يرى مراقبون أن هذا التحول إلى تظاهرات مطلبية لمعالجة القضايا المعيشية والاقتصادية، ربما هو عمل تكتيكي للعودة بالثورة إلى حالة من الزخم الذي كانت فيه قبل إسقاط البشير، حيث شهد السودان احتجاجات عارمة في العام 2018 جميعها كانت مطلبية وتحولت إلى أهداف سياسية بلغت ذروتها بالمطالبة بإسقاط نظام البشير وتحت هدف واحد تم تلخيصه في هتاف "تسقط بس".
وتعليقا على المشهد السياسي الراهن يقول خضر عطا المنان، المحلل السياسي السوداني، "الحقيقة أن استمرار لجان المقاومة والثوار في التظاهرات هو تأكيد على حقيقة واحدة هي أن الثورة لا تزال حية رغم كل ما جرى ولا يزال على الأرض من انقلاب وانتهاك".
الثورة حية
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن التظاهرات المستمرة بلا انقطاع منذ أكثر من عام بعد الانقلاب، ليست رفضا للاتفاق الإطاري وإنما توصيل رسالة للعالم وللداخل بأن هذه الثورة لا تزال مشتعلة وعلى حالها ولم تمت بعد.
وتابع المنان أن الاتفاق الإطاري وضع اللبنة الأولى للسير نحو الدولة الديمقراطية في الأيام القادمة، مشيرا إلى أن المشهد السياسي الآن يختلط فيه الحابل بالنابل، بعض الذين يرفضون الاتفاق الإطاري، إما لهم مآرب خاصة أو خدمة لأحزابهم، أو أنهم لم يتمكنوا من قراءة نصوص وبنود الاتفاق.
يرى المحلل السياسي، أنه يجب تغيير استراتيجية التظاهرات، أي لا بد لكل قوى الحراك الثوري أن تجلس على الأرض لكي تغير تلك الاستراتيجية، وأن تدرس سلبيات وإيجابيات كل المسيرات التي حدثت، للاستفادة من الإيجابيات وتعديل السلبيات حتى يتم توصيل الرسالة بصورة أفضل وتكون مواكبة للتيار الثوري الجارف الذي لا يزال مستمرا.
الاتفاق الإطاري
من جانبها تقول لنا مهدي، القيادية في حزب الأمة القومي السوداني إن "استمرار لجان المقاومة والثوار في التظاهرات لا يعني بأي حال من الأحوال رفضا لما يحدث في المشهد السياسي، أو رفضا للاتفاق الإطاري، بدليل أن كل شعارات تظاهرات اليوم لم تشر من قريب ولا بعيد للاتفاق الإطاري".
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك" أن "الاتفاق الإطاري أصبح واقعا معاشا وفرض نفسه ويمضي قدما، حيث تتواصل الاجتماعات بين القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري والآلية الثلاثية، لإكمال نقاش القضايا الأربع المتبقية في المرحلة النهائية للعملية السياسية، بما يضمن أوسع مشاركة لأصحاب المصلحة و قوى ثورة ديسمبر المجيدة، فكل أطراف الاتفاق الإطاري مصممة على بلوغ إتفاق سياسي نهائي بمشاركة كل الأطراف المتفق عليها في أسرع وقت وحل الأزمة السودانية جذريا".
وأكدت مهدي، أنها تثق كثيرا في حزب الأمة القومي وحلفائه الذين يعملون بكل جهد من أجل إخراج الوطن من أزمته، وفي الواقع أن جهودهم بدأت تؤتي ثمارها على الأرض.
وتقود لجان المقاومة الحراك السياسي منذ انقلاب الجيش على السلطة في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وتدعو إلى "إسقاط حكم العسكر والثأر للشهداء وتصفية وتفكيك بنية نظام البشير"، إلا أنها منذ احتجاجات 12 يناير/ كانون الثاني الجاري رفعت شعارات جديدة، وأطلقت على الموكب "معاش الناس"، وطالبت بصحة وتعليم مجاني وبأن يعيش الشعب بأمان، ثم جددت الشعارات في موكب 17 يناير الذي استهدف الوصول إلى القصر الرئاسي، علاوة على ذلك رفت اليوم شعارات "جوعتوا الناس... امشوا خلاص".
ودعت المقاومة إلى توحيد الجهود من أجل مواجهة السياسات الاقتصادية المجحفة في حق المواطن، والشروع في تأسيس سلطة الشعب ودولة الحرية والسلام والكرامة، والوصول إلى الإضراب السياسي والعصيان المدني.
وبدأت ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 السودانية بمطالب اقتصادية ومعيشية، رفعت خلالها شعارات مكافحة الغلاء وارتفاع الأسعار وشح السلع، وانخفاض الأجور، قبل أن تتطور إلى المطالبة بإسقاط النظام، وتبنت القوى السياسية والشعبية الشعار الشهير "تسقط بس"، وعبره استطاعت تنظيم أضخم اعتصام في تاريخ البلاد، ما اضطر قيادات في الجيش لعزل البشير.
وكان قادة الجيش السوداني وقوى سياسية مدنية بقيادة قوى إعلان الحرية والتغيير، وقعوا برعاية الآلية الثلاثية في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي اتفاقا إطاريا لبدء مرحلة انتقالية تستمر عامين تنتهي بنقل السلطة للمدنيين.
يشار إلى أن الاتفاق الإطاري يهدف إلى حل أزمة اندلعت في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 عندما أعلن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة إجراءات استثنائية شملت حل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ.