الملفت في الانحسار الحالي بحسب الخبراء أنه وقع في شواطىء متقابلة، أي في الجانب الأفريقي والأوروبي، في حين أن ظاهرة المد والجزر تحدث بشكل متقابل "أي المد في جهة يعني الجزر في الجهة الأخرى" بينما سجلت معظم الشواطى على المتوسط عمليات تراجع لمستوى مياه البحر بنسب مختلفة.
تراجع منسوب مياه الأطلسي
كما ظهر انحسار مياه المحيط الأطلنطي على شواطىء المغرب، حيث جرى تداول مقاطع فيديو وصور لظهور محطة "تلفريك سيدي إفني" بالكامل، في حين أنه لم يكن يظهر منها إلى الجزء العلوي، وظلت مغمورة في المياه لسنوات طويلة.
ومثل "التلفريك" خلال الحقبة الإسبانية (1860-1969)، معبرا حيويا للبضائع والمسافرين يربط السفن القادمة من إسبانيا بالبر.
خبير المناخ المغربي محمد بن عطا، أوضح أن ما جرى تداوله عن تراجع المياه بسيدي إفني، لم يظهر في عموم المحيط، وأن الأمر مرتبط بالمنطقة فقط حتى الآن، دون تأكيد من الجهات الرسمية.
ويشير الخبير في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الخط الساحلي على المحيط الأطلسسي بالنسبة للمغرب لم يسجل تراجعا، وأن ما وقع في الشرق الأوسط يتعلق بتحرك صفائح الكرة الأرضية.
تحذيرات الكوارث التركية
في وقت سابق في 20 فبراير/ شباط، حذرت إدارة الكوارث التركية من ارتفاع مياه البحر وقالت: "على مواطنينا الابتعاد عن الساحل كإجراء وقائي ضد مخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر إلى (50) سم، ولم تسجل أي حالات ارتفاع أخرى في شواطىء الدول المجاورة، فيما استمرت عملية انحسار المياه لما يقرب من أسبوعين منذ الزلزال الذي وقع في 6 فبراير/ شباط بتركيا.
تبعات الزلازل
الزلزال الذي ضرب تركيا كانت قوته تتجاوز 7.8 درجة على مقياس ريختر، وهو يصنف من الزلازل الكارثية، وقد أثر على سوريا المجاورة ولبنان، وتبعه عدة توابع وانتهت بزلزال مشابه منذ يومين، ما يعني زيادة عملية التشققات واتساع الفوالق.
فالق شرق الأناضول يزيد طوله عن 100 كيلو متر، هو نهاية للأخدود الإفريقي، ويفصل الفالق الضخم بين الدرع النوبي والدرع العربي من جهة ودرع الأناضول من جهة أخرى، وصفيحة شرق الأناضول اهي متداد للبحر الأسود في الأردن وفلسطين، وهو بدوره امتداد للأخدود الإفريقي العظيم.
العلاقة بين الزلالزل وانحسار المياه
يذهب الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، إلى وجود علاقة بين الزلالزل وانحسار المياه بذها المستوى.
يقول في حديثه لـ"سبوتنيك"، ان حركة المد والجزر هي ظاهرة طبيعية وعادة ما تنحسر المياه وتعود لمستوياتها خلال اليوم أو في أيام قليلة، لكن طول مدة انحسار المياه يضع احتمالات أخرى محل البحث.
يوضح شراقي أن الزلزال الكبير الذي وقع في تركيا وتبعه عدة زالزال أخرى أحدث العديد من التشققات في الأرض، ما يحتمل معه أن تكون هذه التشققات تسريت إليها كميات كبيرة من المياه، أدت إلى انحسارها بهذا الشكل، وأن ما يرجح هذا الاحتمال إذا استمر انحسار المياه دون عودتها لمستوياتها مرة أخرى خلال الأيام المقبلة طبقا لظاهرة المد والجزر.
يوضح شراقي أن الفوالق تتسع بدرجات متفاوتة حسب درجات الزالازل، كما تكونت على مر التاريخ البحار في مناطق عدة ومنها البحر الأحمر، وأن هذه العمليات لا تشكل مخاطر على البشر، بينما يمكن أن تؤدي إلى عزل مناطق عن الأخرى على مدار مئات السنوات المقبلة.
عمليات الإزاحة
تسبب زلزال تركيا في فوالق ضخمة وحالات إزاحة، حيث إن الكتلة الأناضولية بالكامل تحركت في اتجاه البحر المتوسط نحو 8 أمتار، هذه الكتل تتحرك بدون الزلازل من 2 إلى 3 سنتيمترات كل عام، ثم تبعها العديد من الهزات الارتدادية التي تسببت في تشققات ربما تسربت إليها المياه.
ظاهرة طبيعية
يقول الخبير المغربي في شؤون البيئة والمناخ محمد بنعبو، إن انخفاض منسوب المياه في شواطئ البحر الأبيض المتوسط هي ظاهرة طبيعية تحدث كل عام، ومرتبطة بحركة المد والجذر المتعلقة بحركة القمر حول الأرض.
رغم حالة الهلع التي أصابت ملايين المواطنين في العديد من الدول، يشير بنعبو إلى أنها ظاهرة لا تدعو للقلق، حيث سيعود منسوب المياه إلى حالته الطبيعية تدريجيا الأيام المقبلة.
المد والجزر
تحدث ظاهرة المد والجزر على مرحلتين لمياه المحيطات والبحار. المرحلة الأولى وهي "المد" و يحدث فيها ارتفاع وقتي تدرجي في منسوب مياه سطح المحيط أو البحر، ومرحلة الجزر يحدث فيها انخفاض وقتي تدرجي في منسوب مياه سطح المحيط أو البحر، وتنجم هذه الظاهرة عن التأثيرات المجتمعة لقوى جاذبية القمر والشمس وحركة دوران الأرض التي تولد بعض القوة الطاردة المركزية عند خط الاستواء.
ما علاقة ظاهرة الجفاف
يوضح الخبير المغربي لـ "سبوتنيك"، أن ظاهرة الجفاف وقلة الأمطار التي أصابت جل دول الحوض البحر الأبيض المتوسط خلال العام الحالي، زادت من احتمال انخفاض منسوب مياه البحر الأبيض المتوسط.
يفسر بنعبو المخاوف لدى الأغلبية بأنها ترتبت على التصريحات التي حذرت من تسونامي بعد زلزال تركيا، وأن الظاهرة ذاتها وقعت في السابق دون انتباه الجميع بنفس القدر الحالي.
تقارير سابقة
التقارير السابقة من جهات عدة دولية كانت تشير إلى أن تغير المناخ يؤدي إلى ارتفاع مستويات مياه المحيطات وانحسارها، وما تؤكده تقارير البنك الدولي الذي أشار إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر يؤدي إلى تآكل الدلتا والسواحل، لكن ما يحدث الآن على عكس ذلك حيث انحسرت المياه بدرجة كبيرة.
يتفق بنعبو على أن الانحسار الحالي غير مسبوق، وأنه مراكز الأبحاث والمختبرات المعنية بالبحار والجيولجيا مطالبة بالعمل بشكل أكبر لفهم الأمر.
تأثير الشمس والقمر
يعود أستاذ الجيولوجيا المصري عباش شراقي للحديث حول الأمر، ويوضح أن المد يكون أكبر أثناء وجود الشمس والقمر علىى نفس الخط والاتجاه، ويعقبه جزر كبير أيضا.
في بعض الحالات تكون الأرض بين الشمس والقمر، فتكون قوة الشمس أقل نسبيا نظرا لجذب القمر من الناحية الأخرى.
يشدد شراقي على أن الجزر الحالي لم تشاهده الأجيال الحالية منذ ما يقرب من 50 عاما أو أكبر، وأن تزامنه مع زلزال تركيا يضع احتمالية العلاقة دون تأكيد، حتى إجراء الأبحاث اللازمة، خاصة مع طول فترة الانحسار.
ويقول شراقي، إن انحسار المياه في جهة أوروبا والجانب الأفريقي يرجح احتمالية نقص في منسوب مياه البحر، وأن الأمر هنا يكون احتمال آخر دون عملية المد والجزر الطبيعية.
وفي وقت سابق كشف الدكتور جاد القاضي، رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر، عن سبب انحسار مياه البحر المتوسط بشواطئ شمال سيناء .
وقال القاضي، في تصريحات لوسائل إعلامية محلية، إن "السبب وراء ذلك موجات المد والجزر"، وإن "الأمر ليس كبيرا ويرتبط بعلاقة القمر في أطواره المختلفة مع الأرض، لكن ليس للزلازل علاقة بهذا الأمر كما يردد البعض".
وشدد القاضي على أن "هذه ليست ظاهرة جديدة بل أمر طبيعي ومتكرر، وهناك محطات رصد منتشرة على السواحل المصرية تتابع منسوب سطح البحر بصفة مستمرة.