القوات التي اعتادت إلى حد كبير على مكافحة الجماعات المسلحة والإرهابيين، شنت مداهمات في العاصمة بغداد، يوم السبت الماضي، ضمن جهود حملتها، والتي ينظر إليها بشكل كبير على أنها اختبار مبكر لرئيس الوزراء المعين في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
جاء ذلك في الوقت الذي أدت فيه سياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية إلى انخفاض قيمة الدينار العراقي وارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع المستوردة. تراجع سعر الصرف من 1480 دينارا في منتصف الشهر الماضي إلى 1660 دينارا للدولار الواحد بداية هذا الأسبوع.
وعقب الحملة الأمنية، توعدت وزارة الداخلية العراقية "المتلاعبين بالعملة الصعبة"، بعقوبات كبيرة، وإخضاعهم لقانون الجرائم الاقتصادية. وبعد ذلك أعفى السوداني محافظ البنك المركزي من منصبه وعيّن خليفة له، وأحال مدير المصرف العراقي للتجارة إلى التقاعد.
البنك الفيدرالي الأمريكي في نيويورك – المركز المالي العالمي – تبنى ضوابط أكثر صرامة على المعاملات الدولية الدولارية المتعلقة بالبنوك التجارية العراقية قبل شهرين، بهدف وقف التدفقات "غير المشروعة" إلى إيران.
قوبل هذا الإجراء باعتراضات من السياسيين العراقيين الداعمين لطهران. فيما قال مسؤول مصرفي كبير إن واشنطن وجهت "رسالة واضحة" إلى المسؤولين العراقيين تفيد بأن عدم الالتزام بالقواعد الجديدة يعني فرض غرامات على البنك المركزي، بحسب وكالة "رويترز".
هذا يعني أن بغداد باتت في منتصف الصراع بين واشنطن وطهران، حيث يحاول السوداني الإبقاء على سياسة حذرة ومتوازنة تجاه خصمين عنيدين، يشكل كل منهما صديق وشريك استراتيجي لبلاده، ما يعني أنه يسير على ثلج هش.
منذ دخول إجراءات الفيدرالي الأمريكي الجديدة حيز التنفيذ، جرى حظر 80% تقريبا من تحويلات الدولار، التي بلغ مجموعها في السابق أكثر من 250 مليون دولار يوميا، وفقا لما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال".
إيران بدورها، تواجه – بفعل العقوبات الغربية إلى حد كبير – ضغوطا اقتصادية جمة، وفقدت عملتها نحو 30% من قيمتها منذ سبتمبر/ أيلول، عندما اندلعت احتجاجات واسعة تزامنت مع وقوع أحداث شغب وهجمات إرهابية داخل البلاد.
القيود الأمريكية تلزم البنوك العراقية باستخدام منصة إلكترونية تكشف معاملاتها وتفاصيل حول المتعاملين (المحول والمحول له)، وتعطي الحق للمسؤولين في الولايات المتحدة في الاعتراض على الطلبات المشبوهة لتحويل الأموال.
في حين أن هذه الجهود تكثف الضغوط على طهران وتمنع عنها فعلا مصدرا مهما للنقد الأجنبي في ظل العقوبات الغربية، فإنها أيضا تنال من الاقتصاد العراقي، نظرا لما تتسبب به من بطء في المعاملات الدولارية المصرفية.
وشكا مصرفيون عراقيون من أن هذه القيود إلى جانب جهود مكافحة التهريب، خلقت فجوة، ودفعت البنوك التي رفضت التسجيل في هذه المنصة الإلكترونية إلى الأسواق الحرة في بغداد من أجل توفير الدولارات في حالات العجز.
في وسط كل ذلك تراجعت قيمة العملة العراقية وزادت الأسعار، ما زاد من سخط الساسة العراقيين، لكن ينظر أيضا إلى عمليات تهريب العملة خارج البلاد إلى إيران وسوريا على وجه الخصوص، كأحد الأسباب الرئيسية في ضغوط سعر الصرف.
قال رئيس الوزراء، في الأسبوع الماضي، إن حكومته اتخذت جملة من القرارات التي وصفها بالجريئة، من أجل دعم قيمة العملة العراقية وضمان استقرارها، محذرًا من محاولات "استغلال الأزمة" الراهنة.