وجاء رد بيسكوف على تصريح لجونسون بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدده بشن هجوم صاروخي، وأكد المتحدث باسم الكرملين أن "ما قاله جونسون ليس صحيحا".
وجاءت كذبة جونسون الأخيرة كواحدة من سلسلة طويلة من وقائع الكذب التي اشتهر بها الرجل، وعرف بها بين أعضاء مجلس العموم والكتاب والصحفيين البريطانيين.
تاريخ طويل من الكذب
وبحسب متابعين لمسيرة جونسون سواء كان رئيسا للحكومة وحتى قبلها يرون أن جونسون محترف كذب، بل تعتبر الكاتبة روزا برينس، المحرر السياسي السابق لصحيفة "الديلي تلغراف" أن جونسون يعتبر "الكذب عادة طبيعية بالنسبة له مثل قول الحقيقة بسهولة بالنسبة لمعظم الناس".
بينما يقول الكاتب والأكاديمي روري ستيوارت، وهو عضو سابق عن حزب المحافظين في البرلمان، إنه "أروع كاذب عرفناه كرئيس للوزراء. يعرف مئة طريقة مختلفة للكذب".
ويضيف ستيوارت: "لقد عرف الناس أن بوريس جونسون يكذب منذ 30 عامًا".
وتعليق ستيوارت وبرينس، لم يكن مرتبطا بما صرح به جونسون مؤخرا بشأن تهديده بالقتل، وإنما كان تعليقا عن مسيرة جونسون الطويلة مع الكذب.
وبوريس هو الشقيق الأكبر بين أربعة أبناء، ودرس في كلية "إيتون"، وهي مدرسة ثانوية تحتضن أبناء النخبة البريطانية، وأغلب السياسيين ورؤساء الوزراء، والمشرعين، والقضاة، والأمراء درسوا فيها، وتقول برينس في مقال كتبته في يوليو/تموز 2022، لموقع "سي إن إن"، إن جونسون عندما كان في "إيتون" لم يكن عمره قد تجاوز الـ13 عاما بعد، وهناك ظهرت عليه علامات الكذب بوضوح، فكان "يقول ما يراه مناسبا أكثر منه صحيحا"، وأضافت أن هذه العادة تطورت معه إلى أن وصل إلى جامعة أكسفورد، فأصبح "سيد الأكاذيب الوقحة".
وتابعت أن جونسون اعتبر أن "الحياة لعبة يمكن أن تخرج فيها منتصرًا فقط إذا كان لديك ما يكفي من الإيمان بالنفس"، حتى وأنت تقول الكذب.
وكانت الكذبة الأولى التي عرفت عن جونسون في بدايات حياته المهنية، وتحديدا في عام 1988، عندما عمل صحفيا في صحيفة "التايمز" التي فصلته بسبب فبركة تصريحات، ثم انتقل للعمل مراسلا في بروكسل لصحيفة "ديلي تلغراف" اليمينية في الفترة ما بين 1989 إلى 1994، وفيها كان يكتب تقارير ومقالات عما يحدث في الاتحاد الأوروبي، واتهم بأنه كان يقدم معلومات "غير دقيقة بشكل صارخ"، بينما وصفه آخرون بـ"المبالغة" في كتاباته، في وقت يؤكد البعض أن هذه المقالات كان لها دور كبير في الحملة التي نظمت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد ذلك بعقدين من الزمن.
الكذب على الشعب
في 2019، بينما كان رئيس الوزراء (وقتها) جونسون يزور أحد المستشفيات البريطانية، استوقفه والد طفلة مريضة، ليشكو له من آثار خفض تمويل القطاع الصحي، واتهمته باستخدام هذه الزيارة "لأغراض إعلامية"، وهنا كذب عليه جونسون وأكد له أنه "لا وجود لوسائل إعلام هنا"، على الرغم من الكاميرات والصحفيين الذين كانوا يرافقونه في الزيارة، فالتفت والد الطفلة نحو شخص يصوّر الحادثة، متسائلاً بغضب: "ماذا تعني بقولك لا وجود لإعلام؟ من هم هؤلاء الناس؟".
انتشر مقطع مصور للواقعة كلها، وهاجم الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي جونسون واتهموه بالكذب وطالبوه بالاعتذار على كذبه، لكنه لم يفعل بل وكتب تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، جاء فيها: "أنا سعيد بأن هذا الرجل شاركني مشاكله. هذا ليس مزعجاً، هذا جزء من عملي".
وبعيدا عن هذه الواقعة الشهيرة والواضحة التي تكشف كذب جونسون، يتهمه معارضوه كذلك بالكذب على الشعب، مستخدمًا خطب شعبوية خاصة أثناء حملة البريكست، حيث وعدهم وقتها بأن الحياة ستكون أفضل بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأن وضعهم الاقتصادي سيكون أفضل لكن هذا لم يحدث على أرض الواقع.
الكذب بشأن البريكست
وكان جونسون قائدا لحملة الخروج من البريكست، إلا أن الصحافة البريطانية رصدت تصريحات كاذبة عدة ساقها لإقناع المواطنيين البريطانيين بأهمية الخروج من الاتحاد الأوروبي، فخلال حملة الاستفتاء استخدم شعاراً حول الأموال التي تدفعها بريطانيا لبروكسل بشكل تضمن رقما خاطئا، حين قال إن بريطانيا تدفع 350 مليون جنيه إسترليني أسبوعيا للاتحاد الأوروبي، في وقت كانت الأموال التي تدفعها بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي أحد أكبر القضايا المثارة حينها. وقالت، وقتها، القاضية مارغوت كوليمان في قرار مكتوب إنّ جونسون، وزير الخارجية السابق، سيمثل أمام محكمة في لندن للرد على مزاعم بشأن إساءة التصرف خلال حملة بريكست، والرد على مزاعم حول تعمده الكذب أثناء حملة استفتاء بريكست.
وهي الدعوى القضائية التي قدمها محامو رجل الأعمال ماركوس بال، والذي قاد حملة تمويل جماعي لرفع القضية ضد جونسون، وقال المحامون إن جونسون "كذب مرارا وضلل البريطانيين حول تكلفة عضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي.. وكان يعلم أن تصريحاته كاذبة أو مضللة".
الكذب على الملكة إليزابيث الثانية
ومن بين الوقائع المشهورة عن كذب جونسون كذلك الواقعة التي اتهم فيها بالكذب على الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، فبعدما قضت أعلى محكمة استئناف في اسكتلندا، في 2019، ببطلان قرار جونسون تعليق عمل البرلمان، اتهم معارضو جونسون أنه كذّب على الملكة لاتخاذ قراره، وأن قراره بتعليق عمل البرلمان هدفه إحباط محاولاتهم للتدقيق في خططه بشأن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وإتمام العملية دون اتفاق.
ونفى جونسون أن يكون قد كذب على الملكة إليزابيث، بشأن تعليق عمل البرلمان، وقال إن تلك المزاعم "غير صحيحة على الإطلاق".
الكذب على البرلمان
بالرغم من أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة كانت السبب الأخير لرحيل جونسون من رئاسة الحكومة، في يوليو 2022، إلا أنها لم تكن السبب الوحيد، ففي الشهور الأخيرة قبل رحيله من منصبه تفجرت أزمة مشاركته في حفلات أقيمت في مقرات حكومية خلال فترة جائحة كورونا، حيث رصدت ما لا يقل عن 17 تجمعاً إما في داونينغ ستريت، حيث يعيش رئيس الوزراء ويعمل به، أو في إدارات حكومية أخرى، في أوج تفشي كورونا.
في البداية كذب جونسون ونفى هذه الحفلات، ثم ظهرت صور له أثناء مشاركته في الحفلات فعاد واعترف بمشاركته.
قبل هذه الكذبة كانت هناك فضيحة أخرى كذب فيها جونسون بشكل فج، وهي فضيحة اختياره للنائب كريس بينشر لمنصب نائب مسئول الانضباط لنواب الحزب الحاكم فى مجلس العموم، بالرغم من اتهام بينشر بالتحرش الجنسى، كذب جونسون وحاول إخفاء الحقيقة وقال المتحدث الرسمى باسمه ووزرائه إنه "لم يكن على علم بمزاعم سابقة عن اتهام بينشر بسوء السلوك الجنسي".
وفضحت كذبة جونسون عندما كشف اللورد سايمون ماكدونالد المسئول السابق بوزارة الخارجية عن أنه سبق، وأبلغ رئيس الوزراء شخصيا بسلوك النائب فى 2019، فاعتذر جونسون.
هذه الوقائع الكاذبة لجونسون كانت سببا رئيسيا في النتائج السلبية التي مني بها حزب المحافظين في انتخابات المجالس المحلية، في مايو/ أيار 2022، وكانت هذه المرة الأولى منذ عام 1964، التي يفقد حزب المحافظين سيطرته على مجالس رئيسية في العاصمة لصالح المعارضة.