نزح حمدي وأسرته البالغ عدهم 12 فردا إلى مخيم النازحين في مدينة بنغازي (الشرق الليبي)، بسبب الأحداث التي اندلعت في فبراير/ شباط 2011 وما تلاها من تدخل لقوات الناتو الذي استهدف المدن الليبية، ودمر البنى التحتية وساعد في إغراق البلاد بالسلاح، وجرت عمليات تهجير للقبائل والمدن المؤيدة للرئيس الراحل معمر القذافي حينها، فضلا عن عمليات تهجير وهجرة للخارج.
معاناة ممتدة عاشها حمدي وأسرته كما آلاف الأسر التي هجرت من تاورغاء حينها، والعديد من المدن الليبية في الشرق والغرب، فيما عادت بعض العائلات خلال السنوات الماضية، لكن مئات الأسر لا تزال حتى الآن تقيم في المخيمات.
يوضح حمدي أن سبب عدم عودته إلى المدينة ومئات الأسر عدم وجود البنى التحتية أو الخدمات، وبقاء المنازل على حالتها المهدمة والمحروقة، وعدم توافر الأمن والماء والكهرباء في المدينة.
لافتا إلى أن جميع الحكومات التي توالت على السلطة لم تقدم للمهجرين أو مدينتهم أيا من الخدمات، فيما يعاني أهالي المدينة حتى اليوم من الاضطهاد.
معاناة الأسر مستمرة
تسببت عملية التهجير في عدم استكمال شقيقة حمدي لدراستها الجامعية، بعد أن حاولت الالتحاق بجامعة بنغازي التي طلبت ما يفيد تقييدها في جامعة مصراته، غير أن الأخيرة رفضت منحها أي وثائق لمجرد أنها من مدينة "تاورغاء".
بعد سنوات من التهجير، اختفى شقيقه في العام 2014، الذي كان يعمل في الشرطة الليبية ما قبل العام 2011 وتوقف عن العمل بعد الأحداث التي وقعت وانقطع راتبه، ولم يتأكد إن كان حيا أو أنه توفى، تاركا خلفه طفلة دون مصدر للإنفاق على الأسرة.
معاناة حمدي يعيشها المئات في ليبيا في مناطق عدة متفرقة، حيث يشتكي من عاد إلى مدينته الأصلية من عدم توافر المرتبات والخدمات، وكذلك الأمن في مناطق متفرقة من ليبيا.
بيئة غير آدمية
مدارس من الصفيح، ومياه غير صالحة للشرب، ومعاناة في عدم توفر الدخل المادي وعدم تقديم معونات لهم، وانتشار الأمراض بين الأطفال، هي أوجه المعاناة التي يعيشها المئات من الأسر، الذين يؤكدون أن تدخل الغرب في ليبيا وإغراق ليبيا بالسلاح في العام 2011، أدى إلى تهجيرهم تحت قوة السلاح من مدنهم وبيوتهم.
لم تقتصر موجات التهجير على العام 2011، بل تبعته موجات أخرى من الشرق الليبي ناحية الغرب، ومن الغرب ناحية الشرق، في العام 2014، و2015، وكذلك في العام 2020، بسبب المواقف السياسية وتأييد معسكر ضد الآخر، أو العمليات التي كانت تشن بين المدن.
وشهدت تاورغاء البالغ سكانها نحو 40 ألف نسمة، منذ 2011 أعمال قتل وتهجير على يد جماعات مسلحة من مدينة مصراتة على خلفية دعم المدينة للرئيس الراحل معمر القذافي، إبان أحداث 17 فبراير/ شباط من العام نفسه.
نزح أهالي المدينة الواقعة جنوب مدينة مصراتة، إلى مخيمات بمنطقتي "بوابة العشرين" شرق سرت، و"قرارة القطف" غرب بني وليد، أو في ضواحي العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي (شرق).
في 4 يونيو/ حزيران 2018، أبرم اتفاق صلح بين مدينتي مصراتة وتاورغاء لإعادة المهجرين إلى مدينتهم، لكن المدينة تحولت إلى مكب للنفايات، ما أدى إلى انتشار الأمراض بين المهجرين العائدين خاصة مرض "اللشمانيا الجلدي"، بالإضافة إلى عدم توافر الخدمات.
لجنة حقوق الإنسان توضح الأزمة
يقول أحمد حمزة مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، إن نحو 250 ألف نازح حتى الآن خارج مدنهم، وأبرز المدن التي هجر أهلها ولم يتمكنوا من العودة الكاملة تتمثل في "تاورغاء، ترهونة، طرابلس، غريان، الزاوية، العجيلات، جادو، وبعض المدن في الشرق الليبي".
يؤكد أن أبرز التحديات التي تواجه النازحين عدم وجود استراتيجية حول العودة الآمنة للنازحين والمهجرين بالداخل.
يوضح حمزة أن هناك تخوفات بشأن التعرض لهم والانتقام، في ظل غياب رؤية من قبل السلطات أو توافر العوامل التي تكفل لهم العيش الكريم.
دفعت التحديات الأمنية وعدم إعادة الإعمار والخوف من الانتقام أو التعرض لأسرهم في عدم عودة مئات الأسر إلى مدنها، حسب تأكيد حمزة.
تهجير سياسي
يقول محمد قشوط (أحد المهجرين منذ 2014 من طرابلس)، إن حالات التهجير في ليبيا لم تعد محصورة على الذين غادروا بسبب تأييدهم لنظام القذافي سنة 2011، بل طالت حتى الذين رفضوا هيمنة "المليشيات والتنظيمات الإرهابية سنة 2014".
رغم أنه هجر في العام 2014، بسبب رفضه للجماعات المؤدلجة وتأييده للجيش الليبي، يقول قشوط، إن " الذين أجبروا على التهجير سنة 2011 يبلغ تعدادهم نحو 500 ألف كأقصى حد، وتوزعوا بنسبة كبيرة جداً بين مصر وتونس وأعداد بسيطة في دول أخرى".
تمكن بعض المهجرين في الخارج بصورة كبيرة من العودة إلى ليبيا خلال السنوات الماضية، بعضهم عاد لمدينته الأصلية والبعض عاش في مدن أخرى.
يشير قشوط إلى أن المهجرين واجهوا العديد من الصعوبات في السنوات الأولى من التهجير، بسبب إيقاف مرتباتهم وفصلهم من أعمالهم، لكن هذه الصعوبات تراجعت بعد سنوات من التهجير، خاصة فيما يتعلق بالمهجرين من العام 2011.
جريمة الناتو
تقول الكاتبة الليبية هالة المصراتي، إن تدخل حلف الناتو في العام 2011، قام بدوره ودمر ليبيا، ولكنه لم يلتفت لإعادة الإعمار كونه لا يتدخل في دولة من أجل التعمير.
توضح المصراتي في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن الحكومات لم تقدم أي حلول جذرية للأزمة، تضمن العودة للمهجرين، وأن الحديث الذي يطرح دائما عن المصالحة يرتبط بالدائرة العليا، وأنه على المستوى الشعبي لا توجد خلافات كبيرة.
ولفتت المصراتي إلى أن أعداد المهجرين قسرا تراجعت خلال السنوات الأخيرة، لكنهم بقوا غرباء في مدنهم، خاصة مع تعاظم الأعباء التي تفاقمت عليهم طوال السنوات الماضية.
زراعة الفتن
فيما يقول أشرف عبد الفتاح أحد المهجرين في العام 2011، إن تدخل الناتو في ليبيا أدى إلى دمارها، حيث زرعت الفتن بين القبائل والمدن، ما أدى إلى استمرار الصراع في ليبيا حتى الآن.
يوضح أشرف أن عشرات الآلاف هجروا للداخل، وهاجر مئات الآلاف للخارج، وأن الأغلبية منهم يخشون العودة إلى ليبيا حتى الآن.
يقول أحد المهجرين ،الذي رفض الكشف عن اسمه، أن الموجة الأولى في التهجير كانت عام 2011، وكان هو وأسرته من بينهم، خاصة أن المطالبات والملاحقات للبعض لم تبن على أسس قانونية.
يؤكد عبد الفتاح أن الغرب الذي تسبب في معاناة مئات الآلاف في ليبيا بسبب النزوح لم يلتفت لقضيتهم حتى اليوم، وأن المجتمع الدولي يغض الطرف عن القضية حتى الآن، كون قضيتهم تعد من الجرائم المترتبة على تدخل الغرب في ليبيا في العام 2011.
قوائم المطلوبين
وجود العديد من الأسماء على قوائم المطلوبين حالت دون عودتهم لمدنهم، فيما يؤكد أشرف عبد الفتاح أن قانون العفو العام لم يطبق في الغرب الليبي، الأمر الذي تسبب في عودة المهجرين خوفا من الملاحقة، خاصة الذين أدرجت أسماؤهم بسبب تأييدهم للرئيس الراحل معمر القذافي.
ومن المنطقة الشرقية هجرت بعض العائلات التي لاحقتها اتهامات بانتماءات لتيارات الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة خلال العام 2014، مع بدايات عملية الكرامة.
تهجير أهالي ترهونة
وفي العام 2020 تعرضت مدينة ترهونة لعملية تهجير، إذ تشير الأرقام الصادرة عن عدة مؤسسات حكومية والبعثة الأممية إلى أن نحو 16 ألف تركوا ديارهم بعد دخول قوات حكومة الوفاق حينها للمدينة التي كانت تتمركز فيها القوات القادمة من الشرق خلال العملية التي قادها الجيش الليبي حينها، فيما عثر على 100 جثة حينها في المستشفيات، حيث تبادلت الأطراف الليبية حينها الاتهامات بشأن جرائم القتل والمقابر الجماعية، حيث وجهت حكومة الوفاق الاتهامات للجيش الليبي القادم من الشرق حينها.
رغم مرور السنوات، يعاني الآلاف من المهجرين من مناطق عدة من عدم توفر ظروف العودة الآمنة حتى الآن، فيما تفاقم المعاناة الأوضاع الاقتصادية، وعدم إعادة الإعمار منذ أن دمرت منازلهم.