وفقا لتقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، فإن الصدمات التي ألمت بالعالم في السنوات الثلاث الماضية، أضرّت بشدة الدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وهو ضرر يمكن أن يمتد أيضا إلى المستقبل حيث تستمر معاناة هذه البلدان.
حذّر صندوق النقد الدولي من أن 15% من الدول ذات الدخل المنخفض تعاني بالفعل من ضغوط مالية شديدة، فيما تواجه 45% من هذه الفئة "خطرا كبيرا" من ضغوط الديون. في الأسواق الناشئة، هناك 25% من البلدان معرضة لمخاطر عالية وتواجه احتمالات للتخلف عن سداد التزاماتها.
تخلفت سريلانكا وغانا وزامبيا بالفعل عن سداد أقساط ديونها، فيما مددت غانا الموعد النهائي لتبادل ديونها المحلية للمرة الثالثة. هناك المزيد من البلدان مرشحة للتخلف عن السداد، وينبغي للعالم التحرك سريعا قبل اتساع رقعة الحريق.
في حين أن التحذيرات والمخاوف تتركز – حتى الآن – على البلدان الأقل دخلا وتحتوي أفقر سكان العالم، فإن التداعيات الإنسانية الكارثية والأزمة الأخلاقية الناجمة عنها ستنعكس بالضرورة على مستقبل البلدان المتقدمة وتلك الأكثر دخلا.
أزمة ديون العالم الثالث التي تلوح في الأفق قد يترتب عليها انتقال العدوى المالية (التعثر) إلى البنوك في الدول المتقدمة، وطبعًا سيحدث ذلك مع موجة من العنف المتفاقم والاضطرابات الاجتماعية في البلدان الناشئة، ما يترتب عليه زيادة كبيرة في الهجرة غير الشرعية التي تؤرق بالفعل أوروبا وأمريكا.
ووفقا للصحيفة، فإن مستقبل الأوروبيين، كونهم قريبين للغاية من بعض الدول الأكثر تضررا (في أفريقيا)، يجعلهم أيضا عرضة لخطر جسيم من هذه الكارثة المحتملة. من الضروري على الغرب الضلوع بدوره سواء من باب المسؤولية أو لتفادي الكارثة.
جاءت الزيادة الكبيرة في ديون العالم الثالث من القطاع الخاص والديون الصينية. بلغت ديون أفريقيا الخارجية 696 مليار دولار بعدما تضاعفت 5 مرات في 20 عاما، وتستحوذ الصين على 12% منها.
تصر أمريكا والغرب على تسمية الديون الصينية للدول النامية بـ"الفخ"، وتروج لفكرة أنها تثقل كاهل هذه الحكومات بالالتزامات المالية وعندما تفشل في سدادها، تجبرها بكين على تسليم أصولها الوطنية إليها مقابل الديون.
بكين بدورها شجبت هذه الرواية، وأكدت مرارا أنها "أكذوبة للتخويف" من التعاون مع الصين، مشيرةً إلى أن مساعداتها للدول النامية تأتي في إطار مشروع الحزام والطريق العملاق أو سبيل الصداقة والعلاقات الودية.
في حين أن الصين نفسها لم تشكو شيئا، قال باحثو معهد "تشاتام هاوس" إن قروض الصين للدول الأفريقية، تحولت إلى معضلة بالنسبة لبكين، كونها تواجه صعوبة في استرداد أموالها، فيما "تحاول المحافظة على صورتها كدولة صديقة".
بعيدًا عن الاستراتيجية المعقدة التي يتحدث عنها الغرب ويدّعي أن الصين تهدف للاستيلاء على الأصول الأفريقية، ربما يكون الإقراض الصيني السخي قد خلق في مراحله المبكرة "فخا للديون الصينية نفسها"، ما أدخلها في علاقات متشابكة مع شركاء أفارقة صارمين وحازمين بشكل متزايد، على حد قول الباحثين في "تشاتام".
لكن حتى الدول المتقدمة في الغرب أسهمت في تأجيج أزمة ديون البلدان الفقيرة، عندما سمحت بالتزامن مع الجائحة بديون من النوع الخاطئ (جذابة الشروط محفوفة المخاطر) دون توفير بدائل جيدة.
أيضا الدول المتقدمة مسؤولة بشكل رئيسي عن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، والأهم، أنها مسؤولة عن قوة الدولار المتزايدة، وما يترتب على ذلك من تباطؤ النمو العالمي وزيادة تكاليف الديون على البلدان الفقيرة. كان ذلك أشبه بإغلاق المصيدة على الدول الفقيرة بعد إقناعها بالدخول للحصول على الديون.
عندما لا يكون المدين قادرا على تحمل العبء المالي لدينه، فهنا يأتي دول "إعادة الهيكلة"، وهذا يشمل ديون البلدان السيادية وكذلك الشركات وحتى الأسر، لكن وفقا للتقرير فإن إعادة الهيكلة أصبحت عملية شاقة مما كانت عليه في القرن الماضي.
والأكثر من ذلك، أن الغرب نفسه الذي يهاجم الصين، يماطل في إعادة هيكلة ديون الدول الفقيرة حتى لا تستفيد بكين التي تمتلك قدرا كبيرا من الديون المهددة. وبذلك يظل الأمر رهين التفاهم بين الصين والغرب لإخراج العالم الثالث من أزمته.
الأسوأ فيما يتعلق بهذه الأزمة، أن خسائرها قد تشمل الكثير من الأرواح وليس فقط الجانب الاقتصادي. وفقا لدراسة للبنك الدولي حول حالات التخلف عن سداد الديون منذ 120 عاما، تبين ارتفاع عدد الفقراء بنسبة 30% على المستوى القصير.
وخلال عقد من الزمان، زاد عدد المتعثرين عن السداد بنسبة 13%، ونتج عن ذلك وفيات بين الأطفال الرضع سنويات، وأصبح متوسط العمر المتوقع للرضع الناجين أقل.
تدور الأزمة بشكل أساسي حول إقراض الفقراء بالدولار الذي لا يستطيعون توفيره وتتقلب قيمته بما يعرضهم لخطر أكبر (مع زيادتها)، كما أن دور الغرب وجديته في معالجة الأزمة وتجنب الكارثة هو أمر محوري وفاصل.
هناك مقترحات بالتخلص من الدولار كعملة للإقراض خاصة عند مساعدة الدول الفقيرة والتي ستحتاج إلى دفع رسوم خدمة الدين بالدولار أيضا، ما يدخلها في دائرة مفرغة من الاستدانة، مع بذل جهود مكثفة وحقيقية لهيكلة الديون الحالية.