أعلن، أمس، الرباعي الراعي لمبادرة الإنقاذ الوطني (الاتحاد العام التونسي للشغل، والهيئة الوطنية للمحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية) عن تشكيل 3 لجان هي: لجنة الإصلاحات السياسية؛ ولجنة الإصلاحات الاقتصادية؛ ولجنة الإصلاحات الاجتماعية.
وتتكون هذه اللجان من خبراء في الاقتصاد، والاجتماع، والقانون الدستوري، والثقافة، والبيئة، وكفاءات من مختلف المجالات الأخرى بحسب ما أعلن عنه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي.
برنامج لإنقاذ الوطن
وقال الطبوبي إن هذه اللجان ستتولى "صياغة برنامج اصلاحي متكامل يستند إلى الكثير من العقلانية والاستقلالية لإنقاذ الوطن وإخراج البلاد من الأزمة التي تتخبط فيها" .
وإلى جانب أشغال اللجان، أكد الطبوبي أن مكونات المبادرة ستلتقي في جلسات لتعميق النقاش حول المحاور الثلاثة التي ذكرها، على أن تنفتح لاحقا على مكونات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية لبلورة تصور اصلاحي شامل يخدم أهداف انقاذ الوطن، بحسب قوله.
وشدد الطبوبي:
"الهدف الرئيسي الذي يجمعنا هو كيفية إنقاذ تونس، ولا يهمنا ما يتصوره من يحكم البلاد أو ما تتصوره المعارضة.. كمنظمات مستقلة ومجتمع مدني نريد أن نسهم في إيجاد الحلول لهذا الوضع المزري الذي تعيشه البلاد".
وقال الطبوبي إن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو الحوار، مشيرا إلى أن الفرضية الثانية ستكون التحارب والانهيار الاقتصادي كما يحدث في بعض الدول، مشددا على أن الاتحاد وشركائه لن يقبلوا بحدوث بذلك.
وتابع "كفانا عبثا بهذه البلاد، حان الوقت لنتوجه نحو خيارات وطنية ونحو تفعيل استقلالية القرار الوطني التي لا تبنى بالشعارات والخطب الرنانة وإنما بالبذل والعطاء وخلق الثروة"، مشيرا إلى أن الديمقراطية لا تبنى بالبطون الخاوية والفقر وفقدان الأمل الذي يدفع بالمئات من الشباب إلى قوارب الموت.
وقال الطبوبي إن هذه المبادرة ستكون بعيدة عن كل التجاذبات السياسية وسيتم تقديمها لاحقا إلى مؤسسات الدولة ولكل من يرى نفسه في هذا الميثاق.
شهر لإنهاء المبادرة
ويؤكد عميد المحامين حاتم المزيو، في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن أشغال اللجان ستتواصل لمدة شهر، وستتولى كل واحدة منها إعداد ثلاث وثائق تعنى بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على أن يتم التوثيق بينها لاحقا وصياغة مبادرة موحدة.
وقال المزيو إن المبادرة ستكون جاهزة أواخر شهر فبراير/ شباط 2023، مضيفا "يمتلك الخبراء المكونون للجان من الكفاءة والخبرة ما يخوّل لهم تقديم مشاريع ورؤية جديدة تنهي مرحلة ما بعد الثورة وحالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي".
ولفت إلى أن الأزمة التي تعيشها تونس على جميع المستويات انعكست على المواطن وعلى امكانياته المعيشية وعلى الحركية الاقتصادية، وهو ما دفع الرباعي إلى التقدم بهذه المبادرة.
وأضاف المزيو: "سنتقدم بهذه المبادرة إلى رئيس الجمهورية الذي ننتظر منه التفاعل الإيجابي، خاصة وأنها تحتوي مضامين إصلاحية تستجيب لطموحات الشعب التونسي في الاستقرار السياسي النهائي وكذلك الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والنمو والازدهار على جميع المستويات".
وشدد المزيو على أن مكونات المبادرة يتفقون على إنقاذ تونس، مشيرا إلى أن المبادرة لا تسعى لإنقاذ مسار ما قبل 25 يوليو أو حتى ما بعده، وأن الهدف الوحيد منها هو المساهمة في اصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وتابع "نحن نريد لهذه البلاد أن تكون دولة قانون ومحاسبة بالنسبة للمواطن ولكن الأطراف السياسية وغيرها، ولكن أيضا نريد دولة وحكومة تحترمان القانون والضمانات والحقوق والحريات".
ماذا إن جوبهت المبادرة برفض الرئيس؟
وحول فرضية أن تجابه مبادرة الإنقاذ الوطني برفض رئيس الجمهورية لها، قال المزيو: "هذه المبادرة تختلف عن المبادرات السابقة على مستوى المضامين والأفكار، وإذا رأى الشعب أنها تصب في مصلحة البلاد وتؤدي إلى حل الأزمة، فنحن نتصور أن رئيس الجمهورية سيقبل بها وسيتفاعل معها إيجابيا".
وأضاف المزيو:
الشعب التونسي سيكون الفيصل والمحدد الرئيسي في ما إذا كانت هذه المبادرة نافعة للبلاد أم لا.
وأوضح: "ليس لنا رغبة في السلطة ولا غاية في قلب نظام الحكم ولا في تغيير النظام، هدفنا هو إنهاء الفترة الانتقالية بسلام وتغيير واقع البلاد، وهذه الحكومة مطالبة بإدخال تغييرات على سياساتها وحتى تغييرات في الأسماء المكونة لها والتي يجب استبدالها لكفاءات جديدة".
وأشار المزيو إلى أن مكونات المبادرة يؤمنون بأن مسار 25 يوليو الذي يقوده الرئيس قيس سعيد انطلق كمسار تصحيحي وإصلاحي، ولكنه لم يتخذ خطوات عملية وحقيقية إلى حد الآن، بحسب قوله.
وتابع "هذا ما دفعنا إلى تقديم هذه المبادرة لتنفيذ إصلاحات في العمق تهدف إلى اعتماد منوال جديد للتنمية الاقتصادية، وإرساء قضاء مستقل يكون الملاذ الأخير والفيصل في النزاعات، ومحكمة دستورية، ومجلس أعلى للقضاء، وتشريعات جديدة تنظم الحياة السياسية، بالإضافة إلى تعديل القوانين المنظمة لعمل الأحزاب والجمعيات وهيئة الانتخابات، وتغيير القانون الانتخابي الذي يتطلب تعديلات باعتراف الرئيس نفسه".
فيتو ضد الأحزاب
وحول مشاركة الأحزاب السياسية في هذه المبادرة، يؤكد المزيو أن هذا الأمر غير مطروح، مشيرا إلى أن المبادرة ستقتصر حاليا على المجتمع المدني والمنظمات الوطنية.
وأضاف "الأحزاب وخاصة تلك التي شاركت في الحكم تتحمل مسؤولية كبرى فيما وصلنا إليه، ولكننا نؤمن في المقابل أن لا ديمقراطية دون أحزاب سياسية.. نحن لسنا ضد الأحزاب ولكن عليها أن تراجع نفسها وتسترجع ثقة الشعب الذي فقد ثقته في المشهد السياسي وبدأ يفقد ثقته حتى في المسار الذي يقوده الرئيس".
من جانبه، قال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سمير الشفي، لـ "سبوتنيك"، إن نظرة المجتمع التونسي للأحزاب سلبية نتيجة الاخفاقات والصراعات المتخلفة سواء داخل مؤسسة البرلمان أو خارجها، مشيرا إلى أن هذه السلوكيات أقلقت التونسيين في بيوتهم.
وتابع "من الناحية الإجرائية، المبادرة لن تشمل الأحزاب حتى لا تنتقل تلك الصراعات والتناقضات إلى مضمون المبادرة وتنسفها، ومن ناحية أخرى نحن نؤمن بأن حياة ديمقراطية سليمة لا يمكن أن تتأسس وتقام في غياب الأحزاب السياسية".
وقال الشفي إن على الأحزاب أن تدرك أن اختيار الاتحاد وشركاؤه لهذا المنحى لا يخفي خلفية إقصائية أو استئصالية، بقدر ما هو توجه من أجل تأمين أقصى ما يمكن من أسباب النجاح لهذه المبادرة.
وأضاف "نحن حريصون كل الحرص على القطع مع الممارسات السلبية الماضية والانتقال إلى التأسيس إلى حياة سياسية ديمقراطية سليمة تكون قاعدة المشاركة فيها جماهيرية شعبية واسعة، وهذا لن يتم إلا من خلال مشاركة فاعلة للقوى السياسية المناضلة والتي تحترم مبدأ الديمقراطية".
وأشار إلى أن الأحزاب السياسية مدعوة في هذه اللحظة إلى احترام الآليات الديمقراطية داخلها حتى يكون لها من الشرعية والمشروعية ما يؤهلها لاكتساب ثقة الشعب.