن استلم جثمان ابني وأنا على قيد الحياة، فلقد ذبلت عيناي وتهالك جسدي من الانتظار، ولا أعلم هل يوجد عقاب أقصى من حرمان الأم من توديع ولدها قبل دفنه، لكن الاحتلال يسعى لاستمرار الحزن مع طول الانتظار".
إسرائيل تحتجز 373 فلسطينيا في الثلاجات ومقابر الأرقام
تواصل اسرائيل منذ 2015 احتجاز جثامين 117 فلسطينيا في الثلاجات، بينهم 12 طفلا، وسيدة، و11 أسيراً ، كما تحتجز 256 جثمانا فيما يسمى "مقابر الأرقام"، إلى جانب 74 مفقودا.
وحول هذا الموضوع ناقشنا الأستاذ عصام عودة منسق الحملة الوطنية لاسترداد الجثامين في طولكرم، والذي قال لوكالة" سبوتنيك": "قبل عام 2015 سلم الاحتلال 120 جثمان شهيد محتجزين في الثلاجات، و230 محتجزين في مقابر الأرقام، لكن الأعداد المحتجزة منذ 2015 تزداد بشكل أكبر وأسرع، وهناك جهود فلسطينية وعربية ودولية كبيرة تبذل من أجل انهاء هذا الملف وتسليم جثامين الشهداء، لكنها تقابل بتعنت من الاحتلال الذي يرفض لغاية الآن تسليم جثامين الشهداء".
أسر الفلسطينيين المحتجزة جثامينهم في مقابر الأرقام والثلاجات يطالبون باسترداد ابنائهم وتدويل قضيتهم
© Sputnik . Ajwad Jradat
ويرجع تاريخ مقابر الأرقام إلى تأسيس دولة إسرائيل، ولم يكشف منها إلا القليل، وتحوي هذه المقابر أيضا جثامين لعرب، ويعد الأسير ناصر أبو حميد من مخيم الأمعري في رام الله آخر المحتجزة جثامينهم قبل نحو شهر، ويقول الناشط في حقوق الانسان سمير أبو شمس لـ " سبوتنيك": "هناك اتفاقيات دولية واسعة النطاق في هذا المجال، فعندما نتحدث عن اتفاقية جنيف الأولى المادة رقم 17، فإنها تدعو إلى احترام رفات المتوفين اثناء النزاعات المسلحة، وتلزم الدول لوضع تدابير تأخذ بعين الاعتبار الشعائر الدينية التي ينتمي لها المتوفي، وحسب هذا القانون فإن إسرائيل ملزمة في إعادة الجثث إلى أهاليهم، لكن ما تقوم به إسرائيل هو بمثابة إخفاء قسري لجثامين الشهداء، وهذا يتعارض مع القوانين الدولية، ويعتبر انتهاك لكل الأعراف الدولية".
لماذا تحتجز إسرائيل جثامين الفلسطينين؟
تقول والدة الشاب سيف أبو لبدة المحتجز جثمانه في الثلاجات الاسرائيلية منذ 9 أشهر لـ"سبوتنيك" وهي تمسك قميص ابنها المثقوب من كل مكان جراء الرصاص الكثيف الذي أطلق عليه من بنادق الجيش الإسرائيلي:" إنَّ هدف الاحتلال من حجز الجثمان هو جعل الموت هو بداية معاناة وأداة انتقام وعقاب، فكل ما تبقى من ابني هو قميصه ودموع اذرفها كلما تذكرت أنَّ ابني محتجز في الثلاجة، ولا يسعني سوى البكاء والصراخ في ظل احتلال يحرمني من أبسط حقوقي الإنسانية في توديع فلذة كبدي، وارجو أن يتدخل العالم لحل هذه القضية وانهاء احتجاز جثامين الشهداء".
أسر الفلسطينيين المحتجزة جثامينهم في مقابر الأرقام والثلاجات يطالبون باسترداد ابنائهم وتدويل قضيتهم
© Sputnik . Ajwad Jradat
ويضيف عصام عودة منسق الحملة الوطنية لاسترداد الجثامين " إنَّ الاحتلال ينوي من خلال احتجاز جثامين الشهداء فضلاً عن عقاب أهل الشهيد واستمرار حزنهم، جعل ملفهم ضمن أي صفقة تبادل، وورقة للتفاوض والمساومة والضغط على الفلسطينيين وإرهابهم".
اتهامات بسرقة أعضاء الفلسطينين المحتجزة جثامينهم
بحسب تقرير رسمي نشرته وزارة الإعلام الفلسطينية في 18 نيسان/ أبريل عام 2022، "فإن اسرائيل تستغل جثامين الفلسطينيين المحتجزة كبنوك بشرية للأعضاء"، وكانت إسرائيل زعمت أنَّ هذه السياسة قد انتهت منذ التسعينيات، ومع ذلك لا يزال الحديث عنها يتجدد، وفي 4 تموز/ يوليو 2022، أشار رئيس الحكومة الفلسطينية محمد أشتيه، أن لدى الحكومة "معلومات مؤكدة تثبت أن بعض كليات الطب في الجامعات الإسرائيلية تقوم بسرقة جثامين الشهداء الفلسطينيين واستخدامها، من دون معرفة مصيرهم".
ويقول عصام عودة منسق الحملة الوطنية لاسترداد الجثامين لوكالة "سبوتنيك" :" خلال السنوات الماضية نشر عدد من الصور لشهداء تم الاحتفاظ بجثامينهم في ثلاجات الموتى لدى الاحتلال لفتراتٍ متفاوتة، وبعد تسليم تلك الجثامين لذوي الشهداء اتضح أنها تفتقد بعض الأعضاء، وظهرت عليها خيوط جراحية توحي بأنه قد تم شقها لاستئصال أعضاء، وما يؤكد تلك الشكوك هو ارتفاع منسوب الجلد لدى الاحتلال، واستخدامه في المعاهد والجامعات، ويتابع مركز القدس هذا الملف وهناك قضايا رفعت، لكن إسرائيل كعادتها تضرب بكل القوانين عرض الحائط".
أسر الفلسطينيين المحتجزة جثامينهم في مقابر الأرقام والثلاجات يطالبون باسترداد ابنائهم وتدويل قضيتهم
© Sputnik . Ajwad Jradat
ويشير الناشط في حقوق الانسان سمير أبو شمس: "لقد سبق أنَّ أفرج عن جثمان الشهيد محمد أبو ناصر، حيث وجدت عائلته قطع لحم مضافة لجثمان الشهيد، وهذا يدل أنَّ هناك سرقة لبعض الأعضاء".
ويضيف أبو شمس لـ"سبوتنيك":" الاحتلال يستمد نفوذه وانتهاكه للقوانين والأعراف الدولية من دعم الوليات المتحدة الامريكية، والوقوف المخجل من قبل الاتحاد الأوروبي، لذلك تضرب إسرائيل بعرض الحائط كل المواثيق الدولية، حتى أنها لا تسمح للصليب الأحمر بمعاينة المقابر التي دفن فيها الشهداء، ولا تسمح للصليب الأحمر بدراسة حالة الجثامين المحتجزة في الثلاجات، وهذا يخالف صلاحيات الصليب الأحمر التي يستمدها من الاتفاقيات الدولية الموقعة".
وتسعى إسرائيل في السنوات الأخيرة، لإضفاء صبغة قانونية تتيح احتجاز جثامين الفلسطينيين، وفي عام 2019، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً يتيح للحاكم العسكري الإسرائيلي احتجاز الجثامين ودفنهم مؤقتاً، وأواخر عام 2021، تبنى وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس سياسة عدم تسليم جثامين منفذي العمليات، وسن الكنيست تشريع يخول الشرطة والجيش الاحتفاظ برفات الفلسطينيين.
ويسعى الفلسطينيون لتدويل ملف الجثامين المحتجزة، والتوجه إلى الجهات الدولية من أجل تفعيل هذا الملف، ومتابعة القضية في إطارها القانوني في ظل ما نص عليه القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف لعام 1949، ومعاهدة لاهاي 1907 المتعلقة بقوانين الحروب وأعرافها.