على الرغم من تراجع إسرائيل عن موقفها والسماح للسفير ومرافقيه بالصلاة داخل المسجد، يرى المراقبون أن ما حدث كان محاولة لتهديد الوصاية الهاشمية الأردنية للمقدسات الدينية، وتمثل استفزازًا واعتداءً على القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة بين عمات وتل أبيب.
وكانت قوات الشرطة الإسرائيلية قد اعترضت طريق السفير الأردني غسان المجالي ومنعته من الدخول إلى المسجد الأقصى عبر باب الأسباط، مشترطة حصوله على إذن مسبق من أجل الزيارة.
نزع الوصاية
اعتبر الدكتور نضال الطعاني، المحلل السياسي الأردني وعضو البرلمان السابق، أن منع السفير الأردني من الوصول للمسجد الأقصى، استمرار للمحاولة الإسرائيلية لتغيير الوضع التاريخي للمسجد، واعتداء سافر على الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية في القدس.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، السفير الأردني ينتمي للدولة صاحبة الوصاية على المسجد الأقصى بحكم الوضع الذي أقره القانون الدولي، ومنعه يعد استفزازًا للدولة الأردنية وللسلطة الوطنية الفلسطينية وللمجتمع الدولي، وهو يندرج تحت الإجراءات الاستفزازية التي يرتكبها اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ويرى أن إسرائيل تسعى بقوة لنزع الوصاية الهاشمية على المسجد، تمهيدًا لتقسيمه مكانيًا وزمانيًا، ضمن خطة لبناء كنيس يهودي داخل المسجد الأقصى تنهي من خلالها المعالم المعمارية المميزة للمسجد، وتطمس كافة المعالم الإسلامية والمسيحية هناك، وهو تهويد يجب مجابهته ليس عبر الأردن أو السلطة الفلسطينية وحسب، بل بتدخل عربي وإسلامي قومي.
ولفت إلى أن الإجراء الإسرائيلي جاء بالتزامن مع القمة المصرية الفلسطينية الأردنية في القاهرة، والتي عقدت من أجل لجم الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للمسجد الأقصى، والتصدي لمحاولة إنهاء الوصاية الهاشمية للمقدسات، وحل السلطة الوطنية الفلسطينية من قبل اليمين المتطرف.
اعتداء إسرائيلي
من جانبه، اعتبر زيد الأيوبي، القيادي في حركة، أن قرار منع السفير الأردني من دخول المسجد الأقصى لم يأت صدفة، وكان هناك قرار من قبل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، وطالما أن شرطيًا قام بهذا المنع يعني أن هناك قرارا مبيتًا، الهدف منه جس نبض ردود الأفعال الفلسطينية والأردنية والعربية، والتي كانت قوية وتليق بما حدث، سواء على المستوى الشعبي الفلسطيني والأردني، أو على المستوى الرسمي والدبلوماسي لوزارة الخارجية الأردنية والسلطة الوطنية.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، القرار يعد اعتداءً على الوصاية الهاشمية الأردنية على المقدسات الإسلامية بالقدس، خاصة المسجد الأقصى بهدف تقويض هذه الوصاية باعتبارها شوكة في حلق المشروع الإسرائيلي الذي يهدف إلى التقسيم المكاني والزماني للأماكن المقدسة في فلسطين بالإضافة إلى فرض المشاريع التهويدية على الأماكن المقدسة.
ولفت إلى أن الوصاية الهاشمية تلعب دورا كبيرا في منع هذه المشاريع من التقدم، خاصة في ظل اتفاق وادي عربة الذي تم بين المملكة الأردنية وإسرائيل، والذي يحتوي على بند خاص للوصاية وحق السلطة الأردنية على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، والاعتداء على الوصاية يعني تراجع إسرائيلي عن الاتفاقيات الموقعة مع الأردن.
وأكد الأيوبي أن إسرائيل لن تتراجع عن الاعتداء على الوصاية الهاشمية، حتى وإن تراجعت في هذه الواقعة، لكنها ستتكرر مرة أخرى، لأن الهدف تقويض هذه الوصاية، مشددًا على ضرورة توفير التفافا عربيًا ودوليًا حول الوصاية الهاشمية، واتخاذ خطوات سياسية ودبلوماسية حاسمة تجاه إسرائيل، لا سيما فيما يتعلق باتخاذ إجراءات دولية وإقليمية لعزلها ومقاطعتها من أجل الضغط عليها للتراجع عن كل مشاريعها الاستيطانية.
وكشف عن تحركات فلسطينية تقودها السلطة للجم الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، لكنه يحتاج لموقف دولي حاسم نحو الضغط للتراجع عن المشاريع الاستيطانية، معتبرًا أن مثل هذه الإجراءات قد تتسبب في اندلاع مواجهات ميدانية وانتفاضة فلسطينية وعربية.
وأوضح أن ما يقوم به بن غفير وحكومة نتنياهو هي استفزاز لمشاعر العرب والمسلمين، خاصة في ظل المس بالمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، وأن هذه الحكومة المتطرفة تدفع بالأمور الميدانية نحو استفزاز مشاعر العرب والمسلمين تصديرًا لأزمتها الداخلية بسبب الاحتجاجات الإسرائيلية المستعرة هناك.
واستدعت وزارة الخارجية الأردنية، أمس الثلاثاء، السفير الإسرائيلي في عمّان وسلمته رسالة احتجاج على خلفية منع الشرطة الإسرائيلية لسفير المملكة الأردنية في تل أبيب من دخول المسجد الأقصى.
ونشرت الخارجية الأردنية بيانًا أوضحت فيه استدعاء "السفير الإسرائيلي في عمّان، إلى مقر الوزارة، إثر إقدام أحد أفراد شرطة الاحتلال الإسرائيلي على اعتراض طريق السفير الأردني في تل أبيب لدى دخوله إلى المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف".
وتابع البيان أنه تم "إبلاغ السفير الإسرائيلي رسالة احتجاجٍ شديدة اللهجة لنقلها على الفور لحكومته"، أكدت فيها الحكومة الأردنية إدانتها "لكافة الإجراءات الهادفة للتدخل غير المقبول في شؤون المسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف".
وقالت الشرطة الإسرائيلية، إنها لم تمنع السفير الأردني من دخول المسجد الأقصى، بل تم تأخيره لفترة قصيرة بسبب عدم التنسيق المسبق حول الزيارة، فقرر المغادرة.
وقد أعرب الأردن أخيرًا عن قلقه من أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة يمكن أن تغير الوضع الراهن في الحرم القدسي.
وسيطرت إسرائيل على الحرم القدسي والبلدة القديمة في القدس من الأردن في حرب الأيام الستة عام 1967، لكنها سمحت لهيئة الأوقاف الأردنية بالاحتفاظ بالسلطة الدينية على الحرم.
وبموجب معاهدة السلام لعام 1994، اعترفت إسرائيل بـ "دور عمان الخاص ي المواقع الإسلامية المقدسة في القدس".