على مدار الأشهر الأخيرة جرت زيارات متبادلة بين الدولتين وغرب ليبيا، الذي تمثله "حكومة الدبيبة" التي يتعامل معها المجتمع الدولي رغم أن البرلمان سحب منها الثقة وكلف أخرى.
يقول مراقبون إن تمثيل الجزائر وتونس في الاجتماع التشاوري الأخير لوزراء الخارجية العربي على المستوى الوزاري، يحمل العديد من الدلالات، خاصة في ظل الموقف المصري الذي لا يعترف بحكومة الدبيبة، وفيما يبدو أن الدول الخليجية تتحفظ على التعامل مع حكومة الدبيبة باستثناء قطر، رغم عدم إعلان ذلك بشكل واضح.
رؤى متقاربة
التقارب بين الجزائر وتونس على صعيد الملف لحق به تقارب إيطالي يبدو أنه يسير في نفس النهج، لكن الأخيرة تعمل في المقام الأول من أجل تأمين إمدادات الغاز، والحفاظ على مصالحها الاقتصادية. يقول البرلماني الجزائري محمد ربيح، إن الموقف الإيطالي أصبح قريبا من الموقف الجزائري بشأن الأزمة الليبية.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن الموقف الجزائري والتونسي والإيطالي يدفع نحو إجراء الانتخابات، وأن المواقف الأوروبية جاءت على عكس المتوقع، وأنها باتت أقرب للموقف الجزائري-التونسي.
ولفت إلى أن "الأزمة في أوكرانيا" دفعت نحو خلط الأوراق داخل البيت الأوروبي، وربما غير من مواقفها تجاه رؤيتها للحل في ليبيا، وأصبحت تراهن على إجراء الانتخابات على عكس ما كان يتوقع.
أزلية الشرعية
رغم الانقسام الحاصل والأزمة المرتبطة بشرعية المؤسسات من عدمها وقعت شركة الطاقة الإيطالية إيني والمؤسسة الوطنية للنفط الليبية، السبت، اتفاقا لإنتاج الغاز بقيمة ثمانية مليارات دولار يهدف إلى تعزيز إمدادات الطاقة إلى أوروبا على الرغم من تدهور الوضع الأمني والفوضى السياسية في ليبيا.
في السابق كانت الدول الأوروبية تعرقل الذهاب نحو الاستقرار رغم إعلانها غير ذلك، لكن مؤخرا يبدو أنها تتجه نحو دعم مسار سياسي يتوافق مع مصالحها ويراعي حساباتها في المقام الأول.
التدخلات في المشهد الليبي متعددة منذ سنوات، وهو ما يشير إليه البرلماني الجزائري أن "بعض الدول تلعب دورا سلبيا في المشهد الليبي، وقد تسعى لتعطيل الذهاب للانتخابات، وأن حكومة طرابلس أصبحت هي الفاعل والمتحكم في المشهد".
ويقول البرلماني الجزائري" من المتوقع أن تكون هناك تحركات دولية تنطلق من تطابق الرؤى الجزائرية-التونسية مع إيطاليا في إطار مقاربة للدول الثلاث مع بعض الدول الأخرى من أجل حل الأزمة الليبية.
الدعم الجزائري والتونسي لحكومة الدبيبة يطرح تساؤلات عدة، حول المواقف العربية الأخرى وخاصة فيما يتعلق بموقف مصر والخليج، وتأثير الخطوة على الأزمة التي باتت تلقي بظلالها على العلاقات العربية-العربية.
في الإطار ذاته، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إدريس عطية، إن التقارب بين دول شمال أفريقيا والدول الأوروبية ينبغي توافره من أجل بناء الدولة الليبية، واستقرارها.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "الجزائر هي من تبنت المقاربة الأولى ونادت بثلاث نقاط رئيسية تتمثل في وحدة ليبيا ورفض التدخلات العسكرية في ليبيا، وأولوية الحل السلمي والسياسي، خاصة أن الجزائر تتمسك بالحكومة الشرعية المعترف بها دوليا وتتعامل معها".
دعم الحل السياسي، عبارة تكررت آلاف المرات من جل الأطراف والمؤسسات الدولية ومجلس الأمن والأمم المتحدة، لكن حتى اللحظة كل ما يتم التوصل إليه هي مراحل انتقالية دون مرحلة أكثر استقرارا، فيما ظل الانقسام هو العامل السائد طوال الفترات الماضية.
الانتخابات ودوامة الانتظار
ويرى الأكاديمي الجزائري أن بلاده تدعم تسييد الشرعية الداخلية عبر الانتخابات المرتقبة، وهو ما تتفق معه تونس في نفس الإطار مع إيطاليا "المستعمر القديم لليبيا، وباعتبارها المتواجد على السواحل الليبية في مواجهة الهجرة غير الشرعية.
وتابع عطية "الدول العربية الأخرى المشتركة في الحدود مع ليبيا مدعوة لتبني مقاربة واحدة لحل الأزمة في ليبيا وتوحيد المكون العسكري والسياسي، بعيدا عن أي مواقف أخرى لا تخدم المصلحة".
وبشأن الحضور الجزائري والتونسي على مستوى وزراء الخارجية العرب في الاجتماع التشاوري الذي دعت له المنقوش مؤخرا، يرى عطية أن "هذا التمثيل يؤكد على اعتراف تونس والجزائر بحكومة الوحدة الوطنية المتواجدة في طرابلس، عكس مصر التي تعترف بحكومة باشاغا، والدول الأخرى التي تعترف بالحكومتين معا، وهي دول لم تحسم أمرها".
وأشار إلى ضرورة إذابة الجليد من أجل من بين المواقف وتبني مواقف سليمة من أجل حل الأزمة في ليبيا.
وبالأمس وقعت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، اتفاقية مع شركة "إيني" الإيطالية، لاستثمار 8 مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات، لتطوير حقول للغاز تقترب احتياطياتها من 6 تريليونات قدم مكعبة.
جاء الإعلان عن توقيع الاتفاقية في تصريحات لرئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس التنفيذي لإيني، كلاوديو ديسكالزي، اليوم السبت.
وقال المسؤول الليبي إن: "اتفاقية اليوم جاءت بناء على مفاوضات منصفة للطرفين راعينا فيها مصالح الدولة الليبية ومصالح شريكنا الاستراتيجي شركة إيني، وأخذنا في الحسبان جميع الظروف الاقتصادية الدولية ونشاط دول الجوار في مجال الاكتشافات البحرية والمخاطر المحيطة لعملية استثمار 8 مليارات دولار خلال ثلاث سنوات".
بالمقابل، رفض وزير النفط والغاز الليبي بحكومة الوحدة الوطنية، محمد عون، الاتفاق، وشدد على أن مثل هذه الاتفاقيات يجب أن توقع من خلال الوزارة.
وقال عون، في تسجيل مصور بشأن توقيع مؤسسة النفط اتفاق مع "إيني"، اليوم، لتفعيل اتفاق الاستثمار في حقلي غاز في البحر المتوسط استراكشن A، واستراكشن B لإنتاج 850 مليون قدم مكعب، غير قانوني ويفتقد للندية بين الجانبين الليبي والإيطالي".
واعتبر عون أن "فتح التفاوض مع إيني كان مسألة خاطئة، لأن هذا الموضوع جرى التفاوض عليه عام 2008 من خلال 5 لجان كنت رئيس اللجنة الرئيسية"، موضحا أن "اللجان الأخرى شملت الجوانب الفنية والمالية والقانونية، علاوة على لجنة وزارية مصغرة برئاسة أمين اللجنة الشعبية العامة سابقا، وكان فرحات بن قدارة أحد أعضائها، بالإضافة إلى المؤسسة الوطنية للنفط سنة 2008".