كيف صنع الغرب مجده بنهب ثروات شعوب العالم؟

يستتر الغرب وراء حضارته المتطورة التي تبهر دول العالم الثالث، لكن خلف ذلك الستار تاريخ مشوه من عمليات النهب لثروات وخيرات تلك الشعوب التي تعيش الآن تحت ثقل الظروف المعيشية القاسية.
Sputnik
عكفت الولايات المتحدة ومن ورائها القوى الغربية الكبرى على استغلال قوتها العسكرية لامتصاص الثروات المعدنية والزراعية للشعوب الفقيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو ما أحدث فارقا بين ما يسمى بالدول المتقدمة ودول العالم الثالث قد يحتاج إلى عقود طويلة لتعويضه، فيما يلي نستعرض نماذج لدول وقعت ضحية لسياسة النهب التي انتهجها الغرب طيلة سنوات.

العراق... خسائر بقيمة 150 مليار دولار

بامتلاكها قوى عسكرية جرارة، لهثت الولايات المتحدة الأمريكية وراء النفط في مختلف أنحاء العالم، حتى أنه كان الدافع وراء العديد من حروبها، حتى وإن زعمت أنها كانت تدافع عن حقوق الإنسان أو أمن المنطقة والعالم.
زعم وزير الخارجية الأمريكي عام 2003 أمام مجلس الأمن أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، إلا أنه تم الاعتراف بالسبب الحقيقي في تقرير أمريكي حول أمن الطاقة، أمر بإعداده نائب الرئيس الأمريكي السابق، ديك تشيني، ونشره لاحقا مجلس العلاقات الخارجية ومعهد جيمس بيكر للسياسة العامة.
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
20 عاما على غزو أمريكا للعراق... تسلسل زمني وبيان حجم الخسائر
تضمن هذا التقرير تحذيرا من أزمة طاقة عالمية ستسبب اضطرابات في الأوضاع الاقتصادية بالولايات المتحدة، كما لفت إلى أن الولايات المتحدة قد تواجه تقلبات غير مسبوقة بأسعار الطاقة، مرجعا تلك التقلبات إلى التوترات بالشرق الأوسط، وما يشكله العراق من تهديدات بسبب السياسات النفطية غير المنتظمة التي ينتهجها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
كان أبرز المخاوف التي سلط التقرير الضوء عليها هو احتمال أن يسحب صدام حسين النفط العراقي من السوق لفترة طويلة من أجل الإضرار بالأسعار، وذلك لأنه منذ عام 2000، بدأ صدام حسين يتعمد فتح وغلق صنابير النفط بحسب ما يعتقد أنه من مصلحة بلاده الاستراتيجية.
لم يعد للغزو الأمريكي للعراق بديل آخر، إلا أن مخطط الغزو وسرقة النفط العراقي واجه عقبتين الأولى هي الرئيس العراقي صدام حسين، والثانية النظام القانوني للبلاد، لكن المحتل الأمريكي تغلب على مشكلة وجود صدام في بداية الغزو، ولحل المشكلة الثانية قررت إدارة بوش ضرورة تغيير قوانين النفط العراقية من خلال حكومة الاحتلال التي ظلت تدير العراق من أبريل/ نيسان 2003 إلى يونيو/ حزيران 2004.
تضمن مشروع القانون الجديد شرطا ينص على تسوية أي نزاعات تنشأ بين الحكومة العراقية وشركات النفط الغربية أمام التحكيم الدولي وليس القضاء العراقي، لكن لحسن الحظ لاقى القانون معارضة برلمانية وشعبية شرسة في 2007.
كان ذلك القانون المعيب يسمح لشركات النفط الغربية بإبرام صفقات يصل أمدها إلى 30 عاما لاستخراج النفط العراقي، وتقاسم الأرباح مع الحكومة.
ويبدو أن مخطط النهب الأمريكي للنفط العراقي سار على ما يرام، حيث صرح الرئيس العراقي السابق برهم صالح عام 2021، بأن كمية النفط المسروق من العراق منذ بداية الغزو الأمريكي عام 2003 تقدر بما قيمته 150 مليار دولار.

أفغانستان... نهب ثروة معدنية بقيمة تريليون دولار

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عام 2010 عن تقرير يتناول حجم ثروات أفغانستان المعدنية بناء على مذكرة سرية للبنتاغون وخريطة جيولوجية سوفيتية صادرة عام 1977.
إعلام: الولايات المتحدة يمكن أن تفعل مع أوكرانيا مثلما فعلت مع أفغانستان
تقول الصحيفة إنه تم اكتشاف الحجم الهائل للثروة المعدنية الأفغانية بعد ثلاث سنوات من غزو الولايات المتحدة لأفغانستان، أي في عام 2004 على يد فريق صغير من مسؤولي البنتاغون والجيولوجيين الأمريكيين، حيث اكتشفت الولايات المتحدة ما يقرب من تريليون دولار من الرواسب المعدنية غير المستغلة في أفغانستان، وهو ما يتجاوز بكثير أي احتياطيات معروفة سابقا، كما تكفي تلك الثروات لتغيير الاقتصاد الأفغاني بشكل جذري وربما الحرب الأفغانية نفسها، وفقا لمسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية.
الرواسب المعدنية الضخمة المكتشفة في أفغانستان اشتملت على الحديد والنحاس والكوبالت والذهب والمعادن الصناعية المهمة مثل الليثيوم، وهي معادن ضرورية للصناعة الحديثة بحيث يمكنها تحويل أفغانستان إلى أحد أهم مراكز التعدين في العالم، حسبما ذكر مسؤولون أمريكيون.
بدأت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية سلسلة من المسوحات الجوية للموارد المعدنية في أفغانستان في عام 2006 باستخدام معدات قياس جاذبية ومغناطيسية متطورة مزودة بطائرة تابعة للبحرية أوريون P-3 حلقت فوق أكثر من 70% من أفغانستان.
الغريب أن وسائل الإعلام الأمريكية أثارت شكوك حول الحكومة الأفغانية آنذاك، فيما يتعلق بالتعامل مع الثروات المعدنية في البلاد، كما اتهم مسؤولون أمريكيون وزير المناجم الأفغاني بقبول رشوة قدرها 30 مليون دولار لمنح الصين حقوق تطوير منجمها للنحاس، إلا أنه تمت إقالة الوزير منذ ذلك الحين.
بدأت فرقة عمل البنتاغون بالفعل في محاولة مساعدة الأفغان على إنشاء نظام للتعامل مع تطوير قطاع المعادن، حيث تم التعاقد مع شركات محاسبة دولية لديها خبرة في عقود التعدين للتشاور مع وزارة المناجم الأفغانية، ويتم إعداد البيانات الفنية لتسليمها إلى شركات التعدين متعددة الجنسيات والمستثمرين الأجانب المحتملين الآخرين.
زعم البنتاغون أن "وزارة المناجم الأفغانية ليست مستعدة للتعامل مع تلك الكميات من المعادن، نحن نحاول مساعدتهم"، وبالفعل سعت الإدارة الأمريكية للحصول على عطاءات بشأن حقوق التعدين في البلاد.
البيت الأبيض: الولايات المتحدة تسحب من أفغانستان صفة الشريك الرئيسي خارج الناتو
لتلخيص المخطط الأمريكي في أفغانستان، يقول أستاذ الفلسفة المتقاعد في جامعة مينيسوتا، جيمس فيتزر، إن الحرب الأمريكية على أفغانستان كانت تهدف إلى نهب الثروة المعدنية للبلاد، مشيرا إلى أن أسامة بن لادن لا علاقة له بأحداث 11 سبتمبر/ أيلول.
وأكد فيتزر أن الولايات المتحدة غزت أفغانستان من أجل نهب ثروتها المعدنية الهائلة بما في ذلك أكبر رواسب الليثيوم خارج بوليفيا، حيث يستخدم الليثيوم لمكونات في أجهزة الكمبيوتر، ومحفزات للأجهزة النووية، وبطاريات السيارات الكهربائية، حسبما صرح لصحيفة "طهران تايمز".

ليبيا... خسائر بقيمة 750 مليون دولار سنويا

تأتي ليبيا في المركز الخامس عالميا من حيث الاحتياطي النفطي، ما جعلها مطمعا للناتو، وهو ما أدركه الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي لذلك قرر في سبعينيات القرن الماضي، تأميم معظم شركات النفط في البلاد، واضعا قوانين جديدة للمشاركة في قطاع النفط وسقفا للإنتاج.
جاءت تلك القرارات نكاية في الولايات المتحدة، حيث كان معظم صادرات النفط الليبي فيما سبق يذهب إلى الولايات المتحدة التي كانت شركاتها تسيطر على نحو 90% من إجمالي إنتاج قطاع النفط الليبي، ومنذ ذلك الحين عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بشتى الطرق لعودتها إلى قطاع الطاقة في ليبيا، عاونتها في ذلك الدول الأوروبية التي خسرت هي الأخرى بسبب قرارات القذافي.
مع بداية أحداث سقوط القذافي في ليبيا عام 2011، كان قطاع النفط بطبيعة الحال على رأس أولويات الغرب، ودول "الناتو" ما أدى مع تلاحق الأحداث إلى ممارسة الغرب لسرقة ممنهجة للنفط الليبي.
تدخل "الناتو" عسكريا في الصراع الليبي، وكانت السيطرة على حقول النفط محور هذه المعارك المحتدمة، حيث كانت براميل النفط تُهرّب من حقول الإنتاج إلى الأسواق الأوروبية بأساليب ملتوية، ومن خلال شركات وهمية وجوازات سفرٍ دبلوماسية، حسبما ذكرت قناة "الميادين".
وكشفت تحقيقات، أجريت في 2017، عن تورط شركة مالطية في سرقة النفط الليبي من مصافي مدينة الزاوية التي تبعد 40 كم عن غرب العاصمة طرابلس، بالتعاون مع مجموعات ليبية مسلحة هناك، حيث تم شحن النفط الخام إلى المصافي الإيطالية على متن سفن غير مرخصة، ويتم بيع تلك الكميات بواسطة الشركة المالطية لأسواق إيطاليا وأوروبا، كما أظهر تحقيق آخر في عام 2020 عن أن شركة "Kolmar Group AG" السويسرية، وهي شركة كبيرة لتجارة الوقود والوقود الحيوي، متورطة في التهريب غير المشروع للوقود الليبي.
المجلس الأعلى لقبائل ليبيا لـ"سبوتنيك": سنغلق حقول النفط وخطوط الغاز خلال أيام
ورد الدليل الأكثر وضوحا في وثائق مسربة من بريد هيلاري كلينتون كشف عن 5 أسباب دفعت فرنسا إلى التدخل في ليبيا للإطاحة بالقذافي، جاء من بينها رغبة فرنسا في الحصول على حصة أكبر من إنتاج النفط الليبي، وبالفعل تعهد ما سميَ بـ"المجلس الوطني الليبي" بحصول فرنسا على 35% من إجمالي النفط الليبي الخام، مقابل حصول المجلس على دعم باريس، وقد أوفت فرنسا بوعودها وكانت أول دولة تعترف بالمجلس كممثل لليبيا في مارس/ آذار2011.
لم تتسامح بريطانيا في نصيبها من كعكة النفط الليبي، حيث قرر رئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كاميرون، في عام 2011 إنشاء ما يسمى بـ"خلية النفط الليبي"، والتي ساهمت في عرقلة وصول إمدادات الطاقة إلى طرابلس الغرب، مع ضمان وصولها إلى الميليشيات المسلحة في شرق ليبيا، وسمحت لشركات وتجار نفط بريطانية لبيع الوقود للمسلحين في بنغازي.
بحسب الإحصاءات الرسمية حتى العام 2018، بلغت خسائر قطاع النفط الليبي بسبب التهريب والسرقة نحو 750 مليون دولار سنويا، وفق ما ذكره رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط الليبية آنذاك، مصطفى صنع الله.

سوريا... سرقة 82% من إجمالي إنتاج البلاد

أفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ون بين، في سبتمبر/ أيلول الماضي بأن القوات الأمريكية المتواجدة في سوريا "تنهب نحو 66 ألف برميل يوميا، أي ما يعادل 82% من إجمالي إنتاج النفط السوري".
وأوضح المتحدث أن "أعمال السرقة الأمريكية أصبحت أكثر تهورا، وهو ما أكده بيان صادر عن وزارة النفط والثروة المعدنية السورية، الذي أكد أن متوسط ​​إنتاج النفط اليومي خلال النصف الأول من عام 2022 بلغ نحو 80300 برميل".
سوريا تحمل الولايات المتحدة مسؤولية انعدام الأمن في المنطقة
ومنذ بداية شهر أغسطس/ آب الماضي، وقعت ما لا يقل عن 10 سرقات نفط، وتم استخدام حوالي 800 صهريج لنقل النفط المسروق إلى القواعد الأمريكية خارج سوريا، كما اضطر السوريون إلى الوقوف في طوابير لساعات في محطات الوقود، فيما يتم نهب معظم نفط أراضيهم.

الدول الأفريقية... 500 مليار دولار سنويا لصالح فرنسا

عانت الدول الأفريقية ويلات الاستعمار الفرنسي على مدار عقود طويلة إلا أنه حتى بعد حصول تلك الدول على استقلالها، استمرت فرنسا في سياستها الاستعمارية حتى وإن تراجع تدخلها عسكريا.
وقعت فرنسا عام 1961 اتفاقية مع 14 دولة أفريقية، التزمت تلك الدول بمقتضاه بدفع مقابل البنى التحتية التي أقامتها فرنسا في تلك الدول خلال فترة استعمارها، كما التزمت تلك الدول بوضع 85% من احتياطيات النقد الأجنبي لديها في خزانة البنك المركزي الفرنسي.
وأوضح تقرير أصدرته وكالة "بلومبرغ" أن فرنسا متمسكة ببقاء مصالحها الاستعمارية في أفريقيا حيث أنها تضخ نحو 500 مليار دولار سنويا في خزانة الدولة الفرنسية.
تعرف فرنسا جيدا كيفية الإطاحة بمن يعرقل مصالحها داخل القارة السمراء، حيث تستخدم سلاح الانقلابات العسكرية للإطاحة بالأنظمة الأفريقية التي تعارض مطامعها، حيث دبرت 67 انقلابا في 26 دولة أفريقية على مدار خمسين عاما، وهو ما يعني أن فرنسا مسؤولة عن 61% من الانقلابات التي شهدتها الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية.
مناقشة