ووصل نتنياهو إلى سدة الحكم مجددا أواخر الشهر الماضي على رأس ائتلاف حكومي من أحزاب تمثل أقصى اليمين القومي والديني في إسرائيل.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، عرض وزير العدل في حكومته، ياريف ليفين، ملامح خطة لإصلاح القضاء يتوقع أن ينتهي من صياغتها بنهاية الشهر الجاري.
وتشمل الخطة سيطرة الحكومة على تعيين القضاة والحد من سلطات المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية في إسرائيل)، التي لن يكون بإمكانها الاعتراض على قوانين تم تمريرها بأغلبية 61 صوتا في الكنيست (يملك تحالف نتنياهو 64 مقعدا من أصل 120 بالكنيست).
عاصفة المحافظ
وأمس الثلاثاء، عقد محافظ بنك إسرائيل (المركزي)، أمير يارون، اجتماعا طارئا مع نتنياهو، أبلغه فيه بمخاوفه من أن تتسبب خطة إصلاح القضاء في أضرار جسيمة للاقتصاد.
ووفق هيئة البث الرسمية، فإن يارون العائد مؤخرا من المؤتمر الاقتصادي في "دافوس" أبلغ نتنياهو أن كبار الاقتصاديين في العالم ومسؤولين في شركات التنصيف الائتماني قد حذروه من أن خطة نتنياهو قد تدفع بالمسثمرين إلى الهروب من إسرائيل وتتسبب في تراجع التصنيف الائتماني لإسرائيل والتي صنفتها العام الماضي شركة "S&P" عند مستوى (AA-) مع توقعات تصنيف "مستقرة".
وأثارت تصريحات محافظ بنك إسرائيل ردود أفعال واسعة داخل البلاد، وفي وقت سابق من اليوم الأربعاء، وقع أكثر من 270 من أعضاء هيئة التدريس في مجالات الاقتصاد والإدارة من جامعات وكليات في إسرائيل على إعلان رأي بشأن الضرر المتوقع للاقتصاد الإسرائيلي نتيجة لذلك.
وقالوا في بيانهم: "نحذر بشدة من المبادرات الحالية للائتلاف، والتي تعني تغييرا جوهريا في نظام الحكم في إسرائيل وخطرا على مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي".
وأضافوا: "نحن، المحاضرون في مجالات الاقتصاد والإدارة، نعرب عن قلقنا العميق إزاء تحركات الحكومة التي من المتوقع أن تضر باستقلال القضاء والخدمة العامة، والتي في تقديرنا ستلحق ضررا غير مسبوق بالاقتصاد الإسرائيلي".
وجمع البيان كبار المسؤولين السابقين في الاقتصاد الإسرائيلي، وكبار المسؤولين في بنك إسرائيل، ومستشارين اقتصاديين سابقين لوزراء المالية وكبار المحاضرين من الكليات الرائدة في العالم.
وأمس الثلاثاء، أغلقت نحو 500 شركة، بما في ذلك العشرات من شركات التكنولوجيا الفائقة الرائدة (هاي تيك)، أبوابها لمدة ساعة تقريبًا احتجاجًا على "الانقلاب القضائي" الذي يقوده وزير العدل ياريف ليفين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وأعلن منظمو الاحتجاج أنهم يعتزمون التصعيد، الأسبوع المقبل، بعد التظاهرة الكبيرة المرتقبة في تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى ليلة السبت.
طمأنة وتحدي
وعلى نحو غير مسبوق، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي مساء اليوم الأربعاء، مؤتمرا صحفيا مشتركا مع وزراء المالية والاقتصاد والخارجية في محاولة منه لطمأنة الإسرائيليين.
وقال نتنياهو: "لا مجال للترهيب" فيما يتعلق بالتغييرات المخطط لها في النظام القضائي.
واتهم نتنياهو المعارضة بـشن "تسونامي أكاذيب" حول الأضرار الاقتصادية المحتملة لخطته، واعتبر أن "سيادة القانون والديمقراطية ستعززان بالفعل".
وأضاف: "سمعت عن تأثير الإصلاح القضائي على قوتنا الاقتصادية. يجب أن تضع الأمور في نصابها الصحيح، فالحقيقة هي عكس ذلك تماما. إن تحركاتنا لتعزيز الديمقراطية في إسرائيل لن تضر بالاقتصاد فحسب، بل ستقويه".
وتحدى نتنياهو محافظ بنك إسرائيل والمعارضة بالقول إن خطة الإصلاح القضائي ستعيد إسرائيل إلى "المكانة القضائية" التي تتمتع بها معظم الديمقراطيات الرائدة في العالم.
وصبت تصريحات نتنياهو الزيت على نيران الغضب في إسرائيل، وقالت شركات "هاي تيك" التي تعتبر إحدى ركائز الاقتصاد الإسرائيلي في بيان عقب المؤتمر الصحفي: "إذا لم تكن هناك ديمقراطية، فلا توجد صناعة هاي تيك ولا اقتصاد".
وقالت إن "صناديق رأس المال الاستثماري والشركات العالمية لا تتأثر بالمؤتمرات الصحفية. إنهم قلقون بشأن إلغاء حق الملكية والحريات الفردية. إنهم خائفون من بلد ليس لديه نظام قضائي مستقل – والذي يعد آخر معقل لحرية الفرد".
وأضافت في بيان : "كبار الاقتصاديين والمستثمرين ورجال الأعمال يقولون لك (يا نتنياهو) توقف - قبل أن تحطم الاقتصاد والديمقراطية. لن نوقف القتال حتى يرفع السيف عن رأس الديمقراطية".
كما سارعت المعارضة للرد على كلام رئيس الوزراء حيث كتب رئيس المعارضة ورئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لابيد على حسابه في "تويتر": "المؤتمر الصحفي الهستيري لنتنياهو لا يترك مجالا للشك. بيبي (نتنياهو) ضعيف ويعرف أنه يقود إلى أضرار قاتلة للاقتصاد الإسرائيلي. كل مواطني اسرائيل سيدفعون ثمنها من جيوبهم الخاصة وسيدفعون الثمن غاليا".
وكتب وزير الدفاع السابق بيني غانتس رئيس حزب "المعسكر الرسمي": "سبب وقف الانقلاب ليس فقط انخفاض التصنيف الائتماني وليس فقط حماية قادة الجيش الإسرائيلي في الخارج الذين سيأثرون، لكن أولاً وقبل كل شيء لأنه سيدمر القيم الأساسية التي تأسست عليها دولة إسرائيل".
وأضاف غانتس: "نتنياهو، التاريخ لن يسامحك على حملة تدمير نظام الحكم والصدع الذي تخلقه في الأمة. لم يفت الأوان بعد للتوقف".
وكتب وزير المالية السابق ورئيس "إسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان: "إن المؤتمر الصحفي بمشاركة رئيس الوزراء والوزراء الثلاثة يثبت أنهم خائفون لأنهم يعرفون الحقيقة ويفهمون أنه لا يوجد أي طرف في العالم مستعد لابتلاع أكاذيبهم وافتراءاتهم".
ومضى ليبرمان بالقول: "دولة إسرائيل في طريقها إلى أزمة اقتصادية لم نكن نعرف مثلها منذ عقود، والمسؤولية كلها تقع على عاتق بنيامين نتنياهو".
نهاية إسرائيل
وأمس الثلاثاء، وفي تصريح هو الأول من نوعه، حذر الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ من انهيار بلاده خلال سنوات، مذكرا بدولتي "مملكة داود" و"الحشمونائيم" اللتين لم تصمدا لأكثر من 80 عاما.
وحذر هرتسوغ من أن "غياب الحوار" يمزق مجتمع بلاده من الداخل، معتبرا أن الوضع بات يشبه برميل متفجرات على وشك الانفجار"، وذلك على خلفية أزمة سياسية حادة خلفها إعلان حكومة بنيامين نتنياهو عن خطة لإصلاح القضاء وصفتها المعارضة بـ "الانقلاب".
وقال هرتسوغ الذي سبق واتهمته المعارضة بالتزام الصمت حيال الخطة الحكومية المثيرة للجدل: "كلنا قلقون على دولة إسرائيل. نحن جميعًا ملتزمون تجاهها. غياب الحوار يمزقنا من الداخل، وأقول لكم بوضوح: إن برميل المتفجرات هذا على وشك الانفجار. هذا وقت طارئ والمسؤولية تقع على عاتقنا".
وأضاف: "أرى أمام عيني الانقسامات في داخلنا، والتي تزداد عمقا، ولا يسعني إلا أن أتذكر أنه مرتين في التاريخ - خلال عهدي مملكة بيت داود والحشمونيين (الحشمونائيم) - نشأت دولة يهودية في أرض إسرائيل؛ وانهارت مرتين قبل أن تبلغ الثمانين من عمرها".